لماذا نقرأ الروايات؟
لماذا نقرأ مدام بوفاري أو شفرة دافنشي؟ ما الفائدة من التفاعل مع قصص مختلقة والبكاء على مصير شخصيات لم تكن موجودة أساسًا؟ الأدب ليس من أجل الترفيه فقط. بواسطة الخيال، يوسع خبرتنا ويقدم لنا نظرة أخرى عن العالم وأنفسنا.
نعيش حاليًّا زمن الرواية. في فرنسا، تزيد نسبة مبيعات الرواية سنويًّا بستة أضعاف حيال مؤلفات العلوم الإنسانية، من دون احتساب أدب الشباب المزدهر. لماذا كل هذا النجاح؟ ليس من السهل الرد على السؤال. لا تدّعي الرواية الحقيقة ولا الموضوعية. وتتطلب قراءتها جهدًا. ما النتيجة، وما الفائدة؟ عَمَّ يبحث المرء بقراءته الرواية؟ هل يبحث عن أشياء لن يجدها في الأعمال النظرية أو العملية، ولا في الأفلام، ولا في تدفق وسائل الترفيه المتاحة للمستهلك المعاصر؟
المفرد، العابر، المتواضع
قبل البدء في هذا التحقيق، دعونا نبدأ بالتساؤل حول هذا المصطلح، «رواية». عَمَّ نتحدث؟ خلف الكلمة نفسها تتقاطع أنواع مختلفة من النصوص: روايات موضوعية، روايات واقعية، روايات بوليسية، سلسلات روائية، روايات مراسلات، روايات للشباب روايات خاصة بالمرأة، روايات الأطفال، روايات تاريخية، مدام دو لافاييت، مارسيل بروست، غيوم ميسو… وغالبًا ما نميل إلى استبعاد الخرافات والحكايات والقصص القصيرة والمذكرات. ولكننا نعترف أحيانًا بأشكال سردية جديدة تتداول عبر الإنترنت أو الهاتف المحمول. تلك القوائم ليست دائمًا مقنعة. وبهذا الخصوص حذر غي دو موباسان: «الناقد الذي لا يزال يجرؤ على كتابة: «هذه رواية، وهذه ليست كذلك» يبدو لي أن له بصيرة تشبه إلى حد كبير عدم الاختصاص».
تتسم الرواية بالجمع، إذن، فهذا هو السبب في عدم وجود أي سبب واضح للتسرع في قراءتها. كجنس في تحول دائم، فالثابت الوحيد هو تقلبها المستمر. مهما كانت المعارف والطموحات النظرية التي تثيرها، فإنها تبقى أقل علمية من الخطب. فالرواية لا تعرض الحقائق، ولا تستكشف المفاهيم، ولا تستنتج الأفكار. مع الحاجة إلى العلم، فإنها تعارض العشوائي وغير المتوقع. وضد الشمولي والمفاهيمي، فإنها تعرض المفرد، العابر، الصغير، الحسي، اللقاء مصادفة، دقات القلب، شعورًا قويًّا أو مشادة… ومن ثم يكون الميل نحو ترتيب قراءة الروايات بنطاق الأنشطة الترفيهية، وحتى العاطفية، هناك حيث ستُخَصَّص الكتب المعرفية. يقول رونالد شوسترمان، المتخصص في علم الجمال: «إن مجال المعرفة الحقيقي هو العلم. والخيال ليس معرفة إطلاقًا».
التعرف إلى الإنسان بشكل أفضل
ومع ذلك، فإن العديد من الأصوات ترتفع لتأكيد «القوة الاستدلالية» أو «القوة المعرفية» للأدب. ما كنا نبحث عنه في الروايات سيكون «معرفة أفضل» للإنسان والعالم والحياة. هكذا يذكر تزيفيتان تودوروف أن «الأدب هو أول العلوم الإنسانية». جيرار جينيت، وجان ماري شافر، وراينر روشليتز، كلهم يؤكدون بطريقتهم الخاصة أن مساهمة الرواية ذات طابع معرفي. يبحث المؤرخون في الأدب عن «الحقائق التاريخية». حتى العلوم المعرفية تجلب حَجَرها إلى هذا الصرح النظري: مسلحة بمعرفتها بآليات الدماغ، فإنها تحاول التوغل إلى جانب النقد الأدبي.
