التشكيلية السعودية غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد... والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة

التشكيلية السعودية غادة الحسن:

تجربتي بمجملها نسيج واحد... والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة

تصف الفنانة التشكيلية السعودية غادة الحسن، المتلقي الواعي بأنه شريك للفنان بتذوق العمل الفني وتحليله وإضافة أبعاد أخرى إليه. وعن العمل الفني نفسه تقول الحسن في حوار مع «الفيصل»: إنه ليس عملًا ماديًّا بحتًا، بل يحمل مضامين روحية وعمقًا فكريًّا وفلسفيًّا وغموضًا لا يحسن بالفنان أن يشرحه.

وتتحدث الحسن عن مفهوم الفن وتطوره عبر العصور، وضرورة مواكبة الفن لمتغيرات العصر واستفزاز ذهن المتلقي بأساليب وأشكال فنية مبتكرة، منها استعمال الكولاج وتوظيف عناصر مختلفة مثل الصورة والنصوص بما يخدم فكرة العمل الفني. وتُعرِّف الحسن العمل الفني بأنه كائن حي له دوره في الحياة ورسالة يؤديها، وقد يقتصر العمل الفني، في رأيها، على جملة أو يمتد ليكون حديثًا طويلًا، ومنه قد تولد أعمال أخرى في عملية فنية يتخلق فيها عمل من آخر.

شريك الفنان

  تحرصين على الاستفادة من أساليب فنية عدة لتنقلي فكرتك إلى المتلقي بوضوح. ماذا يعني لك المتلقي؟ وما طبيعة الحوار الذي يتشكل بينكما؟

  المتلقي الواعي شريك الفنان ومتمم غير مباشر للعملية الإبداعية؛ ويأتي دوره بعد انتهاء العمل وليس قبله، والدور الذي يؤديه مهم جدًّا في تذوق العمل وفهمه وربما تحليله، وفي بعض الأحيان يضيف له أبعادًا واتساعًا على مفاهيم أخرى مختلفة. فالعمل الفني ليس عملًا ماديًّا بأبعاد وقيم وقوانين معينة وحسب، ولكنه أيضًا يحمل مضامين روحية وعمقًا فكريًّا وفلسفيًّا؛ لذا ليس من الضروري أن يكون واضحًا أو أن يسعى الفنان لجعله كذلك، فجزء من جماليته وسحره في غموضه وعدم إجابته المباشرة عن فكرة الفنان، بل يترك العنان للمتلقي ليصنع قصته بنفسه.

  تمزجين بين خامات متنوعة في بعض أعمالك الفنية مثل استخدامك الكولاج والصورة والنص المخطوط. فبِمَ يفيد هذا التشكيل الفني؟ ألا تظنين أن هذا الجمع بين التقنيات قد يفهم منه أنك غير قادرة على شرح مضامينك الفنية؟

  وُجد الفن بوجود الإنسان، وتطور بتطوره، ونحن اليوم نحمل منه إرثًا واسعًا ومتشعبًا. وبتعاقب العصور وتطور البشرية ازداد الفن تعقيدًا وما عادت الأساليب البسيطة تناسب ذهن الإنسان المعاصر، الذي يحتاج لاستثارته أساليب أخرى ترتقي به وتخلق نوعًا من الاستفزاز الفكري؛ كي يرى العمل برؤية مختلفة تتناسب مع العصر الذي نعيشه، التي بالتأكيد لا تشبه رؤية الإنسان في العصور السابقة. الكولاج بمعناه الواسع يضم كل ما ذكرتِه تحت مفهوم واحد وليست مفاهيم مختلفة، الصورة والمخطوطات كما الكتابة اليدوية كلها عناصر لا يمكن فصلها عن جسم العمل، الذي يقوم في مجمله على فكرة الكولاج، وبالتالي فإن توظيف هذه الخامات داخل في صناعة العمل وتكوينه بالشكل الذي تتطلبه الفكرة، وليست مضافة (تكلفًا) للشرح والتوضيح، بل -في كثير من الأحيان- تتخذ هذه الرموز منحى آخر في الذهاب بذهن المتلقي إلى مناطق أخرى، أكثر من كونها تقدم شرحًا للعمل.

عوالم أثيرية

  الملحوظ على بعض أعمالك أنها تمتد وتتوالى وقد يتشكل العمل في مجموعة لوحات وكأنه لا ينتهي أو لن ينتهي. ماذا أردت أن تقولي من خلال هذه النهاية المطلقة لعملك الفني؟

  العمل الفني «كائن حي»، وله دوره في هذه الحياة ورسالة يؤديها، قد تكون جملة وحسب أو حديثًا طويلًا لا ينفد، ويبقى ممتدًّا في عوالم أثيرية لا نهائية. بالنسبة لي أعطي الفرصة الكاملة للعمل حتى يستنفد أحاديثه كلها قبل أن أبدأ بعمل آخر، بل في أحيان كثيرة لا يكون العمل الجديد إلا امتدادًا له وابنًا شرعيًّا يحمل كثيرًا من ملامحه وأفكاره. فتجربتي بمجملها نسيج واحد تشد عناصره بعضها بعضًا، على الرغم من تغير الأفكار والموضوعات وتطورها بحكم الخبرة والنضج، فإنها مرتبطة بعضها ببعض بصورة واضحة لأي متقصي.

