بواسطة إميل أمين - كاتب مصري | مايو 1, 2022 | قضايا
لعل المتابع لمجريات الأحداث حول العالم -ولا سيما بعد 24 فبراير المنصرم، اليوم الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا- يتذكر بحكم الضرورة ما أشار إليه المثقف العضوي الإيطالي الشهير، أنطونيو غرامشي (1891- 1937م) في تحليله الخاص بتغير المجتمعات حين قال: «تتجلى الأزمة تحديدًا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد، وفي مدة التريث هذه، يبرز عدد كبير من الأعراض المرضية».
تبدو أزمة أوكرانيا كأنها نقطة فاصلة في تاريخ العالم المعاصر، ولا سيما بعد أن فشل الجميع في تحاشي الغزو الروسي، دبلوماسيًّا أول الأمر، ثم وقف أكثر عجزًا عن الحل، إلا من عصا العقوبات الاقتصادية، وهذه كان من الواضح أن القيصر بوتين قد أعد نفسه لها بشكل أو بآخر. هل نحن قولًا وفعلًا أمام ما بعد النظام العالمي الجديد؟ وإن كان ذلك كذلك فما ملامح أو معالم هذا النظام؟ أم إنه لا يزال يتشكل حتى الساعة؟
عن نهاية زمن الباكسا أميركانا
الشاهد أنه بعد انهيار حائط برلين عام 1989م ثم تفكك الاتحاد السوفييتي، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية عنوانًا عريضًا عن الحالة الكوسمولوجية للكرة الأرضية، وقد أطلقت على المشهد تعبير «النظام العالمي الجديد». وبمعنى أكثر دقة، النظام المهيمن عليه من جانب الولايات المتحدة الأميركية بشكل مطلق، وهو ما عرف كذلك بزمن الـ«باكسا أميركانا»، أو زمن السلام العالمي، الذي فيه تبسط الولايات المتحدة الأميركية أجنحتها على العالم برمته، وتقود كل القوى الدولية مرة وإلى الأبد، بالضبط على غرار ما عرف قبل ألفي عام بزمن «الباكسا رومانا»، في زمن الإمبراطورية الرومانية.
لم يخلُ الأمر من تنظيرات أيديولوجية مغرقة في الأصولية الغربية هذه المرة، من قبيل ما فعله البروفيسور فرانسيس فوكاياما، عبر كتابه الشهير عن «نهاية التاريخ»، عادًّا الرأسمالية هي الحد النهائي للتطور البشري مصادرًا الديالكتيك الطبيعي لطبيعة الأمور وحقائق الأشياء. ومع دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا، وعجز القوة العسكرية الغربية الجبارة عن التصدي والتحدي، بسبب واضح وهو القدرة النووية الروسية، بات من الواضح أن هذا النظام العالمي يحتضر، وأن الأمن الأوربي أضحى في مأزق شديد. هل أفلس النظام العالمي بشكله المعاصر بعد نحو ثمانية عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى عتبات محتملة لنظيرتها الثالثة؟
المعركة الأوكرانية وملامح فشل أميركي
حين انطلقت مدافع الروس تجاه الأوكرانيين، خُيّل لكثيرين أنها بوق القرن لولادة نظام عالمي جديد، ترسم أبعاده، للأسف الشديد، بالحديد والنار، وأن من سينتصر بالإرادة قبل الأسلحة هو من سيكتب له النجاح في تشكيل معالم واضحة لنظام جديد.
كان الفشل العالمي في أوكرانيا صرخة مدوية تنذر وتحذر من أن زمن الدولة الويستفالية المستقلة قد انتهى، وهو الأمر الذي يعني أن سيناريو أوكرانيا قابل لأن يتكرر في بقاع وأصقاع أخرى حول العالم، وأن المنطق السائد يركن إلى معايير القوة، لا إلى شرعية القوانين الدولية.
والثابت أن الفشل الأميركي في إرساء قواعد نظام عالمي جديد، بات مؤكدًا، كما أن وهم القيادة الأميركية الأحادية للعالم قد انقشع، وبطلت رؤى المحافظين الجدد، أولئك الذين طرحوا مشروع القرن الأميركي عام 1997م للسيطرة على مقدرات العالم، بعد أن صدقوا، وبقناعات مطلقة، خلاصات فوكاياما لنهاية التاريخ، وأضحت رؤى هنتنغتون عن الصراع الحضاري حول العالم بمنزلة مقدسات وألواح محفوظة. خالفت الولايات المتحدة قاعدة من قواعد الناموس الطبيعي في الكون، قانون الثنائية الحاكم منذ الأزل، الخير والشر، الليل والنهار، الذي انسحب على توازن الإمبراطوريات، منذ الفرس والروم، الإنجليز والفرنسيين، السوفييت والأميركيين.
