أغاني حلم المقصورة الحمراء
تشتمل رواية «حلم المقصورة الحمراء»، وهي إحدى الكلاسيكيات الأربع في تاريخ الأدب الصيني، على اثنتي عشرة أغنية. في الفصل الخامس من الرواية، أرسل الكاتب «تساو شويه تشين» بطل الرواية «باو يو» إلى عالم سماوي رحيب في حلم من أحلام المنام، وحينما كان يجوب أرض الأحلام البهيجة، إذ به يستمع إلى الجنيات الحسناوات وهنّ يشدون بهذه الأغنيات التي تحمل في طياتها معانيَ غريبةً مبهمةً. وكانت الغاية من وراء سماعه هذه الأغنيات هي معرفة ما يدور حوله على أرض الواقع لهؤلاء الحسناوات اللاتي جمعت بينه وبين بعضهن صلات، وكي تتكشف أستار الحقيقة أمام عينيه، ويستشعر شيئًا من المعاناة البشرية. وتعد هذه الأغنيات دلائل مهمة على فهم تاريخ شخصيات الرواية، وتطور الحبكة الروائية، وبلوغ الأحداث ذروتها، فضلًا عن معرفة أسباب سقوط العائلات الأرستقراطية الإقطاعية.
«ظل يتطلع إلى ما حوله في دهشة كبيرة، ثم سأل الجنيات عن أسمائهن، فأجبن: جنية أحلام اليقظة، وجنية العشق، والجنية الذهبية جالبة الأحزان، وجنية زرع الكراهية. وكانت كل جنية تختلف عن الأخرى في مهام عملها. مر وقت قصير ثم جاءت إحدى الخادمات وراحت تنظم الطاولات والمقاعد، ووضعت كؤوسًا مملوءة بشراب يبدو غريبًا، فغلبه الفضول وشرع يسألها عن الشراب، فأجابته كبيرة الجنيات قائلةً: صنع هذا النبيذ من عطر مئة زهرة، وعصارة عشرة آلاف شجرة، وأضيف إليه حليب طائر الفينيق وأسميناه «عشرة آلاف مذاق في كأس واحد».
وفي الوقت الذي كان يحتسي فيه باو يو الشراب ممتدحًا مذاقه الطيب، جاءت الجنيات وسألن عن الأغنيات التي سيشدون بها، فأجابتهن إلهة الجمال والحب قائلة: الاثنتا عشرة أغنية من حلم المقصورة الحمراء. أطاعت الجنيات الأمر، وبدأن بالعزف وغنين هذه الكلمات: «من أوجد الحب قبل بدء الخلق؟».
وما إن بدأت الجنيات في الغناء، حتى قاطعتهن إلهة الجمال والحب قائلة: هذه الأغنيات لا تشبه أغنيات عالم الإنس، وإنما هي أغانٍ مختلفة تمام الاختلاف؛ فهي مرثاة لشخص، أو وصف لذكرى ثمة أشياء، وعادة تصاحبها آلات النفخ والوتريات، ولا يمكن للغرباء أن يقدروا معانيها، ولا يمكن أن تعي منها شيئًا دون أن تقرأ في البداية كلماتها ثم تستمع إليها، وإلا ستشعر وكأنك تمضغ شمعًا دون طعم أو رائحة. أومأت برأسها إشارةً لتحضر الخادمة كتاب أغاني حلم المقصورة الحمراء ثم أعطته له، وطفق يقرأ الأغنية الأولى التي كان يستمع إلى كلماتها منذ قليل…».
افتتاحية أغاني المقصورة الحمراء، هي مقدمة شاملة للاثنتي عشرة أغنية الخرافية اللاحقة، وهي بمنزلة مقدمة عاطفية للشخصيات النسائية في الرواية ومصايرها المأسوية.
الافتتاحية
من أوجد الحب قبل بدء الخلق؟/ حمقى أضاعوا أعمارهم في تيه الظنون/ عجيب أمرهم ماتوا من الهوى!/ وأحزان واريتها في طيات الفؤاد/ ووحدة قاسيتها في ليالي السهاد/ ولمّا رحت أبث أحزاني السوداء/ غنيت هذه الأغنيات/ وقد أسميتها/ أغاني حلم المقصورة الحمراء/ ورحت أبكي مصير الغيد الحسان/ صريعات الهوى/ فتبًّا لك يا هوى!/
الأغنية الأولى من أغاني حلم المقصورة الحمراء تصف حال البطل باو يو بعد أن فارقت حبيبته لين داي يو الحياة؛ بسبب زواجه من امرأة أخرى وهي شويه باو تشاي. وعلى الرغم من أن الجميع كان يظن أنه يعيش حياة هنيئة والزوجان على وفاق تام، إلا أنه لم ينسَ حبها يومًا، وباتت ذكراها تؤرقه طيلة الدهر.
