العمل الفني والديكور وسلطة السوق
بدأ الفن المعاصر متمردًا على سوق الفن والآليات التي تتحكم في الأعمال الفنية وعرضها وبيعها ونشرها في القرن العشرين، فأندي وارهول- الذي كرس أولى نشاطاته الفنية لتمرير خطابات نقدية للمجتمع الاستهلاكي الأميركي وللمؤسسات الرسمية التي ترعى ذلك الخطاب، ساعيًا إلى نقد البنية التي كانت تتحكم في عالم الفن من دور عرض ومتاحف ومزادات ومقتنين- سرعان ما سيصبح من أكثر الفنانين استفادة من «سوق الفن»، وأكثر تداولًا فيه؛ إذ سيجد فنانو هذا «البراديغم» الجديد أنفسهم جزءًا من آليات السوق التجارية العالمية، وخاضعين لمتلازمة البيع والطلب التي تتحكم فيه، رغم اعتراضهم البدئي؛ وفي مدة معينة سيصبح الفنانون المعاصرون هم الأكثر استفادة من حيث المبيعات والثراء والعرض والطلب على أعمالهم… وستظهر منذ ثمانينيات القرن الماضي متاحف، ودور عرض، مختصة في عرض الأعمال الفنية المعاصرة، وستُنشَأ مبانٍ (متاحف) ضخمة من أجل عرض أعمال خاصة تستجيب لمتطلبات السوق والمقتنين الجدد.
سعى فنانو الفن المعاصر عند نقطة الانعطاف إلى التخلص من محكيات الحداثة وسردياتها الكبرى، والتخلص من سلطة العرض الكلاسيكية، والحديثة، فساروا بأعمالهم الفنية نحو الشارع وخارج دور العرض، بل أنشؤوا فضاءاتهم الخاصة بالعرض، وذلك إعلانًا عن ميلاد «براديغم» فني جديد، أساسه الخروج عن كل محددات الفن الحديث والكلاسيكي والقطع معها، إلى جانب القطع مع هيمنة مؤسسات عالم الفن (الغربي).
إلا أن الأمر سيسير في مرحلة معينة إلى انعطاف مغاير؛ إذ سينعرج الفن الجديد إلى «النمط القديم»، وستصير المؤسسات نفسها التي ثار عليها هؤلاء الفنانون مرجعًا لتقويم فنّهم وأعمالهم، بل مرجعًا لا بد من المرور عبره والانتماء إليه. ما يؤكد الفكرة السوسيولوجية القائلة: إن الطبقة الاقتصادية المسيطرة هي التي تحدد، دائمًا، الفن وسماته، وهذا بالفعل ما حدث للفن المعاصر الذي تُحدد معالمه، بشكل كبير، المؤسسات المالية الكبرى، فتحوّل الفن من عمل إبداعي حر إلى «مؤسسة»، صار معها الفنان «مديرًا لتلك المؤسسة».
عصر المؤسسة الفنية
مع بزوغ عصر «المؤسسة الفنية» صرنا أمام تعقيد فعلي، من حيث صعوبة تحديد العمل الفني من عدمه، والفصل بين «الفن» و«اللافن»، فكل الحدود جرى تجاوزها وكل القواعد والقيود كُسرت، فغياب القاعدة هي القاعدة اليوم. وهو ما يدفعنا أحيانًا إلى الدخول في جدال عقيم حول سؤال مُلِحّ: «متى يبدأ العمل الفني؟ متى يبدأ الديكور؟»، و«كيف يمكن الفصل بين هذين المفهومين اللذين تلاشت الحدود بينهما؟» وذلك من حيث إن الفنان المعاصر يستقي أفكاره وخاماته من الفضاء نفسه الذي يستخرج منه المعماري ومهندس الديكور أفكارهما وصانع الديكور خاماته… من الأمثلة عن ذلك ما يحدث على مستوى فن التدوير (الروسيكلاج) والبريكولاج (فن التنميق)، فمع المعاصرة لم يعد الفن يتعارض كليًّا مع الحرفة ولم يعد التأمل يتعارض مع الاستهلاك؛ فكلٌّ يندرج ضمن «مؤسسة فنية» واحدة.
