العوالِم القطبية ومخاطر تتهدد عالمنا المعاصر
يهدف كتاب «العوالم القطبية» تأليف ميكا ميريد (صدر عن دار نشر PUF الفرنسية) إلى استعراض الأدوات التحليلية الضرورية لفهم المخاطر التي يتعرض لها عالمنا المعاصر؛ بسبب الصراعات الدولية التي تدور حول القطب الشمالي والقطب الجنوبي. يطرح المؤلِّف كثيرًا من القضايا التي تتعلق بالتطور الاجتماعي-السياسي الحاصل في جزيرة جرينلاند ومدى التأثير الذي تمارسه الصين في الجزيرة، وذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي، وقضية الدبلوماسية العلمية، وطريق الحرير القطبي، والتحديات القانونية للفضاءات البحرية، ومشروعات موانئ القطب الشمالي، ومجلس القطب الشمالي، ومصايد الأسماك وسياسة فرنسا أو الاتحاد الأوربي والحاجة إلى الاستثمار وإضفاء الطابع العسكري على المناطق القطبية ومصالح الدول الآسيوية ومعاهدات القارة القطبية الجنوبية.
كما يستعرض الكتاب مجمل عمليات تطوير حركة النقل البحري، واستغلال الموارد وتطوير كثير من المحاور اللوجستية لإحكام السيطرة على الحركة البحرية الكبيرة في القطب الشمالي. ويتعرض الكتاب أيضًا للاختلاف المفترض بين السكان الأصليين في كندا وجزيرة غرينلاند بشأن مفهوم السيادة، وحقيقة أن روسيا لا تستطيع النظر في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، والروابط القوية التي تحتفظ بها اليابان مع جزر ألوتيان، وتأثير كاسحات الجليد الأميركية في الإستراتيجية العسكرية الروسية في القطب الشمالي والتنمية المستقبلية للنقل البحري التجاري، واستخراج الموارد الطبيعية في القطب الشمالي.
احتمالات المواجهة
يستعرض الباب الأول من هذا الكتاب الأهمية الجيوسياسية التي يحتلها العالَم القطبي اليوم والتي لا تزال تؤدي إلى وقوع الدول الكبرى في خضم صراع سياسي كبير، قد يتحول فيما بعد إلى صراع عسكري ناتج من التغيرات الحديثة في تقنيات الحرب وإستراتيجياتها.
يتناول الباب الأول مجموعة السواحل المتداخلة مع اليابسة، مثل بحر بارنتس الذي اكتشفه الروس في القرن الحادي عشر ويقع بين شمال النرويج وسفالبارد ونوفايا زيمليا والبحر الأبيض شرقي شبه جزيرة كول. أما بحر بيرنغ، فيمتد من ناحية المحيط الهادئ ويغطي مساحة مليوني كيلومتر مربع ويحدُّه من الشمال والشرق ألاسكا، ومن الغرب سيبيريا، ومن الجنوب شبه جزيرة ألاسكا وجزر أليوت.
يتناول الباب الأول الدور الهام الذي يقوم به مجلس القطب الشمالي من أجل التصدي للقضايا التي تواجه حكومات القطب الشمالي، علمًا أن هذا المجلس يتكون من الدول الثمانية ذات السيادة على هذا العالَم القطبي، وهم على التوالي: كندا والدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة الأميركية. ويستعرض هذا الباب أيضًا نوعين من الدول التي تقع ضمن العوالم القطبية: النوع الأول هي الدول المشاطئة الخمس: روسيا وأميركا وكندا والدنمارك والنرويج، ويتعلق النوع الثاني بالدول المتداخلة مع المنطقة القطبية، مثل: فنلندا والسويد وآيسلندا والصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول أوربية أخرى.
كما يتطرق هذا الباب لمنطقة غرينلاند التي لا تزال ساحة للتنافس بين الصين ودول أخرى تريد بسط سيطرتها على تلك المنطقة، علمًا أن الصين دولة مُراقِبة في مجلس القطب الشمالي، ومع ذلك فهي ترغب في تشييد طريق الحرير القطبي. ويتطرق الحديث إلى واحدة من أغنى المناطق في العالم من حيث الموارد الترفيهية ألا وهي شبه جزيرة كامشاتكا. هنا أيضًا حديث عن أهمية الطرق البحرية من الناحية السياسية والاقتصادية بالنسبة لمدينة شيركنيس التي تقع في أقصى الجزء الشمالي الشرقي من النرويج على بعد نحو 400 كيلومتر من الدائرة القطبية الشمالية.