طوال عقدين، وبالتحديد من 1990م إلى 2010م، نجحت واشنطن ولو ظاهريًّا في ترسيخ مشروعها للهمينة العالمية، مستعينة في ذلك بخليط من الأدوات الأيديولوجية الجذابة من جهة، كالتلاعب بأفكار الحرية والديمقراطية، والغزل على أوتار حقوق الإنسان وما إلى ذلك. ومن جانب آخر ركنت إلى أدوات القوة الخشنة المتمثلة في قواعد عسكرية بالمئات حول العالم، وتسخير حلف الناتو للمساعدة في تحقيق أغراضها، عطفًا على التلاعب بالصديق الأوربي إلى درجة كادت تنفر الأوربيين من حلفائهم الأميركيين.
هل فات واشنطن أمر ما في تلك الأثناء، ولا سيما خلال انشغالها بحربها المزعومة على الإرهاب من جهة، ومحاولة تغيير جيوبولتيكا الشرق الأوسط والعالم العربي خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بنوع خاص؟
أوكرانيا ونصائح الحكيم زبيغينو بريجنسكي
يمكننا القطع بأن روسيا والصين مدينتان للحقبة التي انشغلت فيها الولايات المتحدة الأميركية بحربها ضد الإرهاب، هناك حيث كان الدب الروسي يعاود وبقوة صحوته كما طائر الفينيق، فيما التنين الصيني يبني إمبراطوريته بهدوء وتؤدة تليقان بأحفاد المُعلم كونفوشيوس. ولعل الخطة الأميركية للنظام العالمي الجديد الذي ارتأته، كانت تتعارض مع عودة روسيا لسماوات العالمية، وكذا لنمو الصين عل نحو يجعل منها شريكًا في قسمة الغرماء. ولهذا بدا وكأن مشروع إشعال الشرق الأوسط بالثورات بدءًا من يناير 2011م، جزء من المخطط الأميركي للتفرغ لمقارعة روسيا ومشاغبة الصين عبر الأصوليات الشرق أوسطية، وهو الأمر الذي تفهمته روسيا بشكل كبير، ولهذا بادرت إلى سوريا لملاقاة الإرهاب على أرضه، قبل أن يزعجها على أرضها.
زبيغينو بريجنسكي
أخطأت الولايات المتحدة الأميركية في التعاطي مع روسيا، وفاتها أن هناك ثأرًا قديمًا في ذهن القيصر، سوف يحين ولو بعد زمن موعد القصاص له، وتناسى الرؤساء الأميركيون المحدثون نصيحة حكيم أميركا ومستشارها للأمن القومي، البولندي الأصل، زبيغينو بريجنسكي، الذي حذر من إذلال روسيا التي ترفض أن تلعب دور المهزوم بعد نهاية الحرب الباردة. قبل نحو ثلاثة عقود استشرف بريجنسكي مآلات الوضع في أوكرانيا، التي وصفها بأنها ثقل مواز حاسم لروسيا، وأنه «إذا استطاعت روسيا السيطرة على أوكرانيا، فإنه من الوارد جدًّا أن تمضي في طريق إحياء إمبراطوريتها من جديد».
تبدو واشنطن بالفعل في مأزق كبير، فلم تعد صاحبة سيف المعز أو ذهبه بصورة مطلقة، فعن السيف باتت روسيا مهددًا خطيرًا برًّا وبحرًا وجوًّا، ويكفي المرء أن يعاود قراءة ما هو متوافر عن برامج الصواريخ الروسية الفرط صوتية، عطفًا على الطرز الباليستية الجهنمية من أمثال الصاروخ سارامات ذي العشرة رؤوس نووية، ناهيك عن الغواصات النووية المسيرة من غير العناصر البشرية الكفيلة بإحداث تسونامي يدمر الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الأميركية. في هذا الإطار يكون من الطبيعي جدًّا ألا تخفي روسيا طموحها في استعادة التأثير الكبير الذي كان لإمبراطوريتها القيصرية، والسوفييتية، وصولًا إلى الاتحادية بشكلها الحالي.
الصين سيرة ومسيرة ترسم عالمًا مغايرًا
فيما الولايات المتحدة الأميركية تقصر عن أن تقوم بما كانت قادرة على القيام به بعد انتصارها الساحق في الحرب العالمية الثانية، تبدو كأنها قوة عظمى كانت مسيطرة، لكنها بدأت تغرب عن أراضي النفوذ التقليدي، إذا بالصين تظهر على شاشات الرادارات العالمية، إن جاز التعبير، لتعيد سيرة ومسيرة نشوء وارتقاء الإمبراطوريات تاريخيًّا.
