«مجلس عزاء» للروسي ألكساندر ميليخوف الحلم الأميركي بإنجاز سوفييتي

«مجلس عزاء» للروسي ألكساندر ميليخوف

الحلم الأميركي بإنجاز سوفييتي

ألكساندر ميليخوف، أحد الكتاب الذين عاصروا عدة أجيال، وعكس صور هذه الأجيال في أعماله الرائعة، وميز رواياته التعبير عن الواقع الروسي وتشخيص معاناة هذا الواقع وانعكاسه على المجتمع الروسي. هو كاتب حقيقي بكل معنى الكلمة. ذات يوم سألته: ما الذي يعني لكم الأدب الروسي؟ فأجابني، قائلًا: «الأدب الروسي هو العالم الذي أشعر فيه أنه بيتي الحقيقي، وأبطال الأدب هم أبناء وطني المهمون».

هذا الشعور الأصيل عكسه في روايته التي صدرت حديثًا بعنوان «مجلس عزاء» (إكسمو 2020) التي كان للنقاد والكتاب الروس آراؤهم القيمة حول هذه الرواية.

الناقد والكاتب ديمتري بيكوف كتب عن هذه الرواية، قائلاً: «يحل ألكساندر ميليخوف في روايته الجديدة أصعب مشكلة في حياته العملية بأكملها، يصف الأسطورة الأميركية وتأثيرها في الحياة الروسية. وتدور أحداث هذا الكتاب حول أشياء كثيرة، ولكن قبل كل شيء حول المؤسسات الغامضة التي نشأت فيها القوة السوفييتية، وكيف تم تشكيل الجيل السوفييتي الأخير، الأكثر موهبة لكن سيئ الحظ. من بين جميع كتب ميليخوف، منذ صدور كتاب «الطاعون»، يعد هذا الكتاب الأكثر روعة ويتطلب من القارئ استعدادًا ذهنيًّا».

ألكساندر ميليخوف

أما الكاتب والأكاديمي أندرية أستفاتساتوروف، فيقول: «رواية «مجلس عزاء»، ملهمة ومهمة لكاتب كلاسيكي حي من مدرسة سانت بطرسبورغ. تتصادم القارات العملاقة هنا، والعهود التاريخية العظيمة، التي يتردد صداها في أقدار الناس، مرتبطة في عقد محكمة لأيديولوجيات لا يمكن التوفيق بينها. وكل هذا الأمر يتجلى في موضوعات متوترة، وإيقاع قاسٍ لكلمات مشحونة بطاقة قوية».

في حين قالت الكاتبة دينا روبينا: «ألكساندر ميليخوف هو واحد من أكثر الكتاب شجاعة. قلة في الأدب اليوم يجرؤون على فضح الأساطير بمثل هذا التوجه الجراحي المباشر، تحت مبْضعه الذي لا يرحم يتسع الكبرياء الوطني، والحب العقيم، والواجب الكبير…، تحت الرياح الباردة لحياتنا القاسية، يبقى الإنسان فقط أعزل، مضطربًا، بائسًا في كثير من الأحيان… ولكن لا يزال يرغب بجنون في الحب والتفاهم والقليل من المودة. هذا المزيج من القسوة والرحمة يخلق نغمة فريدة لنثر ألكساندر ميليخوف الموهوب».

ويقول الكاتب فاليري بوبوف: «رواية «مجلس عزاء» هي توديع جنائزي لعالم خفي، هذه الرواية كبيرة وخطيرة والأكثر إثارة للقلق، تتكون من حياتنا التي نعيشها. يا له من جيل عظيم! كم مرة تعرضنا للخطر، بما في ذلك من دولتنا، وكيف خاطرنا، وما زلنا، ونتيجة لذلك، فعلنا ما نريد، وما اعتقدنا أنه ضروري. الآن لا أحد يستطيع فعل ذلك! الجيل العظيم الذي انتصر على الشمولية… دمره العصر الذي أعقبه، والذي لم يتمكن بعد من العثور على اسم… يجمع الإبداع الأخير لميليخوف بين إتقان الرواية السوفييتية المنتجة، ومهارة أفلام المغامرات ورعاة البقر، والعاطفة والفن الأسمى للكلاسيكيين الروس: لقد اجتمع كل شيء معًا، هنا في رقصة مستديرة محمومة، لا يمكنك الهروب منها حتى تنتهي الرواية. يمكن تصنيفها بالتأكيد بين أعظم الأحداث الأدبية في كل العصور. لقد وجد الكاتب كبرياءنا ضائعًا على الطريق، وفي الغبار، وبعد أن صقله إلى درجة أنه أخذ يلمع، وسلمه لنا».