حسب الرؤية السوسيولوجية الفن دائمًا خاضع للطبقة المهيمنة، التي ترسم حسب أفكارها معالم الفن الذي بدوره يلقي بظلاله على باقي الطبقات التي تحاول تقليد الطبقة العليا. يذهب مانهايم إلى القول: إنه في المجتمعات «التي يرتكز النظام السياسي والاجتماعي فيها بشكل أساس على التمييز بين أنواع البشر «الأعلى و«الأدنى»، ينشأ تمييز نظير ذلك بين الأشياء «الأعلى» و«الأدنى» من المعرفة أو المتع الجمالية». (ديفيد إنغليز وجون هغسون، سوسيولوجيا الفن طرق للرؤية، ترجمة ليلى الموسوي، عالم المعرفة، الكويت، يوليو 2007م، ص 37).
ابتعد الفنان المعاصر من النظرة الرومانسية للفنان، ووجد نفسه داخل شبكات العلاقات الاجتماعية وآليات السوق الرأسمالية التي تفرض عليه الاستجابة لمطالبها. لم يعد الفنان ذلك الكائن المتفرد الذي ينتج أعماله في ورشته ليخرجها إلى العالم كأنه يكشف عن سر خفي، بل بات يتماهى مع المستويات الخارجية الكثيرة: الهندسة المعمارية والهندسة المدنية وهندسة الديكور الداخلي… هذه النقطة بالتحديد تضعنا أمام صعوبة كبرى للتفرقة بين العمل الفني بوصفه تحفة، والعمل الفني كديكور داخلي بصفته حرفة (تقليدية)، ومتى يمكن أن نصطلح على عمل ما أنه ديكور؟ أو أنه أثر فني؟ مع العلم أن مفهوم الديكور يتخذ مستويات مختلفة: الغرض التزييني، وتأثيث الفضاء، والحيز المكاني، والديكور المعماري.
الأعمال الفنية تفقد هالتها
لقد انتهى العصر الذي كانت فيه دور العرض والمتاحف هي الفضاءات الوحيدة التي يمكن أن تُعرض فيها أعمال الفنانين، وذلك منذ انعطافة القرن 21، حيث دخلنا في حقبة فقدت الأعمال الفنية المعاصرة معها هالة «التفرد»، حيث كان -مع الحداثة وسابقتها- يتخذ الأثر قيمته من كونه «نسخة فريدة». فقد غيّرت «ما بعد الحداثة» من القوالب الجاهزة وبعثرت القواعد والأنظمة التي تبني الخطابات الفكرية والفنية.
نتحدث اليوم عن اختراق الفن للدور والفضاءات العمومية، فصار العمل الفني جزءًا من تصميمها وتأثيثها؛ إذ يَعمِد مجموعة من المهندسين اليوم إلى الاشتغال مع فنانين في إطار ما يصطلح عليه «الفن مندمجًا مع التصميم»، فيصممون الأعمال بحسب طلب ورغبة الزبون (السوق). هل يشكل هذا الأمر خطرًا على الفن؟ هل يزيل هذا الأمر قدسية العمل الفني؟
حاولت مدرسة الباوهاوس، منذ عشرينيات القرن الماضي، الجمع بين ثنائية الفني والتزييني (الديزاين)، بين الإستاطيقي والنفعي في الآن عينه. وإذا كانت مدرسة باوهاوس تشتهر بإنجازاتها في الهندسة المعمارية، فقد كان لها أيضًا تأثير قوي في مجال الفنون التطبيقية، من خلال الاشتغال على الأشياء اليومية التي شكلها وهندسها الفنانون المنتمون إليها، وهي علاوة على ذلك شُكلت تمهيدًا للتصميم المعاصر وفن الأداء. كانت هذه المدرسة، التي لا تزال تؤثر تجاربها في المعماريين والفنانين المعاصرين، الأولى من نوعها التي عمدت إلى ابتكار عمل فني ذي نفع، يمتزج مع المحيط: الكراسي، الأثاث، الديكورات المعلقة، الصابغة التزيينية، التصاميم المعمارية وغيرها… ليختفي معها، نوعًا ما، الحد الفاصل بين الغرض الفني والديكور.