تبدأ الإمبراطوريات من عند توافر الثروة، التي تفيض عن الداخل، وهو ما يعني حتمية إيجاد حقول استثمار لها خارج التراب الإقليمي، وعليه تمتد المصالح الاقتصادية والاستثمارات إلى الخارج. تحولت الصين بالفعل إلى عملاق اقتصادي يغزو القارات الخمس بالاستثمارات والنفوذ والتحالفات الهادئة. غير أن العملاق يحتاج إلى قوة عسكرية تدافع وتنافح عن مصالحه حول العالم، ومن هنا ندرك الأهمية التي توليها الصين لبناء ترسانة عسكرية ذات روحين: الجانب العسكري التقليدي، وفيه نرى الصين تبني حاملات طائرات، وقطعًا عسكرية بحرية بأعداد تفوق فيها الولايات المتحدة، وهي تعلم تمام العلم أن من يسيطر على البحر، يضمن مفاتيح العالم بشكل أو بآخر. والجانب النووي، وهنا فالإثارة تبدو أكثر وقعًا، فالصين وبحسب التقارير الاستخبارية الأميركية الأخيرة، ومن خلال الاطلاع على صور الأقمار الاصطناعية، تقوم ببناء صوامع للصواريخ النووية تحت الأرض، تبلغ نحو عشرة آلاف رأس نووي.
هل جاءت الأزمة الأوكرانية لتزيد قناعة الصينيين بحتمية امتلاك حزمة من الرؤوس النووية تكفي لردع أميركا وربما روسيا معًا؟
ريتشارد هاس
الشاهد أن قصة تفكيك أوكرانيا لأسلحتها النووية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، مقابل قرض أميركي زهيد، لا يتجاوز 400 مليون دولار، ترك بصمة واضحة عند الصينيين بنوع خاص؛ ذلك أنه لو كانت أوكرانيا قوة نووية، ربما ما كانت روسيا تستهين بها على النحو الذي نراه. على أن علامة أخرى في مسارات العالم الجديد بعد أوكرانيا، تلك التي تتمثل في العلاقة الروسية الصينية، والتحالف القائم بين موسكو وبكين. في هذا الإطار يمكن القول: إنه قد لا يكون تحالفًا عضويًّا، بل براغماتيًّا، فالصين تدرك تمام الإدراك أن واشنطن وبحال من الأحوال لن تكون سعيدة حال توثقت علاقاتها مع روسيا، والروس بدورهم يفضلون أن تحاذيهم الصين إن لم تدعمهم بالمطلق.
من جانب مغاير، تدرك واشنطن أن ساعة المواجهة مع الصين آتية لا ريب فيها، فالصين لن تصبر طويلًا على جزيرة تايوان وانسلاخها عن الوطن الأم، بحسب مفهوم قادة بكين، وقد تابع العالم السجال الذي جرى العام الماضي بين الرئيس بايدن ونظيره الصيني، ولا سيما بعد أن أعرب بايدن عن استعداد الولايات المتحدة الأميركية للدفاع عسكريًّا عن تايوان، قبل أن يتراجع من جراء ردود الأفعال الصينية. علامة الاستفهام هنا: ماذا لو حركت الصين أسطولها البحري وأعادت بسط سيطرتها على تايوان بالقوة؟
غالب الظن أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس آب الماضي، على هذا النهج الفوضوي، وغير المبرر، وبخاصة في ظل اعتراف كبار جنرالات البنتاغون بانفراد بايدن بالأمر، عطفًا على القصور الأميركي في دعم أوكرانيا بشكل فاعل وناجز عسكريًّا، جميعها ربما تدفع الصين وفي هذا التوقيت الحرج والحساس للولايات المتحدة، بل يمكن القول المأزوم، إلى تغيير المشهد التايواني، وساعتها قطعًا لن تود واشنطن الدخول في مواجهة مسلحة مع الصين يمكن أن تقود إلى مواجهة عسكرية غير تقليدية. هل تغير العالم على صعيد آسيا فقط أم إن أوربا تبدو اليوم بدورها ضحية من ضحايا المشهد الدولي الضبابي بحسب وصف غرامشي؟
القارة الأوربية ونقاط الضعف
ضمن المَشاهد التي تشي بأن العالم القديم إلى زوال، والجديد منه غير قادر على التشكل بعد، يأتي مشهد القارة الأوربية، التي أماطت الأزمة الأوكرانية اللثام عن نقاط ضعفها. تبدو أوربا على خريطة العالم الجديد ككرة تتقاذفها الأهواء والأنواء، فمن جهة لا تزال جزءًا من حلف الناتو، الذي عدّه كثير من الأوربيين، قد مات موتًا سريريًّا، وذلك قبل أن تضخ الأزمة الأوكرانية في شرايينه بعض الدماء.