خطايا العمر
يظنون أنني أحيا في نشوة الأفراح/ ولعهد الهوى قد نسيت/ ولعمرك لعهد الهوى ما نقضت/ يحملني حنيني إليك/ وتعصف براحة فؤادي الأشواق/ يا حورية الجنة/ ويا رفيقة الوحدة/ ودعتك ولو كان بيدي ما كنت ودعتك/ حتى وإن ملكتُ سيدة النساء/ فأنتِ في طي الفؤاد/ ورغم الحب الذي كان/ خانتنا الأيام/ وغدرت بنا الأنام.
تصف الأغنية الثانية قصة أبطال الرواية «باو يو» و«لين داي يو» والعشق الذي تحطم على صخرة العادات والتقاليد الإقطاعية، والقمع الأسري، فقد حال القدر من زواجهما. وتصف الألم الروحي لهؤلاء العشاق ضحايا المجتمع الإقطاعي البغيض.
ما جدوى الحزن!
هي زهرة فاتنة في الفردوس/ وهو قطعة يشم مثل المرمر/ فلماذا كان اللقاء بعد اللقاء/ طالما المقادير حكمت بالفراق؟/ وكيف ذاك الحب أمسى مزحة!/ وحيدٌ حزينٌ هو/ وروحها هائمة هي في سماء الأحلام/ هو ظل قمر الأعالي على وجه الماء/ وهي زهرة حلوة صورتها في المرآة/ آهٍ، ملأ الدمع المقل/ وكيف لتلك الحلوة أن تحتمل/ دمعًا ينسال كشلال/ في كل فصول العام.
تصف الأغنية الثالثة عودة الحسناء يوان تشون بعد موتها، وزيارتها والديها في المنام لتحذرهما من غدر الأيام، وتنصحهما بأن يتخلَّيَا عن المناصب حتى لا تسقط عائلة جيا في نغمة مأسوية حزينة.
موت الكراهية
في نعيم الأيام كنت أحيا/ ولوهلة ما خطر ببالي/ أن الموت على أعتابي يحيا/ وعن كل شيء عزفت/ ماتت روحي وفني شباب العمر/ وإلى الوراء ألقيت بنظرة/ فإذ ببيتي القديم/ أراه جدًّا جدًّا بعيدًا/ وطفت في حلم المنام/ ورحت أقول باهتمام/ نجمة ابنتكما قد أفلت/ فلا تأمنا غدر الزمان/ ودعا الأحلام بعيدة المنال/ واستعدَّا لما آتية به الأيام/ استعدا كلما كان في الإمكان.
تصف الأغنية الرابعة قصة الحسناء شي شيانغ يون والمآسي الثلاث في حياتها؛ اليتم المبكر وسقوط عائلتها في الكبر وعذاب الحب. والأغنية زاخرة بالنغمات الحزينة المأسوية.
حزن في عز الفرح
حيت على مر الزمان بمآتم/ ولمرارة اليتم ذاقت/ وفي كهف الأحزان عاشت/ وفي بيت العم نامت/ وخالت أن القدر بحالها لرائف/ وبفارس نبيل بهيّ الطلعة لاقت/ ويا أسفاه، ما دام اللقاء طويلًا!/ هذي شيم الليالي تفرق القلوب/ غاب قمر السماء البعيدة/ وخبا نجم العائلة الكريمة/ وعادت إلى دنيا الأحزان/ فلا حزن يدوم ولا سرور/ وهذا هو حكم القدر/ وقد مضى حكم القدر!
تصف الأغنية الخامسة حياة الحسناء مياو يي، وكانت بارعة الحسن شديدة الموهبة، لكن في النهاية عزفت عن الدنيا الغرور، وسكنت الدير وأضحت راهبة. والأغنية زاخرة بنغمات حزينة وعواطف مهتاجة في كلماتها.
عالم لا يحتمل
حسناء تغري الناظرين/ تفوح بشذى عطر كزهرة أوركيد/ موهبتها فاقت كل الحدود/ وعدت كل الظنون/ وللدنيا ما عشقت/ وعن الحرير وطيب الطعام تخلت/ ونيران الغيرة في القلوب ما هدأت/ وللدير وجدت سُكنى/ آهٍ، يا فتاة الدير/ يا زهرة عمر ذبلت/ وآهٍ، يا قطعة لؤلؤ/ في الوحل سقطت/ فقد ولى الحبيب/ وكان البين النصيب.
تصف الأغنية السادسة «سون شاو تزو» زوج الحسناء «يينع تشون» الذي أساء معاملتها بعد أن رحبت الأسرة بزواجه منها، لكنه بعد الزواج صار مثل ذئب محتال، وراح ينتقم منها، وقتلها قبل أن يمضي عامٌ واحدٌ على زواجهما.
عدو لدود
إلى ذئب أسلمها الزمان/ كثير الغدر لا يعرف قلبه للوفاء مكان/ بين الزهور الفاتنات تنقل/وعن اليمامة الوديعة أعرض/ ومن شيم الرجال تنصل/ والنهاية كانت حتمية/ نهاية مأسوية/وآهٍ، على جسد همد واره ثرى التلة.