ولكن الناقدة غالينا يوزيفوفيتش ترى الرواية متاهة ليس من السهل الخروج منها، «كما هو الحال دائمًا مع ميليخوف، فإن الحبكة نفسها ليست مهمة جدًّا، إنه ليس أكثر من طعم، بعد أن ابتلعه القارئ يجد نفسه فجأةً في وسط متاهة الأفكار والصور وتوارد الأفكار الأكثر تعقيدًا. وليس من السهل أن تخرج من هذه المتاهة كما دخلت».

ويرى الناقد فلاديسلاف تولستوف أن لدى ميليخوف ميزة عجيبة في صنعة النص، «أنا حقًّا أحب كتب ألكساندر ميليخوف وأقدرها. لديه ميزة عجيبة في صنعة النص، كل هذه التفاصيل، ووجهات النظر، والتحفظات، والانعكاسات العابرة تخلق هالة وجوًّا متأصلًا فقط عند ميليخوف. أينما وجد أبطاله أنفسهم، في العمل النائي، في مختبر علمي، في مقهى، في صالة ألعاب رياضية مدرسية، ثكنات عسكرية، في مدخل دار الرعاية للمسنين، وحتى برفقة بعضهم الآخر، فهم دائمًا يبقون أبطال ميليخوف، متشابهين إلى حد ما مع المؤلف نفسه، غير راضين عن أنفسهم، مثقفون، متشككون، فلاسفة. ميليخوف هو وسيط حقيقي للحقبة السوفييتية في الأدب الوطني، قادر على استحضار الأصوات والصور من حقبة لا يتذكرها سوى قلة من الناس، والارتقاء بها إلى مستوى المعاني البشرية المشتركة».

أما الناقد بافل باسينسكي، فيقول: «نثر ميليخوف موجه لأولئك الذين يبحثون عن معانٍ خفية للحياة، وألغاز مؤلمة للحياة في الأدب، ومن أجل هذا لا يخشون التغلب على شعورهم بالخجل. النتيجة الروحية لنثره تغير الأسلوب. الإنسان مثير للشفقة، ولكنه يحتاج إلى رحمة تكون مضاعفة بثلاث مرات… ألكساندر ميليخوف هو واحد من ألمع كتاب النثر والإعلاميين الذين يعيشون في سانت بطرسبورغ وأكثرهم إثارة للاهتمام».

وأخيرًا رأي الناقد ياكوف غودرين الذي يذكر أن ألكساندر ميليخوف «هو واحد من أكثر الكتاب الذين يفكرون بعمق وبطريقة غير تقليدية. القضايا التي يطرحها أمامه ليست مجرد دراسة للظواهر، بل البحث عن طرق للخروج من الأزمة النفسية العميقة التي أنهكت الإنسان».

بعد أن استعرضنا آراء النقاد والكتاب الروس المعاصرين حول هذه الرواية، دعونا نرى رأي الكاتب نفسه ماذا قال حول روايته، حينما سألتهُ: ماذا تريد أن تقول للمجتمع الروسي من خلال هذه الرواية؟ فأجابني، قائلًا: «رواية «مجلس عزاء» هي مصير الجيل الذي مهد للبيريسترويكا وأصبح إلى حد ما ضحيتها.
وتبين أن أحد الأفكار العاطفية المهيمنة هو الحلم الأميركي بإنجاز سوفييتي. يتم الكشف عن تاريخ البلاد من خلال مجموعة من الأقدار: الهجرة، والحرب في دونباس، وتحولهم من باحثين علميين إلى راقصي المطاعم… هي مجلس عزاء على أطلانتيس المختفية، والبحث عن حلم جديد».


المصدر  : ‭https‭://‬www.labirint.ru/books/760499‭/?‬fbclid=IwAR3Lzti89UDkkGk2kHf6v6fcANO_A76F6vQa7iexVvEGfHwBwYJ1fbztemk