التحديات وتأثير البيئة المحيطة

  ما التحديات التي تواجهينها وأنت فنانة تشكيلية؟

  لكل مرحلة تحدياتها وصعوباتها وتختلف باختلاف ظروفها، سواء التحديات الخاصة بتطوري الفني، أو بحسب الوضع المجتمعي الذي بدوره يتغير ويتطور، فما كنت أصارعه قبل أعوام يختلف تمامًا عن صعوبات الوضع الراهن! فأنا أنتمي إلى الجيل الذي جاهد من أجل إثبات نفسه بنفسه والاستمرار في العطاء الفني من دون دعم؛ كي ينتزع الاعتراف بوجوده، وعلى الرغم من التطورات الهائلة التي تحصل للفن التشكيلي في الوقت الحالي فإننا لا نزال «الجيل الضائع» الذي ينتظر أن يحصل على فرص حقيقية كغيره من الأجيال السابقة واللاحقة، وأن يُعترَف بدوره في التاريخ الفني السعودي وتقديره بما يستحقه.

  ما مدى تأثير الثقافة الاجتماعية المحيطة بك في أعمالك الفنية؟ وهل هناك أحداث أو تغييرات اجتماعية معينة ألهمتك في بعض أعمالك؟

  «الفنان ابن بيئته» المتأثر والمؤثر بها ولا يمكن فصله عنها، بل يتم الحكم عليه من خلالها في كثير من الأحيان. أنا بنت بيئتي وأفخر بهذا الانتماء العميق لأرضي وجذوري، كما كان لعائلتي الفضل الأكبر في صقل شخصيتي التي أنا عليها الآن، وتأثري بوالدي الشاعر «علي الحسن» الذي اكتسبتُ منه عشقي للآداب والتاريخ، حتى هذا اليوم لم أُشفَ من هذا الشغف الذي يظهر واضحًا في جل أعمالي.

أعمالي في جميع مراحلي تركز على الإنسان وتاريخه، وربما من الأحداث المهمة والملهمة كانت التغييرات الكبرى التي حدثت في الخارطة السياسية عام 2011م، فأنتجتُ عملي «قبل أن نذهب في النسيان» وهو عمل تركيبي مكون من سبعة مجسمات هرمية تحيط بمجسم نصف كروي، أشير فيه لما يحدث في العالم من تغييرات مفاجئة، وكيف أننا شهود على هذه المرحلة من التاريخ التي ستتحدث عنها الأجيال اللاحقة. وكما وثق الأسبقون التاريخ عبر تدوينه بطرائق عدة، ولولا ذلك ما عرفنا عنه شيئًا! كذلك أدوِّن الأحداث بطريقتي، وبصفتي شاهدة على هذه المرحلة المفصلية في تاريخ العالم العربي.

محطات فارقة

  يعايش الفنان مراحل من التوقف عن إنتاج الإبداع في شكله الفني، وربما لا يستطيع تجاوزه إلا بحافزات، فما إستراتيجياتك لحَفْز أدواتك الفنية؟ وهل تنجحين في ذلك؟

في البداية، ينبغي أن نفرق بين أنواع التوقف: فهناك توقف يختاره الفنان بمحض إرادته ويُؤْثر فيها العزلة حتى يرمم ذاته ويعيد نفسه إلى نفسه، وهذه ضرورة لأي فنان حريص على تطوير عمله، حتى يرى موضع قدميه ويراجع تقييم خطواته، فيعود بعدها قويًّا، واثقًا ويعرف ما يريد. أما التوقف الإجباري بسبب الظروف الطارئة فالعودة بعدها أسهل، فممارسة الفن ليست خيارًا للفنان، إنه كالماء والهواء، مهما ابتعد فإنه يرجع إليه حتمًا ولا يحتاج لأي حافز؛ لأن الرغبة في العودة للفن ستظل هاجسًا لديه، ولن يسكن إلا في محرابه.

  ما مدى تأثير الشعور بالإحباط من تحولات الواقع المفاجئة في حس الفنان؟ وهل يمكن أن تتجسد في عمله بشكل إيجابي؟ أم ماذا؟

  خلق الله الفنان بتركيبة نفسية خاصة، تمكنه من سهولة التأثر والإحساس بكل ما حوله، وإعادة إنتاج هذه المشاعر بشكل إبداعي رائع، لكن.. وفي الوقت ذاته، تلك التركيبة تجعل مشاعر الإحباط والاكتئاب تستولي عليه بسهولة. أذكر في هذا الصدد الفنان «إدفارد مونش» الذي عاش حياة كئيبة يطارده شبح الموت طوال حياته التي امتدت حتى الثمانين، أبدع خلالها كثيرًا من الأعمال التي تُعَدّ علامة فارقة في تاريخ الفن. وهكذا! فمشاعر التعاسة والإحباط قد تتحول لأعمال فنية خالدة أو قد تؤدي في أسوأ حالاتها للانتحار. وتاريخ الفن مليء بحالات عجز فيها الفنان عن تحمل بشاعة الحياة وقسوتها وقرر إنهاءها بنفسه.

من البدايات إلى الاحتراف

  شاركت في كثير من المعارض الفنية. ما المشاركات التي تعتزين بها خاصةً؟ وفي أي معرض؟ وكيف كان تفاعلك مع الجمهور والنقاد خلال تلك المعارض عامةً؟

  هناك معارض أعدّها انعطافًا مهمًّا في حياتي وأخرى «بصمة» فارقة لا يمكن تجاوز تأثيرها. لا أنسى البدايات والمعرض الجماعي الأول الذي شاركت فيه مع جماعة الفن بالقطيف عام 2001م الذي تغيرت معه أقداري من مجرد تحقيق حلم بالمشاركة إلى قرار بالاستمرار في طريق الفن. لا أستطيع الآن أن أصف مشاعري وقتها سوى بالدهشة والارتباك، فلم أكن أتوقع ذلك النجاح وتلك الإشادات من قامات فنية كبيرة ومن الجمهور.