يتناول هذا الباب اقتصاديات المفاعلات واليورانيوم في القطب الشمالي حيث أصبح هذا الأخير من أهم المناطق التي تتنازع عليها القوى العظمى من أجل السيطرة على احتياطيات النفط، وحيث تخفي أعماق المحيط المتجمد الشمالي مواد نووية خطيرة يمكن أن تكون التهديد النووي الأكبر في العصر الحالي. كما يستعرض هذا الباب قضايا عدة أخرى، من بينها الجُزر المتنازع عليها مثل منطقة سان بيير وميكلون التابعة لفرنسا التي تتكون من مجموعة صغيرة من الجزر وتقع بالقرب من الساحل الشرقي لكندا.
هناك قضايا أخرى تتعلق بالاستثمار في الموارد الطبيعية وضمن المناطق السياحية. ويتناول هذا الباب أيضا المهام الموكلة إلى سفينة الأبحاث الصينية المتخصصة في تكسير الجليد التي دخلت الخدمة في عام 2019م، كما أن هذا الباب يستعرض المشروع المشترك القائم حول محطة الغاز الطبيعي المسال التي تقع في سابيتا في الشمال الشرقي من شبه جزيرة يامال الروسية، وكذلك مختلف المناطق الاقتصادية الغنية بالموارد الطبيعية.
معاهدات وبروتوكولات
أما الباب الثاني، فيتناول معاهدة القارة القطبية الجنوبية (ATS) التي تنظِّم العلاقات بين روسيا والغرب ودول أخرى تتعلق بقارة أنتاركتيكا وتشمل جميع الأراضي الجليدية والجزر التي تقع جنوب خط عرض 60 درجة، علمًا أن مقرّ أمانة معاهدة أنتاركتيكا يقع في بوينس آيرس، ويبلغ عدد الدول الموقعة على المعاهدة اليوم 54 دولة. كما يتناول هذا الباب بنود اتفاقية حفظ الموارد الحية البحرية في القطب الجنوبي، والأهمية الاقتصادية والسياسية لأرخبيل كيرغولين الذي يقع في جنوبي المحيط الهندي وهو إقليم فرنسي. كما يستعرض هذا الباب عددًا من المراكز البحثية ومدى الأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية لهذه المراكز التي تتخذ من القارة القطبية الجنوبية مقرًّا لها، نذكر منها على سبيل المثال محطة الأبحاث الروسية فوستوك 2023 التي تقع في القارة القطبية الجنوبية والتي تعمل في مجال المشروع الروسي العملاق باستثمارات تصل إلى 157 مليار دولار.
ويستعرض هذا الباب بنود بروتوكول مدريد لعام 1991م الذي يهدف للحد من أي نشاط محتمل يتعلق بالاستغلال المفرط للموارد الطبيعية بما في ذلك الفحم والنفط، وخامات الحديد والبلاتين والنحاس والكروم والنيكل والذهب، وغيرها من المعادن. ويتناول هذا الباب اتفاقية ولنغتون لعام 1988م الخاصة بتنظيم استغلال الموارد المعدنية في القطب الجنوبي، وعدم إلحاق أضرار بيئية في القطب الجنوبي أو بأنظمة القطب الجنوبي أو بأنظمة البيئة. ويختم بالحديث عن حقول النفط الفرنسية في منطقة أنتاركتيكا.
أما الباب الثالث، فيستعرض القدرات الإستراتيجية لأكثر 30 دولة قطبية متداخلة مع المنطقة القطبية هي على التوالي: دول جنوب إفريقيا، وألمانيا، والأرجنتين، وأستراليا، وبلجيكا، والبرازيل، وكندا، وتشيلي، والصين، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وفنلندا، وفرنسا، وجزر فارو، والهند، وآيسلندا، وإيطاليا، واليابان، وغرينلاند، والنرويج، ونيوزيلندا، وهولندا، وبولندا، والمملكة المتحدة، وروسيا، وسنغافورة، والسويد، وسويسرا، وتركيا، والاتحاد الأوربي.