ومن جهة أخرى أظهر العقد الثاني من القرن الحالي أن هناك ميولًا أوربية لدعم وزخم فكرة القارة الأوراسية، أي تخليق نوع من أنواع التعاون الجغرافي والديموغرافي، يبدأ من عند حدود المحيط الأطلسي غربًا، ويمتد حتى جبال الأورال شرقًا في آسيا، وهي فكرة الرئيس الفرنسي الأشهر شارل ديغول في ستينيات القرن الماضي. على أن الأزمة الأوكرانية أظهرت قصورًا واضحًا في الرؤية الأوربية للتعامل مع الأزمات، وبخاصة في ظل اعتماد أغلبية دول القارة على الغاز والنفط الروسيين، إضافة إلى عدم وحدة التوجه العسكري للدفاع عن القارة، بعيدًا من الركون إلى حلف الناتو.
فرانسيس فوكاياما
هنا تعلو أصوات عديدة في الداخل الأوربي بالتساؤل عن المدى الذي يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تساند به القارة العجوز، حال تعرضها لأزمة مصيرية حقيقية، أو مواجهة عسكرية شرسة مع الروس، وهل يمكن لواشنطن أن تعيد سيرة مشروع «مارشال»، الذي استنقذ القارة الأوربية من وهدتها بعد الحرب العالمية الثانية؟
الجواب عند العارفين بالمشهد الأميركي، هو أن ذلك لن يحدث، ولا سيما في ظل التغيرات المثيرة جدًّا في الداخل الأميركي، تلك التي تبدأ من عند الارتدادات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية الأميركية على نظام بوتين، وصولًا إلى ما هو أشد هولًا والمعقود بناصية الحالة المجتمعية الداخلية، والصراعات القائمة والقادمة في النسيج الوطني، ومخاوف الرجل الأبيض من أن يضحي أقلية ذات نهار، وهو الأمر الذي بات يفرز صراعًا أوضحه فوكاياما في كتابه الأخير «الهوية مطلب الكرامة وسياسة الامتعاض».
أما المُنظّر الأميركي للسياسات الخارجية، ريتشارد هاس، فيري أن أوربا تحولت إلى شيء مختلف تمامًا، ولم تعد مبادئ الديمقراطية والازدهار والسلام راسخة بقوة فيها، كما بدا قبل ذلك، وبخاصة في ظل تصاعد المد اليميني والقومي والشوفيني، وهو ما أفرز ويفرز شعبويات قاتلة واختلالات مخيفة في الهوية الأوربية.
هل من خلاصة؟
حكمًا لا يمكن القطع بمآلات النظام الدولي في ظل الأزمة الأوكرانية التي لا يدري أحد إلى أين يمكن أن تمضي سيناريوهاتها، وما إذا كانت ستتوقف عند الحدود الأوكرانية، أم عند ساعة بعينها من سخونة الرؤوس يمكن أن تشعل صراعًا كوكبيًّا.
لكن وفي كل الأحول تبدو النتائج الأولية واضحة، تراجع في النفوذ الأميركي، عبر لحظة تتساوى مع نهاية الاتحاد السوفييتي حين سقط جدار برلين، ونهاية استسلام واشنطن لزمن الغطرسة الليبرالية. في الوقت عينه تجري محاولات من جانب القيصر بوتين لإحياء القومية السلافية. أما الصين فقد يكون التوقيت الذي تحدث عنه رئيس وزرائها الأسبق دينغ شياو بينغ قد حان، والمقولة المنسوبة إليه هي «أَخْفِ قوتَك وانتظر الوقت المناسب».
هنا، للأسف، قد تكون الفوضى والانفجار هما المآل الحتمي، وهو ما يعود بنا إلى رؤية كارل ماركس عن الحروب وكيف أنها قابلة التاريخ، أي مولدة نظام عالمي آخر لا ملامح أو معالم له حتى الساعة.
بواسطة إميل أمين - كاتب مصري | يوليو 1, 2021 | مقالات
في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يتساءل بعضٌ: إلى أين تمضي الإنسانية خلال العقود المقبلة، وصولًا إلى عام 2100م؟ كيف سيكون شكل الحياة؟ وما أهم المتغيرات التي ستطرأ على التفكير البشري من جهة، وعلى آليات الحياة من أخرى؟ وأحد الأسئلة شديدة الأهمية موصول بحال كوكب الأرض؛ ما يعتريه من تغيرات مناخية، وتوقعات مثيرة للقلق، عطفًا على ذلك تبقى في الأفق علامات استفهام تتجاوز حدود الأرض إلى الفضاء؛ هل سيظل كما عهدناه أفقًا للحالمين من الشعراء والأدباء، أم إن ثمة من يخطط لعسكرته أول الأمر، وجعله سكنى للإنسانية في مقبل السنوات؟
في هذه القراءة، وهي بالقطع ليست جامعة مانعة، نحاول استشراف بعض من خطوط المستقبل، انطلاقًا من القاعدة الذهبية: أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل هو صناعته.