كما أذكر معرض «أتيليه القاهرة» في مصر الذي كان أول مشاركة خارجية لي سنة ٢٠٠٧م وأكسبني كثيرًا من الثقة في تجربتي، وجرت وقتها محاورات كثيرة حول أعمالي مع الفنانين المصريين والمثقفين وكذلك النقاد، وهو ما جعلها تجربة لا يمكن نسيانها. وأيضًا «بينالي الدرعية الأول»، تجربة مهمة في حياتي الفنية؛ إذ إن وجود «بينالي» كان حلمًا لنا جميعًا نحن الفنانين السعوديين، تحققه وزارة الثقافة وبمستوى عالٍ من الاحترافية، فكان لي شرف المشاركة في هذا الحدث التاريخي الضخم.

  تطورت أعمالك الفنية عبر سنوات. فما التغيير الذي أحدثته السنوات في أسلوبك وموضوعاتك وأفكارك؟

  العمل الفني ليس سوى انعكاس للفنان وتمثيل له، فالعمل الجامد وراءه إنسان جامد.. ببساطة! الفنان «إنسان» يكبر وينضج وتتغير أفكاره ومفاهيمه، كما تتسع ثقافته واطلاعه فيعيش حيوات عدة، ويكتسب شخصيات مختلفة في أثناء مسيرته تؤثر في تجربته ونضجها. فـ«غادة» قبل عشرين عامًا بالتأكيد تختلف عن النسخة الموجودة حاليًّا، في الماضي كانت موضوعات أعمالي ملاصقة لي أكثر، كما كانت أهداف إثبات الذات ومحاولات التميز والبحث الدؤوب عن شخصية فنية مستقلة؛ كل ذلك كان يشكل جهدًا. لكن يختلف الأمر حاليًّا بكل تأكيد. موضوعاتي أصبحت أعمق وأكثر شمولية وتقنياتي أكثر نضجًا واحترافية، كما أن الحضور المستمر في المعارض ما عاد يشغلني، وأصبحت أفكر في الكيفية وفي قيمة المشاركة وما الذي ستضيفه لي!

  ما تطلعاتك الفنية المستقبلية؟ وهل هناك مشروعات جديدة تعملين عليها حاليًّا؟

  ما زلت في حالة بحث مستمرة ودائمة بعيدًا من تكرار نفسي واكتشاف أساليب جديدة تشبهني وتنتمي إليّ؛ كي تصل أعمالي إلى المستوى والمكانة التي أتمناها لها. فحاليًّا أعمل على معرض شخصي جديد، سيرى النور قريبًا، امتدادًا لمجموعة تجاربي وإضافة لها. التاريخ أيضًا له دور كبير في فكرة المعرض والأشكال التي أستوحيها منه.

المصور المفاهيمي صالح الدغاري: الحياة فكرة وعلى المصور عدم الإفراط في استخدام التقنية

المصور المفاهيمي صالح الدغاري: الحياة فكرة وعلى المصور عدم الإفراط في استخدام التقنية

يستعرض المصور المفاهيمي صالح الدغاري قدراته على تحديد أولويات الرؤية في كل عمل فني وضبط التفاصيل بدقة، والتفاعل مع المَشاهد بأكثر من طريقة إبداعية. فهو ينقل تجاربه الوجدانية والثقافية وينوع في اختياراته، سواء كان ذلك في تسليط الضوء على الجوانب المظلمة من الحياة أو استكشاف جمال اللحظات البسيطة، من خلال تحويل المفاهيم إلى صور تروي قصصًا بصرية ملهمة؛ فالحياة كلها فكرة، من وجهة نظره. الدغاري يحذر، في هذا الحوار مع «الفيصل» من التعامل مع التقنية بكثرة من خلال تحرير الصور تحريرًا مفرطًا؛ فذلك يؤدي، بحسب وجهة نظره، إلى تشويه الصورة وتغيير ملامحها في عين فنانها.

إلى نص الحوار:

التوازن بين الخيال والتقنية

  كيف تستخدم التقنيات المصورة لنقل المفاهيم الخاصة بك وبالعامة؟ ومن أين تحصل على الأفكار التي تشرح تلك المفاهيم؟

  الفنون في أبسط صورها عبارة عن تجسيد لفكرة ستتكون إلى شكل ينتقل خلال وسائط متعددة تتضمن عددًا من المعايير والمفاهيم، وقد ساهمت التقنيات المصورة في تغيير الأداء الفني التقليدي وأوجدت أشكالًا جديدة. وفي اعتقادي أن على الفنان مواكبة هذه المتغيرات والتحولات التقنية. ولا يوجد لديَّ مصدر وحيد بذاته للأفكار، فالحياة كلها فكرة، ولا شك أن بناء جسور جيدة مع التجارب في شتى مناحي الحياة يمنح الفنان رافدًا جيدًا من الإلهام، الذي يتمكن عَبْره من صياغة أعماله الفنية إلى جانب الاطلاع والقراءة.

  ما أبرز التحديات التي قد واجهتك في مشوار تصويرك؟ وكيف تعاملت معها؟

  لا شك أن الجانب المعرفي هو الأبرز في التحدي الذي يرافق أي بداية. كانت المعلومة سابقًا حول تقنية معينة في التصوير تكاد تكون شحيحة أو غير واضحة، كما أن الطرح الإبداعي لم يكن مرحبًا به في البداية، ناهيك عن أن فكرة التصوير من الأساس كانت مثار جدل مجتمعي واسع. وكذلك يتطلب النجاح في عالم التصوير الفوتوغرافي توازنًا بين الإبداع والتقنية ويمكن أن تكون التقنية المتقدمة مثقلة بالقواعد وتحد من الإبداع. ومن جهة أخرى يمكن أن يكون الإبداع العالي من دون معرفة تقنية دقيقة يؤثر في جودة الصورة فنيًّا. وقد تعاملت مع هذا التحدي من خلال الاستمرار في تطوير مهاراتي التقنية وفي الوقت نفسه استخدمت خيالي وإبداعي في اختيار الإطار الصحيح والتعبير عن قصة من خلال أعمالي الفنية.

