بكور
أنهضُ في الصباح الباكر، أُحْدثُ جلبَةً في الدار كي يسمعني، وهو يدير مذياعَه ليسمع أول الأخبار، أنطلقُ إلى الشَّعف ليعرف أنّي على فطرته:
لا نومَ بعد الفجر.
أستخرجُ أدواتِ الحقل التي نتركُها عادةً في زاوية المزرعة، بالأمس فقط تركتُها وبموافقته. تستفيقُ الحقولُ على صوتي، أحمي الزرعَ، أُعيدُ الحجارةَ التي تساقطت من أسوار(الثَّمَايل)، أطلقُ هيبتَه، وأعلنُ حضورنا بين مزارعي الجوار. الفطورُ المكوّن من (خبزةُ الأمّ وترمس الشاي في زنبيل الخوص) يأتيه في الوقت الذي حدّده، عندما «تحْمَى الأرض شمس»، وحين يسابق الطير، أحملُ إليه الزَّوِيدةَ مع نبرةِ صوتها، وصيّةِ وجهٍ طاهر: «لا تتأخر» أعلمُ أنها وجْبتُه الأولى على الريق. سأبقى وحيدًا أتجوّل بين الزروع التي طالما أخفتْ قامتي، أنتظره وحيدًا، وقد أصبحت أطاولُ الذرة التي غابت لغيابه، سيأتي وسأخبره، أني الأول في الوصول إلى المزرعة الخضراء الأثيرة إلى قلبه:
– لم يسبقْني اليومَ أحدٌ من أهل القرية، فلتطمئن أيها الزرّاعُ العظيم. هكذا، سأكون كلَّ يوم، فقط امنحْ وجهي نظرتَك المهيبة، أطلقْ يديّ تجوسان في أعمال الوادي والشَّعَف، وسأباكر الحقولَ قَبْلَ الشروق، ستتمايلُ الزروعُ، وستفاخِر مزارعُكَ بصنيع محراثك الأصيل، ومع اقتراب المساء، ها أنت تَراني أعودُ إلى البيت متعبًا، لكنّي سعيدٌ برضاك حين ينحلّ حزامُ الخَصْر، وتُقدِّمُ شُقوقُ الكفّين، وحُبيبات الجبين ملخّصًا لأعمال هذا اليوم، سأنام في التاسعة، لأصحو باكرًا، وسأسبِقُكَ، ولتأتِ على مهل، كن مطمئنًّا؛ المزارعون لهم استثناء من الحظر، لكنْ لا تتأخر يا أبي، بالأمس، انتظرتك طويلًا حتى بردت خبزةُ إفطارك، وازدادت الأرضُ حرارةً في منتصف النهار، وتصبّب من القلب ما يشبِهُ العرَق، ورحلت الشمس وعادت كثيرًا.
آهِ لو تأتِي.
النماص ٢٣/ ٤/ ٢٠٢٠م