تصف الأغنية السابعة تجربة الحسناء شي تشون من خلال الأخوات الثلاث؛ «يويان تشون»، «يينغ تشون»، «تان تشون» أن الحياة السعيدة لا تدوم طويلًا، فشعرت بخيبة الأمل، وتخلت عن هذا العالم وتحولت إلى راهبة للبوذية.
وذبلت الزهرات الثلاث
مضى الربيع عابس الوجه/ وذبلت الزهرات الثلاث/ وبشذى العطر كانت تفوح/ مضى الربيع عابس الوجه/ وقبل قدوم الخريف/ سقطت زهرات المشمش والخوخ/ وخبا عطر الورود الحسان/ ومن قدر محتوم من يهرب/ زهدت في حياة النعيم/ ولعمر الزهور دفنت/ تحت شجرة الحور العتيقة/ وفي عالم خارج العالم طمحت/ عالم لا يعرف غير الخلود.
تصف الأغنية الثامنة وانغ شي فنغ، هذه المرأة ذات الشخصية القوية التي بذلت قصارى جهدها ودفعت بكل ما أوتيت من حيل للحفاظ على مجد عائلة جيا، لكن في النهاية راحت كل جهودها سدى، وسقطت العائلة وأفضى الأمر إلى نهاية مأسوية.
امرأة طاغية
يا امرأة في الدهاء لن تتكرر/ وليت من الحيل ما نفعك/ إلا لشبابك قد أنهت/ وبعد الرحيل الطويل/ ما كفت عن تعكير صفوك/ حلمتِ برغد العيش لك ولمن حولك/ لكن هيهات هيهات/ أفنيت عمرك ما بين كد وجد/ وولى العمر وما بلغت المنى/ باغتك الزمان بما يوم ما هويت/ وقصور مشيدة فوقك قد هوت/ وانطفأت قناديل الأمل/ وسكن الروح الألم/ وملأ الدمع المقل/ وأضحى صفو الليالي كدرًا في كدر/ ومن يظن من المقادير أنه يفر/ وإلى أين المفر!
تصف الأغنية العاشرة إنقاذ الجدة لياو- الخادمة الفقيرة- الحسناء جيا تشياو وقت اندلاع الحريق، في وقت تخلى عنها أهلها بسبب الطمع في الثراء والجاه. وتؤكد الأغنية أن الجزاء من جنس العمل، وتحث على فعل الخير.
جزاء المعروف
وسط لهيب الحريق/ سمعت نداء المتلهفة وأغاثت/ مدت يدها بالخير لي/ لمّا أنكرني أهلي وأحبتي/ وما يحصد الزارع إلا ما زرع/ فابسط يديك بالخير/ واغلل يديك عن شر بني البشر.
تصف الأغنية الحادية عشرة حياة الأرملة الشابة لي وان التي توفي زوجها وهي في سن صغيرة، وعكفت على تربية ابنها الوحيد حنى نال المجد والثروة، لكن الحياة الغادرة عبست بوجهها لهما ثانية، وكأن كل ما كان مجدًا زائفًا.
ومضى شباب العمر
رحل الحبيب والأب والسند/ مات الحب وتوارى تحت الثرى/ وظنت أن الدنيا صالحتها/ وفي المجد ستجد المستقر/ لكن هيهات أن نأمن صروف الدهر/ سقط التاج المرصع وثوب الحرير ترقَّع/ وقبل أن تأمن غدر الزمان/ لقت موتًا ما كان في الحسبان/ وكل قصور الوهم حتى عنان السماء/ زوتها ريح الزمان بعيدًا في الفضاء.
تصف الأغنية الثانية عشرة حياة الحسناء تشين كه تشينغ التي تورطت في حب محرم، وكانت نهايتها محزنة. وتشير الأغنية إلى أن منبت الشر هو كبار العائلة الفاسدين الذين تسببوا في سقوط عائلة جيا.
مات الهوى
يا صريعة الهوى/ أضعتِ عمرك في هوى محرم/ تناثر الغبار بشذى عطرك/ وكيف لكِ أكون معاتبًا/ وأترك الجاني دون ملام/ قصر نينغ أنت منبت كل الآثام/ وأنت أيها الحب شر بلية الأنام.
تصف الأغنية الختامية ملخصًا للاثنتي عشرة أغنية في حلم المقصورة الحمراء، وتوجز مصير الأبطال في وصف مؤثر بليغ بلغة سائغة عذبة، وتجسد سقوط الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية التي تمثلها عائلة جيا في صورة حزينة تدمي القلوب.
الخاتمة
ذبول الشجرة الوارفة/ أضاعها لين الفؤاد/ دونما شفقة اقتص منها القدر/ دفعت حياتها الثمن/
أفناها الدمع على الخد/ ذاقت كؤوس القهر وتجرعت كؤوس المر/ وافترق العاشقان إلى أبد الدهر/ ذبلا قبل أوان الورد/ وابتسمت لها الحياة بعد طول حرمان/ الفرار إلى دنيا الخلود/ قتلها عشق ممنوع فاق كل الظنون.