الفنون والسلوك والزي الشخصي.. تعبيرات عن الموقف والرأي في المرحلة الراهنة
ظهور صيغ تعبيرية جديدة في الهيئة الشخصية واللفظية والأخلاقية لدى الشباب، يتطلب استكشاف هذه التحولات من جانب المختصين والباحثين ومقاربتها مع السوابق التاريخية للحراك الاجتماعي والثقافي في المجتمعات الأخرى. ومن ثم استشراف نتائج هذه الأنماط التعبيرية ومدى قدرتها على التعامل مع المستقبل. من هنا تتكون الأسئلة حول: كيف يمكن فهم الخصائص المعرفية والفكرية والتعبيرات الشبابية التي فرضتها التحولات الجديدة؟ وهل يمكن القول بأن توظيف المنتج الفكري والسلوك والزي الشخصي والفنون للتعبير عن الموقف والرأي هو من مقتضيات اللحظة الراهنة، التي حتمت مفاضلة من نوع ما مع الاجتماعي التقليدي، الرافض للانتقال نحو مرحلة فرضتها التقنية للانكشاف على الذات والانفتاح على الآخر؟
تنظر الدكتورة جهاد الخالدي، الرئيسة التنفيذية لهيئة الموسيقا بوزارة الثقافة سابقًا، إلى الموضوع بأهمية. فهي ترى أننا نحتاج إلى دراسة لصناعة قادة للمستقبل من خلال حَفْز التعبير الإبداعي، وصقل قدرات الشباب وملكاتهم التي يتواصلون بفضلها مع ثقافات مختلفة، «ومن الضروري إتاحة حرية التعبير وتنمية الشعور المسؤول بها وتشجيعهم، بل حثهم، على اكتساب صنوف المعرفة الثقافية والعلمية والإنسانية. والأهم من ذلك، تطوير أدواتهم التعبيرية والمهارية ليظهروا كقادة للمستقبل والحاضر أيضًا». وفي رأي الخالدي، يتحقق ذلك بتهيئة المناخ العلمي الثقافي للشباب للتعبير عن تجاربهم وإبداعاتهم، من خلال ممارسة الفنون الجميلة والفنون الأدائية والموسيقا، والفنون المسرحية.
تقنيات مزدوجة
ويؤكد لؤي سمان، الباحث في تاريخ الموسيقا، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تعابير الشباب الموسيقية وفي ثقافتهم المسرحية، بتبني لغة الاختصار والبحث عن الإبهار في العزف والغناء. «وهذا ما يحتاجه جمهور الإنترنت، وبسببه أصبح التركيز على كيف تعزف وتغني بدلًا من ماذا تعزف وتغني، خلافًا للماضي حيث كان المسرح بسيطًا وعميقًا. وصار المتلقي يفرض ما يريد على تعابير الشباب. فالسرعة والقدر الهائل من المعلومات تفرض عليهم إيجاد تعابير سهلة غير مقيدة، لا تلقي بالًا لتقاليد المجتمع أو المستوييْنِ الثقافي والفني، ويتعامل معها الجميع حتى في طريقة الحديث أو الملابس، أي أنها حرة في طريقة التعبير؛ فالمسارح الإلكترونية اليوم كثيرة وتستوعب كل الطاقات الفتية». ويتساءل الأستاذ لؤي سمان: « لماذا لا نتقمص أدوارهم ونعبر مثلهم لكي نصل إليهم؟ فليس المهم: بِمَ تعبر؟ وإنما كيف تعبر؟».
وبتتبعه لما تبثه وسائل التواصل الاجتماعية يرصد الإعلامي الشاب قالط العنزي بعض الملاحظات الظاهرة على نماذج الشخصيات الشابة ومعطياتها وإيحاءاتها المتنوعة والطريفة وغير المألوفة، قائلًا: «انعكس تعبير وسائل التواصل على الشباب بعد انتشار القنوات الفضائية، فهي من نقلت العوالم وفتحت الحدود الثقافية والمعرفية بينهم. والملاحظ أن دور التقنية انحصر في القدرة على الكتابة والتعبير من خلال هذه الوسائل بالرأي والبحث عن المتابعين، مما انعكس على طريقة ما يتم طرحه من موضوعات لا يمكن تصنيفها؛ لتشعبها، إضافة إلى أن بعض الشباب انزلق بحثًا عن التكسب السهل من خلال المنصات، كالسناب والتيك توك، وهو ما جعله يقع في مطب التسطيح الفكري والثقافي».
