العنصرية والعبودية وإسقاط تماثيل الرجل الأبيض هل نحن بصدد قراءة ثانية للتاريخ؟
من بين إحدى النتائج التي ظهرت في أوربا بسبب موت جورج فلويد والتظاهرات الأميركية الضخمة أن خلقت حركة جديدة، تريد أن تمحو وتقتلع من الفضاء العام المآثر التي نصبت على شرف وتماثيل رامزة للمستعمرين أو لتجّار العبيد. وهو الأمر الذي لم يكن ممكنًا الاعتقاد بحدوثه: حتى لو أن العظيم كريستوفر كولمبوس كان قد فُكّ نصبه كما جرى لتمثال صدام حسين، ببغداد من طرف الجماهير الغاضبة… لا يوجد قاسم مشترك بين هاتين الشخصيتين، إلّا إذا استثنينا السبب المباشر أو غير المباشر، في المعاناة المضاعفة والموت البشري!
إنّ حركة القوانين هاته، مع مناضلين ضدّ التمييز العُنصري وهي تقوم حاليًّا بجرد لائحة لكل تماثيل الفضاء العام التي ترمز (من وجهة نظرهم ضد التمييز العنصري) «إلى القمع الأبيض». يجب أن نعزو أسباب هذه النتيجة الرائعة والمدهشة حقًّا، في أوربا -هي إذن حركة قويّة جدًّا تُصَدَّر- لحركة الاحتجاج التي تلتْ موت جورج فلويد بالولايات المتحدة الأميركية، وقد قتله أحد أفراد شرطة «مينوبوليس» (بولاية مينيسوتا).
لقد أطلقَ مناضلو الحركة ضد التمييز العنصري بهذه الطريقة نقاشًا واسعًا عن الماضي الاستعماري والإمبريالي المخفي في البلدان التي سبق أن مارست تجارة الرقّ والاستعمار؛ للتنديد باللامساواة التي زادتها حدّة هذه الجائحة التي اكتسحت بنتائجها الصحّية والاقتصادية، العالم بأكمله، هذه السنة.
في إنجلترا، التي تُعَدّ أحد المراكز التي تشهد التحرك الأوربي فضلًا عن بلجيكا، فقد برهنت الإحصائيات بشكل واسع أن السُّودَ أو الأقليات الأخرى الإثنية قد شهدت وفيات بأعداد كثيرة بالمقارنة مع البيض الإنجليز، لا ننسى أن إنجلترا كانت تتوفر على أكبر إمبراطورية استعمارية لم تكن تغرب عنها الشمس قط، (اليوم وقد تحولت إلى دول الكومنولث) متبوعة بفرنسا. أما إسبانيا والبرتغال، وإيطاليا وألمانيا وهولندا، فقد اقتسموا بقية العالم. لن ننسى أبدا العبودية؛ عشرون مليون في تجارة الرقيق الأطلسية، تُوَجَّه نحو أميركا، قد صنعتها كذلك القوى المتاجرة في العبيد السود من طرف الإنجليز والفرنسيين…
انتزاع هذه القوانين يعني أن آثار الماضي هي فعلًا موجودة هنا، وأن آلام الناس لا تُنْسى؛ لأن الأجيال السابقة تموت: ولن تحمل معها الصدمات النفسية، العنف والقتلى. اليوم، نعلم أنه في ميناء بريستول في بريطانيا العظمى، قام مناضلون بشكل استعراضي برمي تمثال أحد تجّار العبيد إدوارد كولستون في الماء. ونقل الإعلام خبر انتشاله من البحر، يوم الخميس 11 يونيو الماضي من طرف مصالح البلدية، وسيوضع في مكان آمن، لكي يضاف إلى مجموع القِطع الموجودة بالمتاحف الإنجليزية.
وفي صباح اليوم التالي الذي فُكِّك فيه النصب، أوضحَ مارفين ريس -وهو من أصل جمايكي، عمدة مدينة بريستول في الجنوب الغربي لإنجلترا، بوصفه عضوًا في حزب العمّال البريطاني- أنّه كان يريد أن يترك للشعب حرّية اختيار اسم ذاكرة بول ستفنسن، هذا المناضل من أجل الحقوق المدنية، وهو الذي أطلق سنة 1963م بنجاح حملة مقاطعة حافلات بريستول الذي كان مسؤولوها ومالكوها يرفضون تشغيل سائقين سود، بسبب بشرتهم السوداء! يمكننا شرعيًّا أن نتساءل: لماذا نشعر بالحاجة إلى تجريم هدم نُصْب لأفراد كانوا يشترون ويبيعون الكائنات البشرية ويعرّضونهم للمجاعة، وللسرقة، والاغتصاب والموت بواسطة الأمراض، يعرضونهم للانتحار والأشغال الشاقة: من صلب هؤلاء السود كان نسل جورج فلويد، ولكي لا نخطئ، لم يغير أوباما وجه العبيد والسود في أميركا، أوّلًا، لأنه ليس ابن من نسل العبيد، والده كان كينيًّا جاء ليدرس بأميركا، وثانيًا، والدته كانت أميركية بيضاء. ولكي لا ننسى أن ملف تجارة الرقيق العربية لم يُفتح بعد…
يوجد بأُكسفورد تمثال سيسيل رودس، شخص إمبريالي عنيد وكبير المتعهدين المروِّجين وأحد المدافعين عما يسمّى التفوق البريطاني، حاول مجموعة من الطُلّاب المتظاهرين من الجامعة المرموقة أُكسفورد والمتحالفة مع فئة كبيرة من المناضلين ضدّ التمييز العنصري إزالة زخرف مدخل لوريال كوليدج.
