«نساء مقاتلات» الإخفاء المتعمد لتاريخ المرأة في الحروب

«نساء مقاتلات» الإخفاء المتعمد لتاريخ المرأة في الحروب

باميلا د. تولير

تبدو حالة النساء المقاتلات مثالًا للتناقض عند كثير من الأشخاص، فدائمًا ما يشار إلى المرأة المحاربة كحالة شاذة، مثل المقاتلة الشهيرة جان دارك، لكن الحقيقة تثبت أن النساء يمتلكن سجلًّا قتاليًّا حافلًا عبر التاريخ، ويذكر بعضهن في بلادهن كأيقونات وطنية عظيمة تستحق الاحتفاء، غير أن معظمهن إما منسيات أو سقطن عن عمد من صفحات التاريخ، فقد عدّت معظم الثقافات أن الحرب شأن من اختصاص الرجال.

من عصر مقاتلات الفايكنغ، والمَلِكات الإفريقيّات المُقاتلات مثل الملكة كانديس التي انتصرت على الإسكندر الأكبر، إلى عصر الطبيبات والممرضات الملتحقات بالجيوش الحديثة، مرورًا بمئات الآلاف من النساء في الوحدات المضادة للطائرات ضمن المقاتلين الروس في أثناء الحرب العالمية الثانية، كان للنساء تاريخ ممتد في القتال وحمل السلاح. يعتقد المؤرخون أن مئات من النساء (يُراوِح عددهن ما بين 400 إلى 750 امرأة) تنكرن كرجال على جبهتي الحرب الأهلية الأميركية في المدة من عام 1861م إلى 1865م، من بينهن، كانت لوريتا جانيتا فيلازقوز، وهي جندية قيل إنها تنكرت بوضع شارب ولحية مستعارين، وحملت رتبة ملازم في الجيش الأميركي باسم هاري تي بافورد، وكوَّنت فرقة من المشاة المتطوعين، طبقًا لمذكراتها المعنونة بـ«نساء في المعركة»، واكتُشِف تنكرها وقت تلقيها العلاج إثر إصابتها بشظايا.

وفي العصر الحديث، كانت النساء الفيتناميات مقاتلات شرسات في القوات الخاصة، وفقًا لعالم الأنثروبولوجيا الثقافية ديفيد إي جونز في كتابه «نسوة مقاتلات»، الذي يروي تاريخ النساء في الحروب، فقد كتبت مينغ كهاي، المقاتلة الفيتنامية المناوئة للفرنسيين في أربعينيات القرن المنصرم، قصيدة شعرية بالدم على جدران محبسها، تقول الأبيات الأخيرة فيها: «السيف ابني، والمسدس زوجي». وفي الحرب العالمية الثانية، كان الاتحاد السوفييتي أول من سمح للنساء بالعمل في سلاح الطيران كمقاتلات، فعندما هاجمت ألمانيا الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو 1941م، كان يحارب في الجيش السوفييتي نحو 800.000 امرأة، وأُسّست فرقة طيران نسائية عُرفت باسم «ساحرات الليل المشعوذات» للقيام بمهام قتالية، وشن الغارات على المواقع الألمانية، تحت قيادة المقاتلة مارينا راسكوفا، التي تعرف كأول امرأة تعمل في الطيران في روسيا القديمة عام 1933م.

مقاتلات رغم أنف الجميع

لطالما كانت النساء مقاتلات للدفاع عن الوطن، وقد فعلن ذلك بشجاعة ومهارة عسكرية تنافس أي رجل. ومن ثم، الحروب ليست شأنًا من اختصاص الرجال فقط، وهنا عليك أن تتساءل: ما الذي أعطى المشرعين انطباعًا بأن الرجال فقط هم الذين يمكنهم الدفاع عن بلادهم؟ ومن قال: إن النساء لا يخضن الحروب؟

في كتاب «نساء مقاتلات: تاريخ غير متوقع» (Beacon Press) للكاتبة والمؤرخة باميلا د. تولير يمكنك التعرف إلى قصص بعض النساء المقاتلات الجريئات المذهلات اللواتي خدمن بلادهن بشجاعة وقوة جسدية مثيرة للدهشة والإعجاب، حتى في وقت مبكر من التاريخ، لكن طُمِست سيرتهن من صفحات التاريخ. تقول المؤلفة: «لقد حاربت النساء دائمًا.. لكننا مِلنا إلى تجاهل ذلك»، فنجد أن السجلات التاريخية في هذا الشأن هزيلة ومهلهلة؛ فلا يحب الرجال الاعتراف بأن المرأة يمكنها أن تقود في الحروب، ناهيك عن الانتصار في المعركة. على هذا النحو، غالبًا ما يتجاهل التاريخ ذكر النساء المقاتلات المنتصرات، فضلًا عن وجود معايير مزدوجة فيما يخص التأريخ عن النساء المحاربات، وفي الطريقة التي قام بها المؤرخون وعلماء الآثار بفحص الأدلة، وتقدم المؤلفة أمثلة بدءًا من الألفية الثانية قبل الميلاد، حتى من خلال الطيارات الروسيات، مرورًا بالمقاتلات الأسطوريات أمثال فو هاو، من الصين في القرن الثالث عشر. على سبيل المثال، قبر محاربة الفايكنغ المعروفة باسم «Birka man»، منذ عام 834 ميلادية، كان يُنظر إليها طوال الوقت على أنه قبر لِذَكَرٍ مُحارب؛ بسبب طريقة الدفن، لكن في عام 2014م، حدد علماء الآثار الحيوية أن عظام الرفاة لأنثى وفقًا لنتائج اختبار الحمض النووي، ولم يُفَسَّر إلى الآن أسباب رفض تسجيلها كمحاربة.