ومع هذه الإثارة، لا يزال هناك سؤال يحرج ويوجه خطوط الانقسام بين الأدباء وعلماء الاجتماع والمؤرخين: ما نوع المعرفة المحددة التي ستجلبها الرواية؟ بالتأكيد يمكن للروايات إعادة بناء العالم التاريخي، فكّ العلاقات الاجتماعية، أو إعلامنا بطريقة مذهلة عن حالة النفس البشرية. ولكن من وجهة النظر هذه، ليس لديهم أي استئثار فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية أو التجارب أو السينما. ومن أجل ذلك من الضروري التمييز بين محتوى المعارف حيث يكون النص ناقلًا والخيال مستعملًا. أن يُعَدَّ جول فيرن مجردَ معمم علوم عصره، قد يكون من الأسباب التي تدفع دائمًا المراهقين للإعجاب بأحلام الكابتن نيمو، وتجاهل انطلاق العواطف الأكثر قِدمًا «في عشرين ألف فرسخ تحت البحر (1870م): الرغبة في السلطة، غير المتناسب، كُره البشر… وعلى غرار ذلك، فرواية «الغريب» لألبير كامي (1942م) تشكل في بعض النواحي توليفة للمواضيع العظيمة للفلسفة الوجودية: العزلة، الموت، الغيرية، العبث. ولكن، كما لاحظ رولان بارت، «ما جعل رواية الغريب عملًا أدبيًّا وليس عملًا فكريًّا، هو أن الرجل وجد نفسه مسلحًا فقط بالأخلاقي، ولكن أيضا بالمزاج». ويمكن للمرء أن يقول الشيء نفسه عن روايات ميشيل هوليبيك، الذي يخبرنا عن علم النفس في علاقة مع الحب أو السياحة الجماهيرية، لكن حيث تحرص القيمة الأساسية على الجو الجديد الذي ينبثق منها. مناخ وأجواء عالم مستلقٍ على الورق أو مزاج شخص متخيَّل: بشكل حدسي، نشعر أن كلمات المؤلف تقول «شيئًا» فريدًا حول عصرنا أو عن أنفسنا. وبالتحديد لأن نسيجها مصنوع من الأحلام والكلمات، وليس من حقائق وأفكار، فإن الروايات تثري في آن واحد كفاءتنا اللغوية وتخوفنا من الواقع. بتفكيك كل الحالات للتفكير في الإنسان والمجتمع، حتى إنها توفر «مادة هائلة لحَفْز خيال علماء الاجتماع»، حسبَ آن بارير ودانيلو مارتوتشلي.
حيوات بالوكالة
وتهتم الفلسفة الأخلاقية من جانبها بالدور التربوي للرواية. وتُعَدُّ مارثا نوسبوم، واحدة من ممثليها الأكثر شهرة، وتُصِرّ على قدرة الروايات الخيالية على إظهار ما تخفق الفلسفة في إثباته. الفن الروائي يكمن في رؤية العالم؛ وفن القارئ يعود إلى استعارة عيون الآخر، الراوي. وفي هذا الصدد، فالرواية تتيح الوجود بالتناوب في جلد المُخبر، الحبيب، الدكتاتور أو اليتيم. ومن شأن الخيال أن يعطينا، بطريقة ما، حيوات بالاستعارة. بهذا المعنى، فإنه يعمل كمضاعف للتجارب، وذلك منذ الطفولة. وهذا يجعلنا على اتصال مع تعقيدات حياتنا الخاصة مثل حياة الآخرين. ويتحدث ميشيل بيكار من جانبه في كتاب «القراءة كلعبة» (مينوي، 1986م) عن «النمذجة بتجربة الواقع المتخيل». وبطريقة ما، يجرب القارئ حالات لا يستطيع العيش فيها في الواقع. يمكنه اختيار مواقف معينة ورفض أخرى والحصول على فوائد تلك التجارب من دون تكبد المخاطر الحقيقية.
وفي هذا الصدد، هناك أحد الأبعاد لافتة للنظر بشكل متزايد حول قراءة الرواية تكمن في وظيفتها التخاطرية. عند قراءة الرواية، يُفاجأ أي قارئ أنه يتلقى ذهنيًّا أفكارًا من الآخر. هكذا جاء في مذكرات هادريان، لمارغريت يورسنار (1951م)، وأستعيد هنا صيغة المخاطب «أنا» التي عبّرت بها. أجدُ نفسي مدفوعًا نحو رأس الإمبراطور الروماني في آخر أيامه. ذلك التداخل مع الآخر يفسر العلاقة الحميمة الاستثنائية التي نشعر بها تجاه شخصيات معينة. نحن نشعر بأنهم يعيشون، يتكلمون، يتصرفون «فينا».