في لندن، انتُزِعَ تمثال روبير ميليغن، تاجر الرقيق المشهور في القرن الثامن عشر، والمعروف بشغفه تجاه تفوّق العِرق الأبيض وعنفه تجاه العبيد، وقد تمّ ذلك في صمت يوم الثلاثاء التاسع من شهر يونيو الماضي، مع موافقة وقبول عمدة الحزب العمالي للمدينة صادق خان (من أصل هندي أو باكستاني، كانت الهند وباكستان مستعمرتين بريطانيتين) وسيُرسَل التمثال إلى متحف لندن Dockland.
قراءة ثانية للتاريخ
تمركز الحوار والنقاش، في إسكُتلندا، بغليسغا حول نُصْب ويليام الثالث ملك إنجلترا من أصول هولندية، إذ نُبِشَ في علاقاته بتجارة العبيد. أمّا في منطقة بول الواقعة في جنوب إنجلترا، فقد استُهدِفَ تمثال مؤسس المنظمة العالمية لحركة الكشّافة، روبير بادين باول- بينما اعترض على اختطافه عدد كبير من السكّان وغالبية المنتخبين المحافظين. بهذه الوقائع المدهشة حقًّا أصبحنا نشهد على الرغبة في قراءة ثانية للتاريخ. لم نكن قط نعتقد أن ذلك سيكون ممكنًا حدوثه… إن موقع (Toppletheracists. Org) قد عَدَّ أكثر من سبعين نُصْبًا وجب تفكيكها.
استحوذ المؤرخون والباحثون على سؤال الاستعباد، وتجارة العبيد والمستوطنين، حتى على النقاش المشتعل حاليًّا. إذا كان بعضٌ يرحّب بنجاح إعادة تملّك التاريخ الوطني لكل شعب، فإنّ الآخرين والمحافظين ينذرون بقدوم أخطار حقيقية على شكل حرب ثقافية مؤكدة . إنّ الأشخاص الذين طُلِب منهم نسيان جرائم كولستون، فقد طُلِب منهم أيضًا أن يحجبوا مشاكلهم الخاصّة التي سلّط عليها الوباء الضوء بشكل صارخ، حسب المؤرخ دافيد أوليسوكا، البريطاني من أصول نيجيرية.
أما المؤرخ الموثق ميكائيل وود فقد تساءل من جهته، لماذا وجب انتظار وقت طويل؛ لكي نجد أنفسنا في مواجهة واقعة أن الفضاءات العمومية والشوارع أصبحت مليئة بأنصاب تذكارية لشخصيات مسؤولة عن موت الآلاف من الناس. نحن، لم نكن نعرف بذلك، لقد كان من الأهمّية بما كان معرفة ما كتب عن الأنصاب التي فُكِّكتْ. على العكس من ذلك، اعتقد جوف بالمر المؤرخ بجامعة إدنبره أن هدم النُّصْب هو فعل عاطفي (انفعالي) لا يجيب عن المشاكل الحقيقية التي تطرحها العنصرية المؤسساتية. وهذا خطأ؛ لأن الرموز تؤثر دائمًا في إدراكنا للعالم وفي لا وعينا.
وعلى الخط الفكري نفسه نحت المنحى نفسه لويز ريشاردسون النائبة المستشارة بجامعة أُكسفورد؛ إذ زعمت أن هذه الجامعة وُجِدت منذ تسع مئة عام. وخلال أكثر من ثمان مئة عام، كان عمداؤها يعتقدون أنّ النساء لا يستحقون التعليم. لقد أخطؤوا، لكن يجب علينا أن نعيد الأشياء إلى سياقها الطبيعي. وهو ما يُعَدُّ تفسيرًا ذا طبيعة نسوية وليس إنسانية. بين عدم تعليم النساء، وجعلهن عبيدًا يُشترين ويُبعن، ويُفصلن عن أزواجهن وأطفالهن، حتى إن كانوا رُضَّعًا، فإنهن يُبَعن ويُشتَرين مرّة أخرى من طرف سيّد آخر، يُعرَضن عرايا في أسواق العبيد. كموضوع جنسي وكموضوع لاغتصابات دائمة، توجد هُوَّة كبيرة تجاوزتها السيدة «لويز ريشاردسون» بحماس مبتهج، من دون اعتبار ما كان عليه رعب الاستعباد والاستعمار…
إن حركة «المناضلين السود ضد التمييز العنصري» قد عَدَّها كلٌّ من بيكين وموسكو كنقطة ضعف خاصّة بالديمقراطيات الليبرالية، إنهما لم يتحققا قطْعًا -وهم واقعون في شباك النزعة الكليانية- ما يدركونه كضعف، بينما هو في الحقيقة يُعَدُّ قوة هذه الديمقراطيات.