ويرى العنزي أن تأثير وسائل التواصل يتضح أيضًا في العلاقات الاجتماعية، «فالشباب أضحى منعزلًا عن عائلته، يعيش في عالم افتراضي مع أصدقاء من أقطار مختلفة، وهو ما جعله أشد ارتباطًا ومطالعة لثقافة الآخر. فدخلت على ألفاظ الشباب مصطلحات تداولتها هذه الوسائل كلغة موحدة تكاد تكون عالمية ودارجة بين الجميع، كمصطلحات (ثروباك، حبيت، هاي، سنابيين، وإيموجي). ويتداول الشباب الرموز الإلكترونية في الألعاب والتطبيقات، إضافة إلى انتشار الأزياء والقصات الجديدة التي أخفت معها الطابع المحلي والزي الوطني وبقية المظاهر الأخرى، مثل التجمع في المقاهي وتناول الوجبات السريعة خارج البيت وداخله كذلك. وهو ما لم يتوافر له سابقًا بالشكل المباشر كما هو الآن».
ويلفت الدكتور سعد الزير، الباحث في علم اجتماع الشباب، إلى أن آخر دراسة مسحية رصدت أن 67% من المجتمع السعودي هم من الشباب، «وهي الفئة التي عول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عليها. تملك هذه الفئة كثيرًا من المواصفات»، ملمحًا إلى أن شباب اليوم أيًّا كانت قضاياهم فهم بحاجة للتعبير عنها، «والآن أضحت مجالات التعبير واسعة ومتنوعة وأكثر انتشارًا. وقد اهتم مجلس الشورى بوضع إستراتيجية خاصة بالشباب، وإيجاد الفرص التي تستوعبهم، مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية والعربية السعودية. ولا عجب، فقائد الرؤية شاب وهو أقرب لهم، ولذلك أعطاهم الفرص للتعبير عن قدراتهم، فتفجرت طاقات الشباب السعودي وتحولت إلى مبادرات وبرامج، تعبر عن القدرة الهائلة لدى الشباب في التعامل مع التحولات الجديدة والتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي.
فمثلًا وجد الشباب في برنامج «تيك توك» منصة للتعبير عن رغباتهم، وعن وجهة نظرهم تجاه قضايا ومواقف ومناسبات وأحداث معينة. كما أن الفتاة السعودية أثبتت مدى قدرتها على التعامل في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والمعرفة والعلوم المتنوعة».
جيل الأصالة والمعاصرة
ويذكر الزير أن منح البعثات للخارج لسنوات طويلة «خلقت جيلًا منفتحًا، سريع التجاوب والاستفادة مما هو جديد لخدمة قضاياه، وتلبية حاجاته». واستشهد بما حصل بين عامي 2019-2020م خلال جائحة كورونا «إذ حلت التكنولوجيا التي يقودها الشباب ما يقارب من 80٪ أو 90٪ من التعاملات في الحياة اليومية». ودعا الزير إلى ضرورة تكيف المجتمع وتعايشه مع سمات وخصائص الجيل الحالي، «فالفرصة الآن متاحة أمام الشباب للتعبير عن جودة الحياة، حيث لا يكون هناك إنسان معقد متشائم في ظل توافر فرص الترفيه. ولذلك يجب ترك المجال للشباب لأخذ فرصهم في الحياة ليعيش حياة كريمة ويمارس حقه الطبيعي في المشاركة والتعبير عن وجهة نظره».
ولفت الدكتور الزير، من خلال آخر دراسة أجراها، إلى أن هنالك تقبلًا كبيرًا للتنوع الثقافي من الشباب، «دون أن يكون هناك ازدراء أو تقليل من قيم منطقة عن غيرها. أما الثقافة الشكلية مثل اللبس الأجنبي فلعل هذا الأمر أضحى ضرورة للشباب في العصر الراهن، فهو يرى أن الملابس الغربية مناسبة له ما لم تكن خادشة ومخالفة للذوق. ولذلك صدرت لائحة المحافظة على الذوق العام، فما لم تتعدها فالأمور متاحة، وهي حرية شخصية».