  كيف استطعت أن تدمج بين جماليات الفن وبين رسالتك في أعمالك؟

  عملت على اختيار المَشاهد والزوايا بدقة لإبراز جمالية المشهد مع إيصال رسالتي بشكل فعّال، كما استخدمت تقنيات التصوير المختلفة مثل الإضاءة والألوان إلى جانب إضافة عنصر من التفكير الإبداعي لإبراز رسالتي من خلال اختلاف زاوية التصوير وطرق المعالجة الفنية. حاولت الدمج بين جمالية الفن ورسالتي من خلال تحديد أولويات الرؤية في كل عمل فني وضبط التفاصيل بدقة.

عدة المصور

  إلامَ يحتاج المصورُ المفاهيمي ثقافيًّا وفنيًّا واجتماعيًّا؟

  يحتاج المصور المفاهيمي إلى معرفة واسعة بالثقافة والفلسفة وهذه المعرفة تساعده في تطوير أفكاره، كذلك دراسة أعمال الفنانين المفاهيميين السابقين إلى جانب قراءة الكتب والمقالات التي تناقش النظريات الفنية، والاستفادة أيضًا من دراسة الفنون الأخرى التي تساعده في تطوير وجهة نظر أكثر إبداعية ومبتكرة. الأمر يتطلب أن تكون متعلمًا ومبدعًا وحساسًا.

  حدثنا عن مشاركتك في معرض «رسوم وطلل»، وإلى أي حد مثلتم قصائد الشعراء؟

  شاركت في المعرض الفني «جغرافيا القصيدة»، ضمن فعالية «رسوم وطلل» التي أقامتها وزارة الثقافة، بأربعة أعمال فنية. كان العمل الأول بعنوان «معبد الشعر» وهو حالة تعبيرية للشاعر امرئ القيس وهو في خلوته ينتظر إلهام الشعر وولادة القصيدة. والعمل الثاني بعنوان «عبقر» وقد استلهمته من أشعار عنترة وشخصيته. وكان العمل الثالث بعنوان «هدوء نسبي»، وهو محاكاة للهدوء الذي يتسم به شعر ليلى الأخيلية ويستدعيه كستار شفاف تتأجج خلفه العواطف الجامحة. والعمل الرابع «اختلاف» ويتمثل من خلاله ابن المقرب العيوني حاملًا أوزار الحياة، كحتمية شاردة تستعيد في أبديتها لقاءه بمحبوبه وغيابه عنه.

تعدد الأفكار والرؤى

  من خلال تسمياتك لأعمالك يظهر اهتمامك بالعنوان ليعبر عن محتوى العمل الذي تقوم بتصويره؟ مثل: «في ارتداء فكرة من خشب!»، و«تصعيد هذيان» فما أهمية العنوان بالنسبة للصورة من وجهة نظرك؟

  من وجهة نظري يعد العنوان جزءًا مهمًّا من الصورة، فهو الذي يوفر معلومات إضافية حول الصورة، ويساعد المشاهد على فهمها بشكل أفضل. وهو يضيف للعمل الفني أيضًا أجواء ومزاجًا معينًا وجاذبية وتأثيرًا ويسمح للمتلقي بفهم العمل الفني بشكل يخلق من خلاله تساؤلات دقيقة.

  في عصر الرقمنة الذي يعتمد على الصورة بشكل رئيس. كيف تنظر إلى دور التقنية في التعامل مع الصور؟ وكيف تؤسس لك رؤيتك المغايرة لما تضخه وسائل التواصل؟

  أعتقد أن التقنية لها دور مهم في التعامل مع الصور، فهي تتيح لنا التقاط الصور وتحريرها ومشاركة الصور بسهولة أكبر، فهي تمنحنا الدقة والسرعة والإبداع والمشاركة. وهناك بعض التحديات المرتبطة باستخدام التقنية في التعامل مع الصور فمن الممكن أن يؤدي استخدام برامج تحرير الصور استخدامًا مفرطًا إلى تشويه الصورة. ولكن تبقى فوائد استخدام التقنية في التعامل مع الصور أكثر من سلبياتها.

رؤيتي المتواضعة لما تضخه وسائل التواصل الاجتماعي تبدأ من ضرورة التعددية في الأفكار والرؤى؛ فهناك أكثر من طريقة لرؤية العالم. وحقيقة الأمر أريد أن أقدم للناس مجموعة متنوعة من الأفكار والآراء التي تترجم فيما بعد كأعمال فنية حتى يتمكنوا من تشكيل آرائهم الخاصة بهم. وأحرص عندما أقدم فكرة أن تكون جديدة ومبتكرة وترى العالم بطريقة موضوعية وإبداعية.

  كيف يطور المصور من أساليبه الفنية؟ وما دور التثقف والاطلاع في تنمية وعيه الإبداعي والفكري؟

  يطور الفنان من أساليبه الفنية من خلال الممارسة المستمرة والتعلم من الآخرين من خلال قراءة الكتب والمقالات عن شتى الفنون، أو مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية، أو حضور ورش العمل والندوات، ومتابعة أعمال الفنانين للحصول على الإلهام والأفكار الجديدة، وكذلك التجريب والإبداع والاستعداد له وعدم الخوف من تجربة أشياء جديدة للخروج عن المألوف.

للاطلاع والثقافة دور مهم في تنمية وعي الفنان إبداعيًّا وفكريًّا، بل يساعده على تطوير رؤيته للعالم، وفهم أفضل للجمال والمعنى، وخلق صور أكثر تأثيرًا، كذلك زيارة المتاحف والمعارض الفنية التي تساعد الفنان على رؤية أعمال الفنانين الآخرين من كثب.

مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي: نسعى لكسر الحواجز بين الأدب والفرد وبين الأديب وجمهوره

مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر

خالد الصامطي: نسعى لكسر الحواجز بين الأدب والفرد وبين الأديب وجمهوره

أوضح مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي، فيما يخص آلية عمل الشركاء الأدبيين، أن الهيئة تسلّم الدفة للشركاء الأدبيين عبر إدارة الفعالية وضبط موجتها والتسويق لها، وتكتفي بالدعم والمتابعة المستمرة، مشيرًا إلى أن الفعالية تكتسي بالطابع الذي يختاره الشريك الأدبي لها ويرغبه. وقال الصامطي في حوار مع «الفيصل»، بخصوص مبادرة عام الشعر العربي: إن للشعر العربي على جغرافيا المملكة محطات ومواقع يمكن تفعيلها وإعادة إحيائها وربطها بالشعراء الذين مروا بها والقصائد والقصص التي قيلت فيها وعنها. ولفت إلى أن معتزلات الكتابة، التي تنظمها الهيئة، تسعى لمنح الكتّاب تلك التجربة بالتفرّغ الكامل للإبداع والإنتاج في أحضان الطبيعة والتاريخ.

إلى نص الحوار:

  عادة ما يتصور المبدع أن المبادرات المرتبطة بالمشروعات الرسمية ستحُدّ من قدراته على التخلص من القيود الاجتماعية والفكرية. كيف يمكن للشريك الأدبي أن يتلافى هذا الفهم ليقدم نفسه كفضاء حاضن وحافز للأدباء والمبدعين وخلق شراكات إبداعية؟
  تقوم المبادرة في أساسها على تلافي هذا الفهم. ففعاليات الشركاء الأدبيين تقام في المقاهي التي تُعَدّ من أبرز مقرات الراحة، وهي المحطة الرئيسة التي يتخلص فيها الناس من أعباء الرسمية وقيودها والتزاماتها، كما أن الهيئة تسلّم الدفة للشركاء الأدبيين عبر إدارة الفعالية وضبط موجتها والتسويق لها، وتكتفي بالدعم والمتابعة المستمرة، وعلى هذا فإن الفعالية تكتسي بالطابع الذي يختاره الشريك الأدبي لها ويرغبه. وهذا الطابع غالبًا ما يكون حيويًّا وقريبًا من المتلقّي، وتهيمن عليه العفوية ويسوده الحوار. كما نخص بالذكر أن فعاليات الشريك الأدبي تستقطب الأدباء ليكونوا جزءًا من ذلك الجو المتآلف المتحرر من القيود والرسمية، ومن هنا تتحقق رؤية المبادرة في كسر الحواجز بين الأدب والفرد، وبين الأديب وجمهوره، في بيئة مريحة تجعل الأدب مرغوبًا ومحبوبًا.

  يسهم الشريك الأدبي في تحسين البنية الإبداعية والمناخ الثقافي للأقاليم والمدن البعيدة من تركيز الإعلام، ويتيح لها الانخراط بشكل فاعل في الحراك الأدبي الوطني. في المقابل ما تطلعات وتوقعات الشريك الأدبي من هؤلاء الشركاء في تعزيز الثقافة كنمط وسلوك إنساني وممارسة يومية لمجتمعاتهم المحلية؟
  يتوقّع الشريك الأدبي من شركائه المقاهي أن يكون منتجهم الفكري والمعنوي عاملًا أساسيًّا في جعل الثقافة نمطًا لحياة الفرد، فحين يكون المقهى -وجهةُ الفرد التي يقصدها للتخفف من أعباء الحياة ومهامها- مصدرًا للثقافة بشكل شائق ومحبوب، ستمتد سبلٌ لا تُحصى ليكون الأفراد جوهرًا للمشهد الأدبي ومحركًا حقيقيًّا وفعالًا لعجلة الثقافة. إننا نسعى ليكون التفاعل الأدبي عنصرًا نشطًا وحقيقيًّا في كيميائية المشهد، وبإمكان الشركاء الأدبيين صنع تغيير حقيقي وقوي في هذا المجال، وهذا ما أثبتته دراسات قياس الأثر التي أجريت على مجموعة من زوار المقاهي والضيوف من الأدباء والناشطين، الذين أعربوا عن أثر هذه الفعاليات في حَفْز اهتمامهم بالأدب وحثهم على زيادة إنتاجهم وتجويده.

  الاطلاع على التجارب الثقافية المتنوعة التي أقامها الشركاء الأدبيون يثبت أن مشروعاتها أثمرت تقديم أدباء واعدين، إضافة إلى المعروفين. فما المقومات التي أسست لهذا النجاح الثقافي الوطني؟
  لقد حرصت المبادرة على تنويع وسائل وأساليب وصولها إلى الأدباء، حيث كانت أبواب التسجيل في المنصة الإلكترونية مفتوحة طيلة مدة المبادرة لجميع الأدباء الراغبيـن في الحلول ضيوفًا على الفعاليات، كما عمل الشركاء الأدبيون بلا كلل مع فريق المبادرة لاستقطاب مئات الأدباء الراغبين في المشاركة والتواصل معهم، ودعمهم لوجستيًّا في حال قدومهم من خارج منطقة الشريك، وقد انعكس ذلك على مساهمات وفعاليات مختلفة ومتعددة، لعل من أبرزها مشروع الشريك الأدبي الفائز بجائزة أفضل مساهمة مبتكرة، والذي استقطب أكثر من مئة كاتب وفنان وموهوب من منطقته للمشاركة بأعمالهم في مُخرَج فني واحد.