أول مقاتلة عرفتها الحروب

يظهر الكتاب قصة الملكة فو هاو، التي عاشت في عهد أسرة شانغ في الصين القديمة، وتظهر الأدلة الأثرية لعبها العديد من الأدوار السياسية والدينية والعسكرية غير العادية، فهي أول مقاتلة عرفتها الحروب في التاريخ؛ فقد كانت قائدة عسكرية ترأس وتدير الجيش في الحملات العسكرية عام 1200 قبل الميلاد تقريبًا، وقاتلت في العديد من المعارك المنتصرة، وفي إحدى المعارك، قادت 13000 جندي (أكبر جيش مسجل في تاريخ شانغ) للنصر على مملكة تشيانغ المجاورة، وكانت كاهنة مسؤولة عن معظم مراسم عبادة القديسين في الإمبراطورية، كما أقامت احتفالات دينية. كانت فو هاو، زوجة الإمبراطور الصيني وود ينغ، أول عاملة مسجلة في تاريخ الصين، وأول حاكمة موثقة في تاريخ بلادها. جنبًا إلى جنب مع زوجها الملك، نفذت وفازت بأول حرب كمائن؛ كما أنها قادت ونجحت في أكبر حرب في ذلك القرن.

وفي الآونة الأخيرة، كُشِف عن مقبرة «فو هاو» المحفوظة جيدًا، التي تحتوي على نحو 200 قطعة أثرية من نقوش عظمية عثر عليها من بين قرابة 10.000 قطعة من القطع الأثرية القيمة والرائعة، نُقّب عنها في الصين، وكانت تخصها ونُقِش عليها اسمها، وجاءت في هيئة أسلحة برونزية وأدوات حربية كانت تمتلكها، بصفتها امرأة ذات سيادة ثيوقراطية عليا وسلطة ملكية وعسكرية، حيث وُثّقت أنشطتها العسكرية ونجاحاتها، إضافة إلى تجارب حياتها في تلك النقوش القديمة على العظام أو أصداف السلحفاة.

الآن، يدرك العلماء والمؤرخون أن النساء على مر العصور، قاتلن ووقفن على رؤوس جيوش بأكملها، بعدما منحت الأدلة والبراهين الموثقة بالطرائق العلمية والأدوات الحديثة، (مثل: اختبار الطب الشرعي للحمض النووي DNA، إضافة إلى إعادة فحص القطع الأثرية المدفونة في المقابر الأثرية، والوثائق التاريخية)، المؤرخين نظرة مختلفة ومغايرة عن حياة النساء المقاتلات اللواتي خضن المعارك والحروب جنبًا إلى جنب مع الرجال أو من دونهم، في السر أو في العلن؛ دفاعًا عن بلادهن الواقعة تحت الحصار.

تاريخ طويل في الحروب

بمقارنة القصص الفردية للنساء المقاتلات والمحاربات عبر الأزمنة التاريخية من الألفية الثانية قبل الميلاد إلى الوقت الحاضر، ومن الحدود الجغرافية المختلفة لها عبر أوربا وآسيا وإفريقيا والأميركتين، تكشف باميلا د. تولير حقيقة أن النساء حاربن دائمًا، على الرغم من كونهن نساء. يعد الكتاب بحثًا دقيقًا مكتوبًا بشكل جيد وغني بالمعلومات، فقد جاء على هيئة دراسة متعمقة ومسح تاريخي كامل ومقروء للنساء في الحروب؛ ليظهر بشكل مقنع أن النساء كن عبر التاريخ الممتد قائدات عسكريات بشكل يتحدى القوالب النمطية العرقية والجندرية.

تذكر الكاتبة ضمن فصول كتابها الشائق، أمثلة محددة تاريخيًّا عن نساء مقاتلات: كـ(أمهات، فتيات، ملكات، زوجات، أرامل، صانعات سلام، محاصرات، قائدات للهجمات، متنكرات في زي الرجال)، وتفكر في سبب خوضهن الحرب، فمن بين النماذج التي ضمتها صفحات الكتاب، سترون مجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك الانتقام لفقدان الأسرة أو الأرض أو الشرف.