التغيرات المناخية الخطر الداهم
يبقى أول تحدٍّ للإنسانية في عقودها المقبلة هو التغيرات المناخية، المتمثلة في زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو العليا، وهو ما يتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، ثم ارتفاع درجة حرارة الأرض، لاحقًا سيضحي من الطبيعي أن تتعرض الأقطاب الجليدية إلى الذوبان، وقد بدأت بعضها بالفعل في هذا المسار، ومؤخرًا سمعنا عن كتلة جليدية بحجم قارة أوربا انفصلت عن القطب الجنوبي، وفي تقرير لمجلة «أتلانتيك» الأميركية، أغسطس 2018م، نجد حديثًا مخيفًا عن ارتفاع مستويات البحار بمقدار سنتيمتر واحد. وفي دراسة صادرة من «مركز التغيرات المناخية الطبيعية»، التابع للاتحاد الأوربي، يشير عالم البحار والمحيطات ميكاليس فودوكاس، إلى أنه بحلول عام 2100م سوف تختفي نصف شواطئ العالم ويتراجع غيرها بنحو 100 متر، أما التصحر والجفاف وندرة الأمطار، والهجرات القسرية، والحروب الأهلية، فحدّثْ ولا حرج، وهو ما يعني أن البشرية ما لم تسارع إلى استنقاذ الكوكب الأزرق، فإنها ستضحي أمام خطر داهم حقيقي موصول بحياة البشر.
منذ بضعة أعوام، تحديدًا في 2015م، توقعت الأمم المتحدة أن يتجاوز عدد سكان العالم 11 مليار نسمة بحلول نهاية القرن، لكنها لم تلبث أن راجعت التقديرات لتعطي أخرى جديدة في عام 2019م، في حدود 10 مليارات، ومهما يكن من أمر الرقم، فإن التحدي الرئيس سيتمثل في العلاقة مع موارد الأرض، حيث لا تزال المعادلة المالتوسية هي الحاكمة في المشهد.
في منتصف القرن التاسع عشر تحدث المفكر الاقتصادي الإنجليزي الشهير توماس مالتوس عن المعضلة التي تواجه البشرية، وهي زيادة عدد سكان العالم بمتوالية هندسية، بينما موارد الكرة الأرضية تتصاعد بمتوالية عددية، وهو ما يخلق حالة من انعدام التوازن بين الطرفين، هنا يتساءل علماء المستقبليات، كيف ستواجه البشرية النقص الحاد في الغذاء؟ وهو ما يستدعي تفكيرًا من خارج الصندوق كما يقال، لهذا فكر بعضٌ في استزراع البحر، ليعوض النقص في ناتج الأرض، وبعض آخر ذهب إلى أفكار المعالجات الجينية للمحصولات الزراعية، مع الأخذ في الحسبان الإشكاليات الصحية المواكبة.
ولعل المثير الذي كشف عنه مركز «بيو» للأبحاث في واشنطن، هو أن زيادة السكان ارتبطت في القرن الماضي بقارة آسيا، لكن خلال المئة عام المقبلة سيتغير الوضع، فالصين على سبيل المثال سوف يتناقص سكانها إلى النصف تقريبًا لتصل إلى 732 مليون نسمة عام 2100م، فيما دول إفريقية مثل: نيجيريا، وإثيوبيا، ومصر، وتنزانيا، وجمهورية الكونغو، سوف تكتظ بالسكان، وفي كل الأحوال فإن باحثي الأمم المتحدة المتخصصين في النمو السكاني، يشيرون إلى أن انخفاض نسبة الخصوبة بالوتيرة التي يشهدها العالم حاليًّا، سيؤدي إلى تراجع سكان العالم.
حُكم العالم والمئة سنة المقبلة
من سيحكم العالم في المئة عام المقبلة؟ حتمًا سوف يذهب الذهن إلى حالة التصارع والتنازع القطبية، بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة، والصين من جهة ثانية، وهو تفكير طبيعي، ولا سيما إذا أخذنا في الحسبان أن الأميركيين رسموا خرائطهم العقلية، ليكون القرن الحادي والعشرين أميركيًّا بامتياز، غير أن المفكر الفرنسي الاستشرافي، جاك أتالي، الذي عدَّته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية واحدًا من أهم المفكرين المئة حول العالم طوال العقدين الأخيرين، يؤكد أن العالم لن يحكمه لا هولاء ولا أولئك، حتى وإن بقيت أميركا على ما بها من السطوة والقوة، وأصبحت الصين في عداد الأقوياء؛ ذلك أنه على النقيض مما تذهب إليه في الغالب الأذهان، يضعف شيئًا فشيئًا احتمال وقوع العالم تحت هيمنة إمبراطورية، في حين تقوى يومًا بعد يوم سطوة السوق عليه.