دور الشريك الأدبي

  هل للمعونة التي تقدمها الوزارة شروط والتزامات يخضع لها الشريك الأدبي مثل عدد الأنشطة التي يقيمها؛ لأن الملحوظ أن هناك شركاء في مدن أخرى لا يقيمون إلا قليلًا من الأنشطة، وآخرون يقيمون أنشطة مستمرة على نحو دوري ومنتظم.
  للشركاء الأدبيين ثلاث فئات بالنظر لمساحة المقهى وقدرته الاستيعابية والتشغيلية، وبها يتغير عدد الفعاليات المطلوبة من الشريك، كما يتفاوت بها الدعم المقدم له. عطفًا على ذلك، تقدّم المبادرة دعمًا شهريًّا للشركاء الأدبيين شريطة التزامهم بالمتوقّع منهم من حيث أعداد الفعاليات والمساهمات.

  هل أنشطة الشركاء مرتبطة بحدود مدنهم؟
  لا توجد شروط تتعلق بالموقع الجغرافي للفعالية، فهناك فعاليات ومساهمات أقيمت على مستوى دولي في النسخة الثانية، ويرجع اختيار ذلك وتقريره إلى رغبة الشريك ورؤيته.

  ما الإضافات المقبلة لتطوير دور الشريك الأدبي؟
  تعمل المبادرة على تحسين تجربة الشركاء الأدبيين وتطويرها مع كل نسخة، كما تسعى لتضخيم أثرهم وتوسعة نطاقه. ففي النسخة الثالثة سيرتفع عدد الشركاء الأدبيين إلى الضعف، مع مراعاة التنوع الجغرافي ليغطي أكبر عدد ممكن من المدن حول المملكة. وإضافة إلى التمدد جغرافيًّا، تخطط الهيئة لتنظيم برامجَ إرشادية وتوجيهية مكثفة وشاملة للشركاء الأدبيين بحيث يسهل عليهم التخطيط لفعالياتهم وتطويرها والتسويق لها، إضافة إلى توسعة قاعدة المستفيدين منها بما يشمل مختلف الأعمار وسائر فئات المجتمع. تهتم المبادرة، كذلك، بتضمين التنمية والخدمة المجتمعية في أنشطة الشركاء الأدبيين، بحيث يحصل الشريك الأدبي على حصته من الأماكن العامة والمراكز الصحية والمرافق المشتركة، بالتعاون مع مختلف الجمعيات ومؤسسات القطاع العام والخاص والثالث.

  هل يدعم الشريك الأدبي مؤلفات الأديب السعودي بعرضها وتسويقها داخل مقهاه مثلًا بحيث يكون هناك ركن مخصص للأديب كنموذج مصغر لمعرض شبه دائم لمؤلفات الأدباء السعوديين في مقر كل شريك أدبي؟
  تحث المبادرة الشركاء الأدبيين بشكل مستمر على إنشاء مكتبات مصغرة في مقراتهم، كما تزودهم بباقة من الكتب لتحقيق ذلك الغرض، وتحفزهم على تغذية مكتباتهم وتحديثها بشكل متواصل.

ثمار العزلة الأدبية

  تعد معتزلات الكتابة فرصة ثمينة حافزة للمبدع السعودي. فما الجدوى منها من وجهة نظركم؟ وما الأثر الذي تتركه مشاركة كُتّاب عرب فيها؟
  بالعودة لتجارب المعتزلين من الكتّاب، سواء ضمن مشروع معتزلات الكتابة الحالي أو حول العالم، نجد أن في العزلة ثمارًا لا يقطفها إلا متذوّقوها، وأثرًا ساميًا على الإبداع الأدبي، وقدرةً على الاتصال بمكامنه، يصعب أن يجدهما الفرد في حياته اليومية بمعكّراتها ومشتّتاتها. إن معتزلات الكتابة تسعى لمنح الكتّاب تلك التجربة بالتفرغ الكامل للإبداع والإنتاج في أحضان الطبيعة والتاريخ. ولتعزيز تلك التجربة يحرص المعتزل على تضمين جلسات حوارية بين ضيوفه لتبادل الخبرات والرؤى والتجارب، بما يجعل الحافز الأدبي أعمق وأكبر أثرًا. تُختارُ مواقع المعتزلات بدقة وحرص بحيث تمثل رموزًا مهمة في تاريخ المملكة وحضارتها، بحيث تحتضن تراث منطقتها المادي وغير المادي. وفيما يتعلق باستضافة كتّاب من مختلف الجنسيات، فإن معتزلات الكتابة وإقامات الكتّاب تُعنى بربط الأديب السعودي وفكره وعمله مع غيره من الأدباء حول العالم، وعلى هذا يحرص الفريق: إما على استضافة أدباء إقليميين وعالميين، أو استضافة الكاتب السعودي في دول أخرى لتحقيق تلك الرؤية. كما أن أحد أهداف المبادرة هو إبراز القيمة الثقافية والجغرافية والتراثية التي تتميز بها المملكة للكتاب والمثقفين من أنحاء العالم كافة، فهؤلاء الكُتّاب هم من سينقل الصورة الثقافية الحقيقية للمملكة من خلال كتاباتهم عند عودتهم لبلدانهم.

دعم الشعر محليًّا وعربيًّا

  بالنظر إلى مبادرة «عام الشعر العربي»، ومن منظور هيئة الأدب والترجمة والنشر، كيف يمكن للشعر تعزيز المكانة الثقافية والحضارية للمملكة خاصةً، والجزيرة العربية بوصفها محضن الشعر العربي ومنبته عامةً؟
  إن للشعر العربي على جغرافيا المملكة محطات ومواقع يمكن تفعيلها وإعادة إحيائها وربطها بالشعراء الذين مروا بها والقصائد والقصص التي قيلت فيها وعنها. فوزارة الثقافة تعمل على تكثيف الجانب البحثي حول المناطق المذكورة في المعلقات وأبرز القصائد العربية، ثم إبراز تلك المواقع والشعراء والقصائد المرتبطة بها، من خلال حزم من الفعاليات التي تقام في مناطق عدة من المملكة، وفي ذلك تأصيل للريادة الأدبية في حدود المملكة العربية السعودية. كما أن مبادرة عام الشعر العربي تضع على عاتقها دعم الحالة الشعرية العربية، واستضافة كبار الشعراء في فعاليات شعرية مستقلة أو من خلال الفعاليات السنوية مثل معارض الكتب والمؤتمرات والملتقيات التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة، إضافة إلى إطلاق قوافل شعرية داخل مدن المملكة، وقوافل شعرية تتحرك في مسارات دولية، عربيًّا وعالميًّا، وذلك تأكيدًا للريادة الثقافية والحضارية للمملكة.