أزمة المحتوى
ويحدد الفنان التشكيلي الشاب فهد القثامي أزمات الفنانين الشباب، التي تكمن في اختيار الأفكار وليس في قيمة المواد والمتطلبات، «إضافة إلى أزمة القبول العام للأفكار الحداثية وعروضها من خلال الوسائط التي تخدم الفن، والتي أصبحت متاحة وفي متناول الجميع». وفي رأيه «يبقى الرهان على تناول الفكرة وطريقة التقديم، وهذا ما يزيد الأمر صعوبة في ظل مئات النتائج المشابهة. ولعل أهم تحدٍّ على المستوى الشخصي هو عدم التفرغ للفن بشكل دائم، لأسباب عديدة، وهي بلا شك مؤثرة في الاستمرارية وتراكم التجربة». ويتحدث القثامي عن فنه بشكل خاص قائلًا: أرجو أن أحقق ما أطمح إليه. رغم أنني استطعت أن أصنع مساحة فنية خاصة عبر التجارب التي قدمتها بشكل كافٍ، ولا أجد ضرورة لأن تتبع أو تسير على خط أي منظومة عربية أو عالمية».
الدكتور خالد عمر الرديعان، أستاذ مشارك في علم الاجتماع، يحلل ظاهرة التحول والتغيير بشكل عام، ويرى أن المجتمعات على اختلافها تمرّ بمراحل من التحول «بعضها سريع، يحدث جراءها هزات تأخذ صور عدة، بعضها عنيف وبعضها الآخر أقل عنفًا، وقد تمرّ بمراحل من الاغتراب. وأي مجتمع يضم في بنيته الأساسية كوابح تعيد له التوازن والاستقرار والمحافظة، لكن لا بد أن يسبق كل ذلك مرحلة خوض التجربة، أي التغير الجذري. ويلعب الدين والثقافة الاجتماعية في الغالب دورين حاسمين في إعادة التوازن للمجتمع المأزوم رغم خضوع الاثنين للتغير النسبي كسائر الأنساق الاجتماعية».
ويخص الرديعان ما يجري في المجتمع السعودي اليوم من حراك سريع وتغيرات عميقة، فهو يوضح أن التحول «طابع لكل مجتمع حيوي يشكل الشباب أوسع شرائحه السكانية، التي تنظر للتغيرات بإيجابية بعد عقود طويلة من الجمود والكبت. ورغم النتوءات التي قد تصاحب موجة التغيير، فإنها طارئة وسوف تختفي مع استقرار النسق وتفعيل كوابحه بصورة وسطية. وذلك بالتركيز على مقومات الاستمرار والبقاء كالثقافة التي أخذت حيزًا واسعًا من المعالجة كرافدٍ مهمّ في عملية التغيير والاستقرار في الوقت ذاته». ويختتم الدكتور الرديعان قائلًا: «نحن جزء مهم وفاعل من هذا العالم الذي يَتعَوْلَمُ ويتشكل بطرق أسرع مما نتصور. فموقع المملكة في قلب العالم الإسلامي، وكونها مهوى أفئدة مسلمي العالم يحتّم علينا أن نتغير للأفضل بمقاومة الجمود. ولا بد من خوض تجربة التحول بكل هفواتها وإخفاقاتها ومنحنياتها لكي نصل في النهاية. ولا يفترض أن تراودنا شكوك في المستقبل وما يحمله من فرص سانحة لخلق عالم أفضل».
أغانينا تمسنا بشكل شخصي
أمير صلاح الدين – فنان ومؤسس «فريق بلاك تيما»
موسيقا الهيب هوب التي يغنيها فريق «بلاك تيما» هي موسيقا حرة قائمة على «البِيت» بشكل أساسي، وليست قائمة على جُمل موسيقية واضحة، وليس بها نوت موسيقية، لكن بها بِيت. والرابرز أو مغنيو الراب هم الذين يقومون بكتابة الأغاني. فمعظم من يكتبون الكلمات هم المغنيون أنفسهم، وهي كلمات تخرج من قلوبهم مباشرة، من دون أي تنقيح أو تجميل، وأعتقد أن هذا سبب نجاحها بين الشباب؛ لأن الشباب بعد الثورات العربية شعروا بحاجة إلى ثورة موسيقية تعبّر عنهم، وقد وجدوا ضالتهم في موسيقا الهيب هوب، التي انتشرت في أميركا وأوربا، وبخاصة لدى السود، وعبَّرت عن آلامهم ومشكلاتهم، بلغة الشارع التي تشبه لغة الحارة المصرية.