حديث المفكر الفرنسي يقودنا حتمًا إلى فكرة الحكومة العالمية المرتبطة بآليات السوق، وهل هي من سيوجه دفة العالم؟ وما إذا كان ظهورها يحتم حدوث فوضى اقتصادية ونقدية، عسكرية وبيئية، ديموغرافية وأخلاقية، سياسية واجتماعية عارمة في العقود المقبلة؟ يتوقع بعض مفكري المستقبل، أن يكون ظهور هذه الحكومة متدرجًا في خضم الفوضى وعن طريق تراكم وتداخل شبكات عدة تنسجها دول ومؤسسات، نقابات وأحزاب سياسية، منظمات غير حكومية وأفراد، وقد تتسم بالشمولية أو الديمقراطية، وفقًا للطريقة التي سترسي بها ركائزها، ومن هنا تظهر أهمية سرعة التفكير في أمرها قبل أن يدركنا الوقت ونصبح أحد تروسها.
جاك أتالي
الثابت أنه لا يمكن الحديث عن المئة عام المقبلة من غير التوقف مليًّا أمام أوضاع الولايات المتحدة الأميركية، ومآلاتها خلال العقود السبعة المقبلة، هنا يتوجب علينا مراجعة أحد أهم العقول الأميركية، التي توقفت كثيرًا عند تلك الإشكالية؛ البروفيسور جورج فريدمان، صاحب المؤلف الشهير: «الأعوام المئة المقبلة.. استشراف القرن الحادي والعشرين»، الرجل مؤسس مؤسسة «ستراتفور»، التي تعرف في الداخل الأميركي بأنها استخبارات الظل لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، يرى فريدمان أن النظام الدولي الراهن يعاني اختلالًا شديدًا في التوازن، فالولايات المتحدة من القوة بحيث إنه من شبه المستحيل لبقية بلدان العالم السيطرة على السلوك الأميركي أو احتواؤه.
وعنده كذلك أن التوجه الطبيعي للنظام العالمي في التحرك نحو المساواة، ولكنه عالم اختل فيه التوازن، تواجه القوى الأقل شأنًا فيه خطرًا محدقًا من القوى الكبرى التي لا يمكن احتواؤها؛ لذا تتوجه هذه القوى نحو تشكيل ائتلاف مع بلدان أخرى، بغية تحقيق توازن من حيث القوة مع القوى الأكبر حجمًا وقوة. هل يقصد فريدمان فكرة عالم متعدد الأقطاب، وليس ثنائي القطبية فقط كما جرى الأمر منذ مئات السنين؟
الجواب يقودنا إلى مفاجأة تحمل تناقضًا، لأنه سوف يكون من الصعوبة بمكان القيام بتشكيل تحالف من أجل احتواء الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وقد تجد الدول الأضعف أنه من السهل لها التوصل إلى شكل من أشكال التعايش مع أميركا، بدلًا من الانضواء تحت مظلة حلف مناهض للولايات المتحدة؛ لأن بناء مثل هذا التحالف والإبقاء على زخمه في غاية الصعوبة، وفي حال انهيار هذا التحالف، كما يحدث عادة في مثل هذه التحالفات، فستجد تلك الدول أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون عملاقًا غير متسامح البتة.
أما التناقض العالمي فيما يخص الشأن الأميركي، فيظهر في أنه من ناحية يطغى شعور بالعداء تجاه الولايات المتحدة والخوف منها في آن، من قبل العديد من الدول، ومن ناحية أخرى تحاول العديد من تلك الدول بصورة فردية، كسب ود الولايات المتحدة ونيل رضاها. هذا الخلل سيبقى سائدًا طيلة القرن الحادي والعشرين، تمامًا كالجهود التي سوف تبذل من أجل احتواء الولايات المتحدة، والخلاصة هنا أن هذا القرن سيكون قرنًا خطرًا خصوصًا لبقية دول العالم.
عن صعود العالم الشبكي
هل يضحي القرن الحادي والعشرون، قرن الشبكات التي تدير دفة العالم؟ يجيب عن التساؤل البروفيسور البريطاني الأصل نيل فيرغسون، المؤرخ الشهير، الأستاذ في الجامعات الأميركية الكبرى مثل هارفارد وييل. في مؤلفه الأخير «الساحة والبرج»، ويلفت الأنظار إلى فكرة الشبكات التي تكاد تهيمن على العالم، وربما تصبح في مقبل الأيام، حكومة العالم الموحدة. ينشغل فيرغسون بوضع قراءة أمام أسئلة عدة مثيرة حول مستقبل المئة عام المقبلة من عينة: ما حجم التهديد الذي تلحقه شبكات الاقتصاد والمال والتقنية المعقدة الراهنة، بأنظمة الحكم القومية الهرمية؟ ويدعونا إلى العودة إلى أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، حين ألحقت شبكات الاحتجاج السياسي المعقدة تهديدًا لأنظمة سياسية قومية هرمية في الشرق الأوسط، بدءًا من 2011م، وفي أوكرانيا 2014م، وعام 2015م في البرازيل، وعام 2016م في بريطانيا.