  ما خطط ومستهدفات هيئة الأدب والنشر والترجمة لمخرجات ومحصلة مبادرة عام الشعر العربي؟ هل نتوقع استدامة المبادرات والفعاليات الموجهة للشعر والشعراء؟
  على مدى عقود مضت احتل الشعر العربي مكانة ثقافية بوصفه من أهم المكونات الحضارية للثقافة العربية، حتى وقتنا المعاصر يتصدر الشعر العربي المحافل الأدبية، ومن أجل ترسيخ هذا المكون الحضاري تسعى المملكة العربية السعودية إلى جعله حاضرًا في الحياة اليومية للثقافة السعودية والعربية. وهذا ما تفسره رؤية عام الشعر التي تنص على ترسيخه شعرًا عربيًّا أصيلًا، ذا ماضٍ عريق، وحاضر حي، ومستقبل مزدهر، ورسالة تسعى إلى إحياء تاريخ الشعر العربي العريق، وتعزيز حضوره في الحضارة الإنسانية، وإرساء قواعد ثرائه المستقبلي، وإحلاله لمكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه.

  هل يمكن القول: إن المبادرة تقف على مسافة واحدة من جميع المدارس الشعرية، الفصيح، والنماذج الحداثية مثل النثر والتفعيلة؟ أم هناك سياق وإطار محدد للمبادرة؟
  تعمل المبادرة في عامها الكامل على تسليط الضوء بشكل متوازن على جميع أنواع ومدارس الشعر، ومن هذا ما جاء في بعض الفعاليات والمبادرات من إحياء للمدارس القديمة والحديثة، وإقامة الأمسيات الأدبية لعمالقة الشعر، والعمل على تكوين تغذية بصرية وعقلية في الأجنحة المشاركة في الفعاليات الثقافية والمجتمعية التي ترسخ بدورها اختلاف مدارس الشعر واهتمام مالك المبادرة بها، وما زال للإبداع والتنوع بقية.

لولوة الحمود: فني لا يعبر عن معاناة ولا عن خبرات مؤقتة إنما عن شيء أزلي

لولوة الحمود: فني لا يعبر عن معاناة ولا عن خبرات مؤقتة إنما عن شيء أزلي

لعل وجود إحدى لوحاتها في مكتب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لفت الانتباه إلى أعمال الفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود، وجعلها تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي السعودية. تُعَدُّ الحمود من الفنانات السعوديات المميزات بالتعبير الفني بالأشكال الهندسية المجرَّدة، وهي واحدة من روَّاد الفن المعاصر في السعودية. سافرت الحمود عام 1994م إلى لندن لدراسة الفن التشكيلي عندما لم يكن هذا الفن يحظى بالاهتمام كما هو اليوم، وهي أول سعودية تحصل على الماجستير من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون، تخصص الفن الإسلامي، كما نسَّقت عددًا من المعارض في دول مختلفة، منها متحف في الصين، ومعرض الفن السعودي في غاليري بروناي، وباعت أعمالَها دارُ كريستيز في دبي، ودار سوذبيز للمزادات وبونهامز في لندن، كما اقتنى أعمالَها متحفُ القارات الخمس في ميونيخ بألمانيا، ولوس أنجليس، ومتحف جيجو في كوريا.

تعبر لولوة الحمود عن حرفيتها من خلال الأشكال المجردة، وما زالت اللغة العربية وتطويرها محط اهتمامها وافتتانها بوصفها باحثة وفنانة. وتسعى الحمود من خلال أعمالها المعاصرة إلى استكشاف القواعد الخفية للإبداع الفني عبر الأنماط الهندسية، وباستخدام الحرف والزخرف العربي في سياق فكري، يتماهى مع الطبيعة الإنسانية الشرقية، ويجمع بين الفن والعلم والروحانية.

«الفيصل» التقتها وأجرت معها هذا الحوار:

  كيف ترين المشهد الفني التشكيلي السعودي من ناحية مواكبته للواقع؟ وما مدى حضور الفنانة التشكيلية السعودية فيه؟

  أرى أن المشهد الفني التشكيلي مقبل على نهضة كبيرة على الرغم من تأخرنا نسبيًّا عن بقية الدول. الدعم الحكومي يبقى المؤثر الأكبر في سرعة عجلة التطور في أي مجال وبالأخص في مجال الثقافة والفنون، والتاريخ شاهد على ذلك. الفنانة التشكيلية السعودية كانت حاضرة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي حيث أقامت صفية بن زقر ومنيرة موصلي أول معرض لهما، وكانت تلك بداية رائعة للمرأة السعودية في مجال الفن، لكن ما يحدث في زمننا لا يقارن سواء بحجم الفرص أو التقدير.

