قصص
كم كانا
على الطاولة الرمادية، التي اخترتها لنقش روحي المتعبة عليها، على الطاولة المجاورة ثمة رجل وامرأة، كانا يتحدثان عن ولد ضاع منهما في زحام العواصم وأرصفة المدن، ثم يبكيان. مرة ومرتين تكرر المشهد ثم غابا. فبكيت طويلًا فقط لأنهما أمي وأبي.
مرآة
في الهزيع الأخير من كل ليلة، كنت أقف قبالة المرآة أمشط شعري، وأتأملني طويلاً ثم أبتسم متفائلًا. مرة سألتني أمي لمن تمشط شعرك يا ولدي وأنت على عتبة النوم؟ قلت لها: لصباح جميل سيأتي يا أمي. ماتت أمي، المرآة تلاشت تمامًا، وذاك الصباح الجميل لم يأت بعد.
حنين
حنين كبير يتلبسني، أن أمرق كالريح من نافذة بيتنا العتيق، أتنشق رائحة أمي، وبعض رائحة أبي، وأقرفص عند قدميه وأقول له: مخطئ أنا يا أبي منذ غادرت هذا البيت وتأبطت حقيبتي السوداء، من يومها يا أبي تشابهت أيامي مع سواد الحقيبة.
وفاء
قال لها: وفاء من منا بدأ الخيانة؟
أجابته: أنت يا مخلص.
– لا أنتِ يا وفاء. على أية حال دعينا ننسى الماضي، وكل هذا وذاك ونبدأ من جديد حياة جديدة، وحبًّا جديدًا. غادرا الطاولة، غادرا المكان. على ناصية الشارع افترقا. وفاء تأبطت رجلًا، ومخلص تأبط امرأة.
سواد
الرجل الذي يزورني بعض الأحايين في الحلم، وأعاتبه بقسوة وأقول له: أنت السبب في كل هذا وذاك، أنت السبب في دمار مستقبلي. في بعض الصباحات التي أراه فيها. أحني رأسي أمامه، وأكاد لا أرى شيئًا سوى لمعان حذائه الأسود.
عطر أمي
الوقت فجرًا ربما أبكر قليلًا، المعطف في الغرفة الشمالية التي فيها مبتغاي سأتسلل إليها. الوقت فجرًا، المرأة التي سرقت أبي من أمي توسدت ذراعه وناما بسلام، جيراني الطيبون نائمون.
تسللت إلى الغرفة الشمالية سطوت على المعطف، الشاهد والشهيد على أقصى حالات الحب بين أمي وأبي، تنشقت المعطف لم يزل أمينًا لعطر أمي، وبعض رائحة أبي. دفنت قطعة صغيرة من المعطف في أخاديد غرفتي البائسة، وهرعت بالباقي إلى بيارات القرية. غرفتي انمحت تمامًا، بيارات القرية تحولت إلى سراب، الوقت فجرًا وربما أبكر قليلًا.