أتساءل لو أن أمي الميتة ما زالت تفكر بي
ذِكرى
عندما انتهوا من دفني؛ سمعوا ما تبقى مني يناديهم
يد مزهرة بالعفن الوليد:
عندما أعود؛ أريد جسدًا كالبرق.
ماذا لو سمعني شخصٌ ما..
فهل يسمحُ وضعي بالإجابة؟
أصلي رُغم الصمت
رُغم الليل الذي لا يموت
حيٌّ على سطح الموت
راكعٌ بين يدي الرب
والآخرون يتسولون المطر والإيجار وأسباب البقاء..
جسد مثل السماء يبحث عن الحق
جسدٌ مثل الضوء
يعلو،
يشع،
يتناثر فوق كل حقل
تختبئون فيه مني.
أخذوا سيقانهم الوردية الملساء..
أخذوا مظلاتهم السوداء..
أخذوا الترانيم..
والألحان..
كل شيء سيُعدُّ من جديد لشخص آخر..
وأنا الآن مجرد ذكرى..
تاريخٌ لا يتوقف عن الصلاة..
غريب
أتساءلُ لو أن أمي الميتة ما زالت تفكر بي..
أعرفُ أنني لا أعرفٌ اسمها الجديد
أنا لا أعرف كيف هي الآن..
أنا لا أعرف لو أن «هي» ككلمة تشتعل في ذهن غريب
رأى أمي تَخْطِرُ في الطريق بفستان أسود براق
أتساءل لو أنه يستنشقُ دخان سيجارتها
لو أن الدخان سيقتله فعلًا
لو أنه يفكر: «أتمنى أن أجد امرأة هي الضوء وكل ظلال الثقوب المضيئة».
أتساءل لو أن نظرة خاطفة لأمي الميتة كافية ليصبح المرء شاعرًا..
وأتساءل لو أنني أغنية تهمس بها
حين تنتظر تبدل أضواء إشارة المرور
أو لو أنني لافتة على الطريق
تشير لأمي بالتوقف عن المضي في رحلتها الأخيرة.
ديدالوس من بعد إيكاروس
مثل طيور النورس..
يتحلق الأولاد حول الرجل الهائم على الشاطئ..
يتجاهلهم ويلاحقونه..
يعبرُ إلى الضفة الأخرى في جناحين على ذراعيه،
يهتف بعض الصبية في أثره مرفرفين
آثار أقدامهم تحرقُ في الرمل ثقوبًا
رجلٌ بجناحين مربوطين في ذراعيه، يتبعه سربٌ من الصبية الصاخبين..
يهتف بعضهم ويرفرف بأذرعهم الرقيقة.
وآخرون يتقافزون ويتعثرون من حين لآخر، مثل حبات الرمل في الأقدام.
يتظاهر أحدهم بالتحليق حول الرجل ناعقًا في وجهه.
إننا لا نعرفُ اسمه، ولا سبب سيره على الشاطئ مُحدثًا الريح.
لا شيء ليقوله لهذه الأجنحة..
ثمة امرأة تصرخ على ابنها: لو جعلني شريكته؛ ربما أتركُ والدك.
ثمة جلبة تندلع منّا؛ يستدير على إثرها بغتة، وينطلق نحو الماء..
يتقافز الأطفال من بعده في الأمواج..
على صوت جلبتهم وضحكاتهم، نسمع صبيًّا يقول: لا نريد أجنحة.
بل نريد أن نكون سمكة الآن!
يُعد سعيد جونز من الأصوات الحاضرة بقوة في المشهد الأدبي العالمي، تتناول كتاباته تساؤلات حول الهوية والمصير والألم الإنساني المحتوم، بأساليب عصرية ومميزة، ظهر ذلك بقوة في مجموعته الشعرية الأولى «مقدمة لكدمة» التي وصلت للقائمة النهائية لجائزة نقاد الأدب القومية، كما مُنحت جائزة PEN الدولية 2015م. وقد قُيمت المجموعة بمؤشرات عالية في أسبوع الناشرين، ووُصِفَتْ قصائد الشاعر بأنها: «حلمٌ محموم، شيء ما أقرب إلى السحر». ويضيف المحرر: «يا لها من ليلة مُظلمة من الروح تُقدم كأرقى فساتين السهرة، هذه القصائد تنبض بالحسية المستمدة من فينوس لرامبو، وأفضل كتابات القوطيين الجنوبيين. باستخدام ترميزات شخصية للأنوثة والعنف وتاريخ أميركا السوداء».
ولد سعيد جونز في 26 نوفمبر 1985م، في مدينة ممفيس بولاية تينيسي، ثم انتقلت أسرته إلى ولاية تكساس حيثُ نشأ وترعرع، درس في جامعة أوهايو، وعمل في مجال الصحافة والنقد الأدبي والورش الإبداعية. لفتت أشعاره الانتباه منذ البداية، لتعرضها للعلاقات الحميمية، والعِرق والسلطة، وغالبًا ما تتكئ على التراث والأساطير. وفي لقاء معه عام 2014م لمجلة PEN America قال: «أنا مهووس بالرجولة كأداء وحشي ومهيب. دائمًا ما ينجرف عقلي إلى مفترق الطرق، حيث يصطدم الجنس والعرق والسلطة».
ورغم ذلك فإن توهج شهرته تحقق في عام 2019م، عندما أصدر مذكراته بعنوان: «كيف نكافح من أجل حياتنا» التي تعرض فيها لأجزاء من نشأته كشاب زنجي، يواجه فقد والدته ونبذ المجتمع له في الجزء الجنوبي من البلاد بكل ضراوة وألم. وفي تعليق من راديو NPR قال المُذيع: «صوت جونز وحساسيته متميزان للغاية لدرجة أنه يقلب أحد أقدم الأنواع الأدبية رأساً على عقب، ففي هذه المذكرات طور «سعيد» أسلوبًا فريدًا من نوعه يميزه الجمال والقوة، ورسخ نفسه ككاتب أساسي في عصرنا».
حصل سعيد على جائزة «Kirkus» للقصص الواقعية 2019م، عن مذكراته «كيف نقاتل من أجل حياتنا»، كما احتفى به عدد من كبريات الصحف في البلاد مثل: نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، والتايم، ونيويوركر، والعديد من المطبوعات الأخرى.
المصادر:
The New Yorker, Printed Issue, 20 July 2020.