قصص
يومٌ مُشمس
وقد عادت أمي من حيث لا يُعرَف أين، ولا يُعرف كيف. تحوم نسمات الربيع الذي حلَّ قبل أوانه. ترتدي أمي قميص نوم، ليُقال إنه جديد. نَسير يدًا بيد ونتبادل الحديث. يبدو صوتها مرتعشًا وكأنها هدأت لتوها من فزعٍ أصابها. كلٌّ يبدو مُنعكسًا على مياه ساكنة ولكنها تحمل آثار موجات سابقة، وأحجارًا قد تساقطت. أقلَعت أمي عن التدخين، وكما تُخبرني، صارت تتنفس بشكلٍ أفضل. تتنفس تاركة الرياح تقتحمها وتخرج منها. تتنفس على نحوٍ جيدٍ حتى إننا، على حين غرة، رحنا نُسرع من وتيرة خطواتنا… نُسرع ضاحكين حتى أضحى من الصعب أن نواصل تشابُك أيدينا. «إنكِ لَخفيفة الحركة»، حدثتها. تُومئ أمي مُوافقة، مُركزة جهدها أن تركُض أكثر فأكثر. افترقنا. يسرني أن أراها مُتعافية هكذا، بِشعرها المموج وقميص نومها المرفوع. ولكنها سريعة لدرجة تفوق الحد.
شرطي تكعيبي
دخلتُ بشكل جانبي إلى غرفة المعيشة في صعوبة بالغة. خفضتُ ضوء المصباح إلى النصف، ثم أطفأت النصف الآخر. خُيّل لي كما لو أدركَت أذناي ضجيجًا لاحقًا. ولكنني لم أكُن قد دخلتُ الغرفة بعد. أو ربما فعَلت، حسب الموقف. صرختُ تحسبًا. تصاعد صوتي، لامَس السقف، ارتدَّ أصفر اللون ككرة التنس ثم عاد إلى فمي. أمر منطقي أن أحدًا لم يكن باستطاعته إنقاذي. كان جثماني يرقد في أحد طرفي الغرفة. على الطرف الآخر كانت القدمُ اليسرى للقاتل تفرُّ هاربة. تُرى ماذا كان يفعل المصباح الذي لم يزل مُضاءً؟ هنالك تكمن القضية.
الموسيقا الأم
حلمتُ للتو بأمي. كان المشهد (إذا ما كانت الأحلام هي المشاهد وليست استحالتها) يجري بإحدى قاعات غرناطة. في المقعد الأخير حيث تسري نغمات عزفها على آلة الكمان. كان الحفل الموسيقي رقم 3 لمعزوفات موزارت. كنت أستمع إليها جالسًا وسط الجمهور. ظهرت أمي مُرتدية ملابس ليست بالرسمية. بشعرٍ قصير جدًّا، دون صبغة. كانت تنشز عن اللحن باستمرار. في كل مرة تفعل ذلك كنت أغمض عينيَّ. عندما أعود أفتحهما كانت تحدق بي من فوق خشبة المسرح وتبتسم في شحوب. وقتما استيقظتُ، لوهلة، بدا لي أن أمي كانت تحاول أن تُعلمَني أن أستمتع بأخطائي. يتركنا الزمن يتامى. تتبنانا الموسيقا.
المصدر :
Neuman, Andrés, Hacerse el muerto,
Primera edición: 2011.