تحول الفن من كونه أثرًا ظاهرًا وموضوعًا ملموسًا وعملًا ناجزًا (مكتملًا) إلى سيرورة، من صيغة الاكتمال، التي ارتبطت به، إلى صيغة اللا-اكتمال، أي أنه في حالة تقدم دائم. وبالتالي فقدَ كل السرديات التي ارتبطت به مع الحداثة؛ إذ احتل الإعلام والجمهور (الزبون غير التقليدي) الدور الرئيس في تحديد العمل الفني من غيره، بل إن أعمالًا عدة اليوم قابلة لتغيير حجمها حسب طلب الزبون (أعمال سول ليويت نموذجًا).
أفول الهالة عن العمل الفني مهّد للابتكار في الفن المعاصر، وضياع القدسية راج مع بزوغ إعادة الإنتاج الآلي، كما حدث مع فن البوب، فصار العمل الفني قابلًا لإعادة إنتاجه فنيًّا بشكل متكرر ولا نهائي، وذلك داخل عملية حِرَفية محضة، وهو ما دعا إلى إعادة النظر في فكرة الأصالة والتفرد، وإعادة التفكير في مفاهيم كالإبداع والإلهام. بل حتى في عرض العمل الفني، فحين أعاد مارسيل دشان عرض «مبولته» (النافورة)، بعد عرضها أول مرة سنة 1917م، لم يعرض إلا نسخة عنها بعد ضياع النسخة الأصلية، ومعه صرنا نتحدث عن العمل «السيمولاكر»، أي النسخة التي تظل تحافظ على قيم العمل، وإن اتفقنا على أنها نسخها مشوهة عنه. إنها عمل قابل للتكرار، وهو ما يجعل الأثر يشترك والديكور في هذه الخاصية الحِرَفِية.
حدود الأصالة والتقليد
في هذا الصدد يمكن استحضار أعمال أندي وارهول السيريغارفية (المستنسخة حِرَفِيًّا)، التي ظهرت أول مرة بوصفها نقدًا للمجتمع الاستهلاكي؛ لتصير فيما بعد مخترقة للسوق والأكثر طلبًا، وباتت كل النسخ أصلية. وفي وقتنا الحاضر يمكن استحضار الفنان التشكيلي والنحات والمخرج الياباني تاكاشي موراكامي، أحد عمالقة الفن المعاصر، والمصنف من بين الأغلى عالميًّا. يعتبر وريثًا لأندي وارهول وللبوب آرت الأميركي، لكنه استقل عن النموذج الغربي وأبدع أسلوبه الخاص من خلال استلهام الفن التقليدي الياباني. يمتلك تاكاشي موراكامي شركة إنتاج خاصة توظف العديد من المستخدمين لتنفيذ منجزاته الفنية، والترويج لها وبيعها. نحن أمام نموذج «الفنان-المؤسسة»، الذي يشتغل ليل نهار، ويوظف «جيشًا» من العمال غير مكترث لأي فصل بين الفن والحرفة.
تلعب السوق الدور الأساس في ترويج الأعمال واصطباغ صفة «فن» على عمل معين، ويذهب في هذا الصدد مجموعة من مؤرخي الفن ونقاده إلى عدم اصطلاح صفة «فني» على الأعمال التي ظهرت قبل نحت هذا المصطلح؛ لكونها، في نظرهم، كانت مجرد «أدوات» تزيينية للمعابد وللدور والمدن، ولها غرض ديني أو تجمهري… ولم تكن تلعب عند إنشائها أول مرة أي دور فني، من حيث إن ما هو فني يحمل في طياته صفة الاستقلالية عن أي دور تزييني وديكوري وتكميلي. ومنهم من يعدُّ جل الأعمال التي أنتجها الرسامون للكنيسة ليست فنًّا؛ لأنها كانت خاضعة لسلطة الطلب والعرض، فالكنيسة هي التي كانت تحدد مستوى اللون والظل والضوء والحجم ووقت الاشتغال، أما «الفنان» فلم يكن إلا «حرفيًّا» يقوم بالدور المحدد له.