أعدّ فريق بلاك تيما ابنًا شرعيًّا للمناطق الشعبية؛ لأننا جميعًا مولودون في مناطق شعبية، وأغانينا منذ ظهورنا في عام 2004م تمسّنا بشكل شخصي؛ لذا فإنها تصل إلى الناس بشكل أسرع، إضافة إلى أننا نمزج في موسيقانا بين الجاز والراب والخماسي النوبي، ونقدم موسيقا أصحاب البشرة السمراء في العالم. وكلماتنا بالعامية المصرية وباللهجة النوبية، وهذا تقريبًا ما وسع من دائرة انتشار بلاك تيما في كل الدول الناطقة باللغة العربية، فضلًا عن الجاليات أو الوفود السودانية في أوربا وأميركا وغيرها، وهي جاليات كبيرة وكثيرة وتحتاج لمن يعبّر عنها.
بفضل الله كنا الفريق العربي والإفريقي الوحيد الذي فاز عام 2014م بأربعة جوائز «ميوزك أوورد»، وهي أحسن فريق غنائي، أحسن أداء لايف، أحسن أغنية، أحسن فيديو كليب، وذلك عن أغنية «في بلاد الأي حاجة». وهي أغنية من ألحاني، وكلمات ميدو زهير، وتوزيع بلاك تيما. وأعتقد أن سبب اختيار الجمهور لهذه الأغنية تحديدًا هو أننا عبَّرنا بصدق عن رأيهم، الذي هو رأينا. وبعدها حصلنا على جائزة أفضل فريق مصري من «أخبار النجوم»، وبعدها غنينا في «ملتقى شباب العالم». وكان هذا تتويجًا كبيرًا لمسيرة «بلاك تيما» على مدار 17 سنة؛ إذ إن اختيار رئيس جمهورية مصر العربية لفريق «بلاك تيما» من بين كل فناني مصر كي يمثلوا شباب مصر عام 2018م هو تكريم كبير لنا.
تركت الدراسة من أجل الفن والشارع أكبر معلم للفنان
بدر معتز – مُلحّن ومُغنٍّ وكاتب كلمات مغربي
تجربة جمعية «فناني الشارع» جاءت من أجل إعطاء صورة جديدة عن فن الشارع، وإعطاء لمحة عن تجربة فن الشارع المستقبلية الأكثر نظامًا والأكثر قابلية لدى الناس. من أجل هذا أشهرنا الجمعية، لتعليم الناس كيفية ممارسة فن الشارع بطريقة قانونية لا تسبب ضررًا لأحد، وتضمن حق فناني الشارع وعدم المساس بهم. التجربة بدأت عام 2019م، كانت السلطات قد منعت ممارسة الفن في الشارع نظرًا لما يسببه بعض من ضجيج وإزعاج، ومن ثم فكرنا في عمل جمعية لفناني الشارع، وذلك بعد أربع سنوات من العمل الميداني في الشارع، فأنجزنا ميثاقًا للجمعية التي تكونت في البدء مني ومن ثلاثة من فناني الشارع. وقريبًا سنجدد هيئة المكتب، وسنعطى الفرصة لكفاءات أكثر.
قدمنا حفلات كثيرة سواء في الشارع أو في مهرجانات، وكنا نقيم حفلة أو أكثر في اليوم. هدفنا كان زيادة ثقافة الفن في الشارع، حيث نغني أغاني شبابية. بعض هذه الحفلات كان مجانيًّا، وبعضها غير مجانيّ، لكننا لا نتقاضى أموالًا بشكل منظم أو محدد، فقط نضع (القبعة العجيبة) أمام الناس ونقدم أغنياتنا لهم، وهم يضعون في القبعة ما يجودون به. لم تكن حفلات كبيرة، ومن الممكن أن يكون الجمهور واحدًا أو اثنين، ومن الممكن أن يكون عشرة أو عشرين، لكننا نضع القبعة العجيبة أمامهم ونغني الأغاني التي يعرفونها، فيستمتعون ويتركون فيها ما يتركون.