تلك التجربة الخاصة جدًّا، مثيرة للقلق أحيانًا، وممتعة أحيانًا أخرى، ليس بمقدور فلم محاكاتها. ويفهم المرء عندئذ لماذا يبدو تحويل الروايات إلى أفلام في كثير من الأحيان مخيبًا للآمال بشكل كبير…
عودة المتعة
في هذا الاتجاه، يشكك بعض منظري الأدب في مفاهيم العاطفة والمتعة والهروب؛ لأن الأغلبية العظمى من القراء يؤكدون ذلك: يقرؤون الروايات أولًا للهروب والتسلية، أكثر من التفكير واكتساب المعرفة. هذه الحقيقة، التي طالما استنكرتها النظرية الأدبية، تجد من جديد -وبشكل جدي للغاية- مروجين جددًا. وهكذا اقترح فانسان جوف، مؤلف «تأثير- الشخص» في الرواية، إعادة الشخصية إلى مركز عملية التواصل الأدبي. يرى ذلك المنظر الأدبي في تحديد الشخصيات أساسًا لعواطفنا الأدبية: «وذلك لأن هناك رابطة عاطفية تجمعنا مع وسيان دو ريبمري ونحن نتابع قراءة «الأوهام المفقودة»، نركز على الأسباب -النفسية والاجتماعية- التي تسببت في خسارته؛ وذلك لأن شخصيات بروست بدورها بالتناوب مغرية، غير سارة أو مسلية، بحيث نجوب بمتعة عالم البحث، وفي الوقت نفسه تقبُّل رؤية الحياة والفن التي تنعكس عنها. وتبدو عندئذ الرغبة في تفريغ الذات -ومن ثَمّ المشاعر- من التجربة الجمالية محكومًا
عليها بالفشل».
يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك، ونؤكد أن العواطف التي يُشعَرُ بها، والأحلام التي تتشكل خلال القراءة، يكون لها تأثير ليس فقط في فهمنا للرواية، ولكن أيضا في وجودنا. ولا يوافق القارئ بالضرورة تصرفاته مع تصرفات الشخصيات (حب ساديّ، ليس أن يصبح المرء ساديًّا، ودراسة ماكيافيلي لا تجعل المرء ماكيافيليًّا). لكن يمكن أن ينقل إلى حياته، المزاجية والعواطف والصيغ المستعارة من الرواية المفضلة. ظلت عبارة أوسكار وايلد، حول إحدى شخصيات بلزاك، مشهورة: «وفاة لوسيان روبمبري هي أعظم دراما في حياتي». ماريو فارغاس يوسا مؤلف معاصر، يؤكد بطريقته الخاصة: «حفنة من الشخصيات الأدبية أثرت في حياتي بشكل أكثر استدامة من عدد من الناس الذين عرفتهم». «نحن نعلم أيضًا أن فيرتر ل غوتي (1774م) دفع المراهقين إلى الانتحار، أو أن هيلواز الجديدة، لجان جاك روسو (1761م)، غيّرت التوازن العاطفي لعدد من الأجيال.
تأكيد الذات أو المواجهة مع الذات؟
ما الذي نبحث عنه إذن في هذه التجربة، التي تبدو أنها تزعزع الاستقرار؟ وما الضرر الذي يواجهنا؟ وهنا حيث نعود إلى تعدد المفاهيم الأساسية للنوع الروائي: كل شيء يتوقف على الرواية المختارة. تقدم لنا أشهر الروايات الشخصيات التي تشبهنا. قيمها هي قيمنا، وعواطفها تحدثنا، على وجه التحديد لأنها نمطية. هكذا تشجع تلك الروايات القارئ على معتقداته وتوقعاته. إنها آلية معروفة في علم النفس الاجتماعي: لأن الآخر يشبهني، فإنه يحميني. وهنا أنا محميّ ومطمئن من شخصية الرواية، التي أعتز بها في المقابل. وعكس ذلك، فبعض الروايات أوسع نطاقًا، تواجهنا مع غيرية راديكالية. نجد ذلك على سبيل المثال في حال «الأبله» لفيودور دوستويفسكي (1868م)، و«لوليتا» لفلاديمير نابوكوف (1955م) أو «الراعيات» لجوناثان ليتل. لم يعد يأتي الاهتمام مما ندركه بأنفسنا، ولكن على الأرجح مما نتعلمه من نصيبنا من الظل. من جهة، يسعى القارئ إلى تأكيد الذات؛ ومن جهة أخرى يبحث عن المواجهة مع الذات. وفي كل الحالات، يلاحظ فانسان جوف أن «الآخر في النص، سواء تعلق الأمر بالراوي أو بأحد الشخصيات، يرسل إلينا دومًا، عبر الانعكاس، صورة عن أنفسنا».
الغرض من هذا الملف هو تقديم تقرير حول تجديد مناهج الأدب، وذلك من جانب النظرية الأدبية، والعلوم الإنسانية كذلك. إن الاهتمام بالقارئ ودوافعه وخبرته -وليس فقط النص الأدبي- هو واحد من أكثر الأوجه حيوية. سواء كانت تصرّ على البعد المعرفي أو الأخلاقي أو العاطفي للقراءة، فإن تلك الأعمال تقطع صلتها مع الاعتقاد القديم. فالقراءة ليست فقط الحديث مع مؤلفين كبار في الماضي والحاضر. إنها تجربة فكرية. يتعلق الأمر باستقبال لغات أخرى وعوالم أخرى ورموز أخرى. ويتعلق الأمر كذلك باكتساب الشخصية معارف ومشاعر جديدة. فالتفاعل مع رواية هو تحديد موعد مع الذات.
المصدر: Article écrit par Héloïse Lhérété dans le magazine «Science Humaines».