ينطبق هذا على الأعمال المعاصرة، التي صارت خاضعة لسلطة مؤسسات مالية ورأسمالية جديدة (البنوك، رؤساء الأموال، دور العرض، المتاحف المعاصرة…)، وخاضعة لزبائن جدد (الأثرياء والطبقة البرجوازية الجديدة…) نقرأ لموراكامي في أحد حواراته مجيبًا عن سؤال يتعلق بتنفيذ الفنان لطلبات الزبائن:
«أستمع إلى طلباتهم [أي الزبائن]، لأني أبدع منجزات غالية جدًّا. إذا كان شخص ما يحب الأزهار والورود، فإني آخذ ذلك بعين الاعتبار في اللوحة التي سأرسمها له. إن الإنسان الثري غريب في الغالب، ويعبر عن رغباته الأكثر جنونًا… يمتلك زبائني النظرة نفسها عن عملي، ومن واجبي احترامها». (تاكاشي موراكامي: لا كرامة لفنان في قومه، تقديم وترجمة: عبدالرحيم نور الدين، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الإماراتية، عدد 9 أغسطس 2018م، ص 3).
إننا هنا أمام تدخل مباشر وصريح من جانب الزبون في العمل الفني، بل بات هو المحدد الرسمي له، وبات الفنان مجرد «حرفي» يقوم بالعمل المطلوب منه. لكن ألسنا هنا أمام تحديد جديد لمفهوم الفنان عينه؟ ومعه بتنا ملزمين بإعادة النظر في مفهوم الفن، كما نعيه كلاسيكيًّا وحداثيًّا، بوصفه «إنتاجًا لعمل جميل»؟ لكن ألم يكن السوق، على الدوام، هو المحدد الأول للفن وللعمل الفني من ناحية معينة؟
فن الديكور وديكور الفن
استحالة القبض على معنى محدد للفن المعاصر وللعمل الفني المندرج ضمن تيارات هذا البراديغم، قاد كثيرين إلى عرض «أشيائهم» على أساس أنها أعمال فنية، احتضنتها متاحف ورفضها نقاد أحيانًا. أستحضر هنا إحدى «معروضات» متحف محمد السادس للفن المعاصر (الرباط/ المغرب)، وهي عبارة عن عمود كهربائي معوج عُرض سنة 2016م في الساحة المقابلة للمتحف. ومع هذه الاستحالة، أخذت أعمال عدة مسلك الديكور والمكمل التزييني لفضاءات معينة، من حدائق ودور ومنازل وفيلات ومؤسسات خاصة؛ أعمال تستجيب للفضاء ومتطلباته (اللون، الإضاءة، الشكل، الحجم…). ومن جهة ثانية في عالمنا العربي، قلة هم المهندسون المعماريون، أو مهندسو الديكور الداخلي الذين يشتغلون بتكامل مع الفنان التشكيلي؛ إذ يُطلب العمل «الفني»، مباشرة بعد الانتهاء من التصميم والهندسة، بوصفه «أثاثًا» من أثاث الفضاء، وعلى الفنان أن ينجزه متماشيًا مع المحددات والمعطيات المقدمة له.
يرى بعض النقاد والفنانين في هذه العملية أمرًا سلبيًّا يمس الفن والعمل الفني والفنان على حد سواء، لكن مجموعة من الفنانين المعاصرين لا يرون أية سلبية في ذلك. نقاد وفنانون مثل موراكامي يدافعون عن عملية تكرار ونسخ العمل بدافع إمكانية وصولها لشريحة واسعة من الناس، فالأمر في نظرهم راجع لصعوبة شراء العمل الواحد (التحفة) بثمن باهظ تفرضه السوق، و«الذي يستلزم أن يكون الكل ثريًّا، وهذا مستحيل»، كما يقول الفنان الياباني:
«السبب الذي يجعلني أقوم بالترويج وأنجز الكثير من النسخ بالطباعة الحجرية، المقترحة بأثمان في المتناول؛ حتى يتسنى لأي أحد كان امتلاك عمل من توقيع موراكامي».