هناك نوع آخر من الحفلات كنا نمارس فننا فيه، وهو المهرجانات. قبل كورونا نظمنا في الدار البيضاء مهرجانًا كبيرًا كردّ اعتبار لفناني الشارع. أما المهرجانات، فكنت محترفًا في منصات كبيرة سواء في المغرب أو بعض الدول الأوربية، كنت أغني وألعب موسيقا فيها كمحترف، ثم تركت كل ذلك لأنزل الشارع وأقوم بتوصيل فني للناس، وأعطى منظرًا جيدًا للشارع. جئت من الاحتراف إلى الشارع لأساهم في رفع وعي الناس بالموسيقا والفن. في المهرجانات توجد عقود احترافية، يتقاضى المغني أو الموسيقا مبلغًا محددًا، وله عدد من الحفلات سواء على المسارح أو «الكونسيرت» الصغير.
كان إقبال الجمهور كبيرًا، وأغلبهم يحب الموسيقا، وكنا نحرص على تقديم قائمة من الأغنيات المتعارف عليها، سواء من موسيقا الروك أو البيتلز أو غيرها. والناس يتحلقون حولنا كي يستمعوا إلى الأغنية التي يحبونها، حتى إن لدينا متابعين يوميًّا، ينزلون الشارع ويأتون ليسمعوا أغنياتنا. بالتأكيد هناك اختلاف كبير بين موسيقا هذه الأيام وموسيقا التسعينيات، فهذه الأيام أصبحت الموسيقا رقمية بدلًا من «اللايف»، والناس يذهبون للأشياء السهلة.
فن الشباب لديه القوة لتصحيح المفاهيم المغلوطة
حمزة الدقون - ممثل ومخرج مغربي
أنا سعيد بأن أمثل شريحة كبيرة من جيل الشباب الذي أصبح يؤمن بالتجديد والتطوير من أجل رفع الشأن الثقافي الفني، وبلورة أفكاره من خلال قناعته وتطبيقها على أرض الواقع. وبالنسبة لي كواحد من فئة الشباب الذين يؤمنون بالتغيير والتجديد والتعبير عن آرائهم، والمشي قدمًا نحو مستقبل ناجح، أجد اختلافًا مهمًّا في أدوات التعبير، سواء ثقافيًّا أو فنيًّا. لدينا ثورة فنية ثقافية تراهن على اهتمام الشباب الطموح في إنتاج أفكار ذات بُعد اجتماعي ثقافي يعكس صورتهم أمام المجتمع، وذلك من خلال حرية التعبير، أو تطبيق مفاهيم لها صلة بما يسمى بالمرحلة التنموية. هنا أجد لكل جيل مرحلته، وفي عصرنا هذا هناك تطور ملحوظ تتعاطى فيه الفئة الشابة مجالات شتى برؤى مرجعية واضحة.
وأعتقد أن كل جيل وضع لنفسه مرحلة تأسيسية، وأرضية اشتغال مهمة، نحو التجديد والتطوير فنيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا أيضًا. ونجد أن لجيل الشباب بصمته ورؤيته الخاصة، حيث نجد نوعًا من الثورة المطروحة في الطرق العديدة التي تستخدم في الفن (المسرح، السينما، الموسيقا…) لتعكس صورة الجيل الجديد وتصحح مفاهيم كانت تعدّ أو تقدم بطريقة مغلوطة. هنا تكمن قوة وعظمة الفن، والفنون عمومًا، من أجل بلورة كل هذه المفاهيم والأفكار والمرجعيات بطريقة فنية استعراضية تؤسّس المشهد الاجتماعي والإنساني فكريًّا.
لطالما اعتبرت السينما كغيرها من الأجناس الفنية وسيلة للتعبير عن مجموعة من الرسائل عبر الصورة. وأعدّ ظهور وسائط بديلة للسينما، والسرعة التي يعرفها عصرنا، عوامل دفعتني إلى الاهتمام بالفِلْم القصير، على الرغم من صعوبته تقنيًّا وفنيًّا مقارنة مع الفِلْم الطويل، وما يرافق هذا الأمر من إشكالية العثور على النص المناسب الذي تتوافر فيه معايير التكثيف والاختزال، والتعبير عن مجموعة من الرسائل في دقائق معدودة. وبما أنّ للفِلْم القصير عشّاقه ومتابعيه من الجمهور الذي لا يملك الوقت لمشاهدة الأفلام الطويلة، أعدّ هذا النوع هو الأكثر تعبيرًا عن رؤيتي واهتماماتي الفنية الخاصة.