ولعل التساؤل المستقبلي هنا: هل يمكن للعالم الشبكي أن يقدم بديلًا للنظام الهرمي للدول بشكلها الويستفالي المعاصر؟
لا يحتاج الأمر لكثير من الحصافة السياسية ليدرك القارئ أنه خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، عادت إشكاليات عاناها العالم في النصف الأول من القرن العشرين، وتسببت في حربين عالميتين. كانت الهويات دائمًا في سويداء قلب التطرف القومي، وها نحن نرى من جديد شعبويات يمينية، بمسحة قومية تارة، وعقدية تارة أخرى، تكاد تشعل ثورات عقلية في أوربا وأميركا، وعلى الجانب الآخر في الشرق، تبدو أصوليات ضارة قائمة بدورها، تسعى للاشتباك مع نظرائها المغرقين في ادعاء امتلاكهم الحق المطلق. هنا التساؤل: ما مستقبل تلك الثنائية غير الخلاقة؛ هل تقود العالم إلى الإغراق في أزمة الهويات؟ وأفضل من قدم طرحًا عقلانيًّا في هذا الإطار، هو فرانسيس فوكاياما، عالم الاجتماع السياسي الأميركي الشهير، صاحب رؤية نهاية التاريخ، التي ضمنها مؤلفه الأحدث: «الهوية: مطلب الكرامة وسياسات الاستياء».
يرى فوكاياما أن السياسة العالمية اليوم لم تعد ترتكز حول الصراع التقليدي بين اليسار واليمين، من حركة الحقوق المدنية والحركة النسوية وأحزاب البيئة، إلى الحركات القومية الأوربية المناهضة للهجرة واللاجئين والأقليات والتعدديات الثقافية، إلى العنصرية الترَمْبوية البيضاء (نسبة إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب)، إلى ثورات الكرامة والربيع العربي. فيما يذهب إلى أن السياسة العالمية في بدايات القرن الحادي والعشرين تتمحور حول سياسات الهوية، ومطلب الاعتراف بكرامة مجاميع تشعر بالاستياء نتيجة تهميشها أو تغييبها أو تهديد وجودها. يحاجج فوكاياما بأن المجتمعات الحديثة بطبيعتها تعددية، وأن الهوية المجتمعية الوحيدة الممكنة اليوم هي «الهوية العقدية»، المؤمنة بالمثل الديمقراطية، وقيم الانفتاح الليبرالي، ضمن أوعية وحواضن ثقافية تشكلها جوهريًّا اللغة.. هل يعني ذلك أننا أمام عالم أكثر تشظّيًا مقبل لا محالة؟
عسكرة الفضاء الخارجي
في إطار البحث عن شكل العالم في العقود المقبلة، وصولًا إلى عام 2100م يتساءل بعضٌ: ماذا سيكون شأن العالم القديم وفي المقدمة منه قارة أوربا؟ يحاجج البرفيسور مارك ليونارد، أستاذ العلوم السياسية، مدير المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية، بأن القرن الحادي والعشرين سيكون أوربيًّا، وهو الأمر الذي يصيب أغلبية إن لم يكن كل المراقبين السياسيين حول العالم بحالة من الاندهاش؛ إذ كيف للقارة العجوز الضعيفة أن تسود في العقود المقبلة؟ يقول ليونارد: إنه عندما ينظر المؤرخون إلى خريطة العالم، سوف يشيرون إلى منطقة يعمّها السلام تنتشر مثل بقعة الزيت من غرب شاطئ إيرلندا إلى شرق المتوسط. ولأن الأخبار ينقلها صحافيون ولا يقصها مؤرخون، يؤدي إلى خلط مفهوم القوة الأوربية بالضعف، ولكن عندما توقع دولة مثل روسيا بروتوكول «كيوتو» لحماية البيئة من ثاني أكسيد الكربون بهدف تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوربي، وعندما تغير بولندا عقودًا من الممارسة غير المقبولة وتشرع نصوصًا دستورية لحماية الأقليات العرقية لكي تتمكن من دخول الاتحاد الأوربي، وعندما تضطر إدارة أميركية يمينية أن تبلع كبرياءها وتطلب من الأمم المتحدة المساعدة في العراق، ساعتها ينبغي فحص تعريف القوة من جديد.
جورج فريدمان
قوة أوربا قوة تحويلية، هكذا يراها بعض مستشرفي الغد، لا تتباهى بقوتها العسكرية أو الاقتصادية، وعندما نتوقف عن النظر إلى العالم بعيون أميركية، بوسعنا عندها أن نرى كل عنصر من عناصر الضعف الأوربي كوجه آخر من وجوه قوة التحويل الأوربية الخارقة. هل ستترك البشرية الفضاء في حال سبيله في العقود المقبلة؟ يخبرنا جورج فريدمان، أنه خلال ثلاثينيات القرن الجاري ستكون هناك دول عدة مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وفرنسا، قد بدأت برامج غير معلنة لاستثمار الفضاء تجاريًّا، مركزة بصورة خاصة على إنتاج الطاقة. لكن هذا هو ظاهر الأمر، أما باطنه فالعمل جارٍ عليه على قدم وساق، من منظور مخالف، يتصل بالعسكرة ونقل الصراع المسلح من الأرض إلى الفضاء.