لقد تجاوز الأمر الفن والفنان عينه، من حيث إمكانية التفرقة بين ما هو «فني» وما هو «ديكوراتي» في العمل نفسه؛ إذ يتبنى فنانون كثر وجهة النظر النقدية الرائية بتماهي الأعمال الفنية المعاصرة في فن الديكور والتصميم الداخلي، وهي بهذا لا تفقد قيمتها من حيث إنها تظل أعمالًا فنية، وإن كانت خاضعة لثنائية الطلب والعرض، فالعمل الفني والفن، على الدوام، رهينا التقدم والتطور المجتمعي والطبقة العليا، فمنذ بزوغ عصر التصوير الفوتوغرافي أصبح الفن في متناول الجميع، وفقدت النخبة «هالتها»، وصرنا أمام انتقال من «فن النخبة إلى الفن الجماهيري»، ومن القيمة الجمالية إلى القيمة الاستعراضية، وصار فيما بعد «كل شيء فنًّا، واللاشيء فنًّا» كما أعلن دوشان.
الامتداد الجمالي بين الديكور والعمل الفني
منذ سنة 1910م، وظهور التيار المعماري- الديكوراتي، ومع صعوبة ترويج الفنانين لأعمالهم واختيارهم مسارًا يضمن لهم البيع والترويج، اختار هؤلاء الفنانون الاشتغال رفقة مهندسين -أو بشكل مستقل- في التصميم الداخلي لفضاءات متعددة. وأحيانًا نعثر على فضاءات شُيِّدَت من أجل منح الأثر الفني قيمة كبرى، فيختلط هنا مفهوم الديكور مع مفهوم العمل الفني. بل يصير الفضاء ذاته ديكورًا يحيط بالأثر الفني. لكن على مستوى الاشتغال الديكوراتي من أجل أعمال مسرحية أو استعراضية، يصعب أن نصطلح على المنجز بـ«فني»؛ إذ لا يحمل هذا المنجز صفة «الحضور»، والخروج إلى الوجود، التي تميز العمل الفني من أي غرض غيره، فهو، متلاشٍ ومختفٍ ومتماهٍ مع المنجز المسرحي (كعمل فني كامل).
من وجهة نظرنا، يلعب العمل الفني دورًا أساسيًّا في الحياة اليومية وتهذيب الذوق ونشر البعد الجمالي داخل المجتمع، ويعبر عن التزام الفنان بالقضايا المجتمعية والسياسية؛ لكونه يمتك خطابًا ونسقًا رمزيًّا خاصًّا… لهذا فالفصل بين العمل الديكوراتي والعمل الفني بات أمرًا ضروريًّا اليوم. فقيمة الأثر الجمالي يستمدها من قدرته على اختراق الفضاء عينه والزمن نفسه. واصطباغ صفة «ديكور» على العمل الفني يزيل عنه صفة الاستمرارية الزمكانية والصيرورة، ويدخله في خانة «الغرض» الحرفي التقليدي، الذي يتوقف به الزمن عند لحظة معينة. بينما العمل الفني متجاوز للزمن والمكان ولا يتوقف عند لحظة أو حقبة معينة؛ إذ إن أعمالًا عدة اليوم تلقى تأويلات معاصرة تبتعد تمامًا من أية تأويلات كانت تحملها في زمن إبداعها. وهو الأمر الذي يمكن أن نصطلح عليه بـ«الامتداد الجمالي» للأثر الفني المخترق للزمكان. ويبقى الديكور محتفظًا، دائمًا، بصفة «الشيء» التي يصعب إزالتها عنه، بينما العمل الفني هو شيء وقد أزيلت عنه «شَيْئِيته» واكتسى صفة الحضور وبات «عالَمًا».