التعبير بالفن

  ما دور الفنان التشكيلي إزاء التحولات التي يعيشها المجتمع والمتغيرات التي تمر به؟ وما الرسالة الاجتماعية والإنسانية التي يمكنه أن يعبر عنها؟

  الفن التشكيلي يصف المرحلة التي يعيشها المجتمع بلا كلمات. والفنان الصادق هو من يسجل الثقافة البصرية الملموسة لمجتمعه لتبقى جزءًا من الإرث الثقافي لأزمنة قادمة. التغيير الحالي إيجابي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلينا أن نكون صادقين فيما نطرحه ليعبر عما نعيشه لنكون مقنعين. قد يكون محور عمل الفنان هو الإنسان بشكل عام، وهو بهذا يتخطى مجتمعه وحدوده الجغرافية.

الفن وتراث المستقبل

  الفنان أحد المساهمين في تكوين وتوثيق وتاريخ (تراث المستقبل) للأجيال الجديدة. فما الذي ينبغي أن يتميز به؟

  بلا شك، الفنان هو أحد المساهمين في تكوين تراث المستقبل، ولهذا فإن أهم صفة هي الصدق، وأخذ الفن على محمل الجد. نحن الفنانين أعمالنا تبقى بعدنا لتخبر الناس عما كان يدور في داخلنا وعن إيماننا وثقافتنا، فالفن في النهاية أحد وسائل المعرفة عن زمن ومكان ما، ولا بد أن ينعكس الفن بجمالياته على شخصياتنا وردود أفعالنا وتعاملنا مع الآخرين. فالفنان، شاء أم أبى، لا يقف اهتمام الناس بعمله فقط، بل أيضًا بسيرته وتاريخه، وعليه أن يكون مثالًا جيدًا لغيره. أليست هذه رسالتنا في الحياة؟

  كيف تنظرين إلى التجريد والغموض البصري؟ وما أهمية توافر العمل الفني على عنصر التأمل في حَفْز المتلقي إلى الاطلاع وتكوين معارف جديدة؟

  التجريد كالاختزال في اللغة، له بعد فلسفي معين، كما أنه يخاطب العقول بوصفها عقولًا مفكرة، وهو أيضًا لا يملي فكرة معينة على المتلقي، بل إن له حرية تفسير ما يراه. الإنسان يحب ما يكتشفه بنفسه، والتأمل أهم وسائل الإبداع سواء للفنان أو المتلقي.

  لماذا يقل التعاون بين الفنانين التشكيليين في الخليج على الرغم من التناغم في الثقافات الخليجية وتداخلها؟

  أعتقد أن ذلك بسبب قلة المؤسسات الفنية كالمتاحف وغيرها، وفي اعتقادي أن وسائل التواصل عرفتنا ببعضنا أكثر سواء كنا خليجيين أو عربًا. مع وجود مؤسسة مسك للفنون مثلًا وبالتحديد في معرض «وسم» العام الماضي، رأينا معرضًا ضم فنانين من معظم دول الخليج وبتقييم من قيمة فنية بحرينية، وكنت من المشاركين في هذا المعرض، وأتمنى رؤية مشروعات أكثر تضم الفنان الخليجي.

أثر الفن الإسلامي

  عيشك في الخارج والحنين إلى بيئتك الإسلامية، ولعل شغفك بالعلوم الإسلامية دفعك إلى اختيار البحث فيها من خلال دراساتك العليا في الخارج، فكيف حققت ذلك الهدف البحثي خارجيًّا؟

  لم يكن البحث سهلًا لشح المراجع، كما أن هناك إشكاليات تتضمن تصنيف الغرب للفن الإسلامي إلا القليل منهم. كان هدفي فهم هذا الفن عن طريق الممارسين للفن والعاملين بهذا المجال سواء أكانوا باحثين أم أكاديميين. الفن الإسلامي يبحر في المعاني السامية، وهو تعبير عن الإيمان بالواحد الأحد. ما زلت أبحث ولن أتوقف عن البحث؛ فهذا المجال بحر يرتبط بكثير من العلوم.

  ذكرتِ في أحد حواراتك أنه كلما ارتقت الفكرة قلَّت العناصر وأصبحت هندسية تميل إلى الفلسفي والعميق؛ هلَّا وضَّحتِ؟

  هناك جوانب غير ملموسة كالجانب الرُّوحي والتعبير عن الإيمان أو التعبير عن حركة الكون، عبَّر عنها الفنانون المسلمون بخطوط وزخارف هندسية. القوانين الخفية في الكون لا يعنى بها إلا المتأمّلون سواء من العلماء أو الباحثين أو الفنانين المهتمين بها. فهم لا يتوقفون عند الشكل الخارجي في الطبيعة بل ما وراء ذلك، وقد مر الفن الغربي الحديث في بدايات القرن العشرين بهذه المرحلة للسبب نفسه.

  الفن الإسلامي من الفنون العالمية وبخاصة في أشكاله الهندسية وفنون الخط العربي الموجودة في البلدان الإسلامية التي لا تنطق بالعربية، وهو دليل على تأثيره وقيمته وثرائه فنيًّا ومعرفيًّا. فما جوانب الثراء الفني والمعرفي التي أثرت في تكوينك وموقفك الفني والفكري؟

  لا شك أن بحثي جعلني أفهم قيمة هذا الفن، فالطريقة التي انتشر بها فن الخط عن طريق الفكر الإسلامي وكيفية تطوره عبر الزمان والمكان جعلني أُسخِّر إبداعي لهذا النوع من الفن، ولكن بشكل خاص بي وبلغة اليوم، فلكل زمان أدوات نُطوِّعها ليستمر التطوير.

  ما الذي تحرصين على التعبير عنه من المعاني من خلال لوحاتك، ولماذا؟

  أستطيع أن أقول: إني لا أعبر عن معاناة ولا عن سعادة ولا عن خبرات مؤقتة؛ لأني أعلم جيدًا أني لست مركز الكون في أثناء حياتي القصيرة مهما طالت. فني ما هو إلا تعبير عن شيء أزليّ، وهو علاقة الرُّوح بخالقها.