خذ الولايات المتحدة الأميركية كمثال، مع الأخذ في الحسبان أن الصين وروسيا وفرنسا وغيرها تسعى ذات المسعى. الولايات المتحدة ومن أجل تعزيز سيطرتها على سطح الأرض، سوف تمضي في عمل بنية تحتية في الفضاء تساعد في وضع البلاد في وضع متقدم. في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين، شاغبت عقل الرئيس الأميركي الجمهوري رونالد ريغان، فكرة حرب الكواكب أو النجوم، ومختصرها المفيد، بسط شبكة من أسلحة الليزر فوق سماوات البلاد، لقطع الطريق على صواريخ الدب الروسي المنطلقة عبر القارات. هذا المشروع بُثّتْ روح الحياة فيه من جديد في الأعوام الماضية، وزادت عليه واشنطن من الأفكار المعاصرة ما يرفع عنها عناء إرسال قوات مسلحة لآلاف الأميال خارج حدودها الإقليمية.
تسعى واشنطن اليوم في بناء نظام على شكل طائرات فرط صوتية غير مأهولة تنطلق من الولايات المتحدة نفسها، لكن التحكم بها يتم من مراكز قيادة في الفضاء، بالتزامن مع المدار الأرضي فوق مناطق أرضية، تمثل أهدافًا محتملة، وهي عبارة عن منصات يمكن أن نطلق عليها «المركبات الحربية الفضائية». عطفًا على ما تقدم يمكن لواشنطن ونظيراتها بناء صواريخ فائقة السرعة وذات قوة تدميرية هائلة يمكن إطلاقها من الفضاء على أهداف أرضية، بصورة سرية تمامًا. ولعل المثير في تلك الجزئية هو نقد الأميركيين أنفسهم لطبيعة العقل العسكري الأميركي، ورؤيته المتعجرفة تجاه دول العالم، وتقديره أنها غير قادرة على محاكاة التقنية الأميركية، مع أن الأمر واضح جدًّا للعيان، ولا سيما صواريخ القيصر بوتين فرط الصوتية التي رأى العالم وبعضهم سمع عنها في العامين الماضيين.
البشر واستيطان كوكب المريخ
يتساءل بعضٌ عن الحياة البشرية خارج نطاق الكرة الأرضية في العقود المقبلة، وهل تتحول فكرة سكنى الإنسان لكواكب أخرى خارج الكرة الأرضية، ولا سيما المريخ، من دائرة الخيال العلمي إلى واقع التحقق الفعلي أم لا؟ يبدو أن الكوكب الأحمر، لا يزال مغريًا لجميع سكان البسيطة، من أميركيين وروس، وصينيين وأوربيين، ويومًا تلو الآخر تبدو فكرة استيطانه مهمة وحيوية لمستقبل البشرية، أو هكذا يقول كثير من العلماء والمفكرين. خذ أحلام الفتى المثير للجدل، إيلون ماسك، الذي أعلن في عام 2018م عن خطته لاستيطان الفضاء، وتبدأ من عند ما أطلق عليه «مبادرة قاعدة ألفا المريخية»، وقد بينت صورًا نشرها بالفعل، مواقع هبوط على المريخ، وإنشاءات في شكل قباب، بدا أنها ستزود بالطاقة عبر مزارع شاسعة للطاقة الشمسية. وحسب الخطة نفسها سيعيش الناس في مستعمرة ماسك داخل قباب مغلقة، صُمّمت لتعكس الأشعة الضارة لتحفظ سكانها عند درجات حرارة معينة. لكن التساؤل: كيف يمكن للبشر العيش فوق سطح المريخ البارد؟ يبدو أن ماسك لديه رؤية خارج نطاق المألوف والمعروف، تتمثل في إسقاط عشرة آلاف قنبلة نووية على سطح المريخ، أي ما يكفي لإطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون لتدفئة الغلاف الجوي. وعلى الرغم من أن الفكرة خيالية أو بالأحرى جنونية، فإن ثمة من لا يزال يرى إمكانية تحققها.
هل تكفي السطور السابقة لاستشراف حال العالم خلال المئة عام المقبلة؟ حتمًا لا، فهناك مناطق سياسية مثل آسيا والصين في قلبها وروسيا في مقدمها، تحتاج إلى قراءة معمقة، عطفًا على أحوال العالم العلمية والطبية، مدن المستقبل ووسائل الانتقال، مصادر الطاقة المتجددة وأحلام الغد، والعديد من القضايا المثيرة للتفكر والتدبر، التي قد نعود إليها يومًا في قراءة مكملة بإذن الله.