متحف إسكتلندي للعنصرية
لقد دعّم الحزب العمالي حركة المناضلين السّود ضد التمييز العنصري، مع محاولة تنظيم عدالة القصاص؛ للعقاب على الجرائم المرتكبة. أعلن مئة وثلاثون مجلسًا بلديًّا لليسار أنّه سيعيد النظر في تراثه. دعا كير ستارمر، رئيس الحزب العمالي، إلى إصلاح البرامج من أجل تعليم أفضل لماضي تجارة العبيد. إن النواب الإسكُتلنديين وقفوا وأعلنوا خطابًا دعوا فيه إلى إقامة متحف إسكُتلندي للعنصرية.
بدأ النوّاب المحافظون في إظهار ردود أفعالهم، ضد الحركة الليبرالية، ضد العماليين! بعضهم اقترح تنحية التمثال الشهير لكارل ماركس في مقبرة هيغيت بلندن. وآخرون أرادوا أن ينصبوا تماثيل لرؤساء الوزراء ونساء البلد ووزراء المالية المنتمين للأقلّيات. اكتفى بوريس جونسون الوزير الأول بإدانة الـ«عنف» الذي لوحظ على هامش بعض التظاهرات. كيف سيكون رد فعله إذا كان مثاله السيد وينستون تشرشل قد يستهدف تمثاله من جديد؟ أمام وستمنستر، يوجد النصب النحاسي الثقيل للوزير الأول السابق، بطل المقاومة في الحرب العالمية الثانية، قد استُهدِفَ بالطلاء المرسوم بخربشة كتب عليها «عُنْصري» التي مُحِيتْ بسرعة، الأسبوع الماضي. قامت السلطات بتغطيته بصندوق كبير من المعدن؛ لتجنب غضب جديد.
خلال أيام معدودة، رأينا كيف أن الحركة المناهضة للتمييز العنصري قد أصبحت شعارًا كونيًّا يخترق العالم بأكمله، كل واحد يناضل من جهته كصاحب بشرة سوداء، بمعنى أن يُخْرج كلّ ما يُشْعِرُهُ بأنّه مضطهد بداخله. وصلت الحركة إلى بلجيكا حيث توجد بخاصة نصب وتماثيل ليوبولد الثاني التي استُهدفت هي بدورها في إطار حركة «تصفية الاستعمار من الفضاء العام» التي طالبت بها الحركات المناهضة للعنصرية. ولها الحق في ذلك.
امتدت حقبة حكم الملك من سنة 1865م إلى 1909م، المستعمِر المتحمّس القويّ للكونغو، التي جعلها ملكيته الخاصة قبل أن تستعيدها الدولة، وتصبح كونغو البلجيكية، ففي سنة 1908م، كان النظام الملكي القديم بالنسبة للبعض أحد بناة العبقرية، بينما بعضٌ آخر عَدَّه طاغية قام بالإبادة العرقية الجماعية. لقد فهمنا ميول الطرفين المتعارضين. يُعَدُّ ليوبولد داعمًا ومروّجًا على كل حال لمغامرة استعمارية سمحت لبلد صغير أن يملك أرضًا إفريقية شاسعة، شملت أيضًا من سنة 1920م إلى 1962 ، رواندا الحالية وبوروندي اللتين كانتا تحت الوصاية البلجيكية إلى حدود استقلالهما.
على العمال (هم أيضًا مرة أخرى) أن يقوموا بتنظيف الغرافيتي التي غطّت نُصْب ليوبولد الثاني، بعد مظاهرة ضد العنصرية ببروكسيل، يوم 11 يونيو. يجب الإشارة إلى أن الحركة المناهضة للتمييز العنصري جمعت ما يقرب من عشرة آلاف شخص، يوم الأحد السابع من يونيو، أمام قصر العدالة، ببروكسيل. في اليوم التالي للمظاهرة، اختفى نُصْب ليوبولد الثاني من جامعات مونس ولوفان، إن كلمتي «قاتل» و«عذرًا» زيّنت أنصابًا أخرى هنا وهناك. ففي إيكيرين، قريبًا من مدينة أنفيرس، حُمِل النّصب من طرف العاملين في البلدية، بغاية تجديده، حسب التفسير الرسمي، في الحقيقة كان الغرض من ذلك حمايته من الكتابات على الجدران (الغرافيتي) المحتملة، أو من المشاغبين ومن التوتّرات التي لم تهدأ في بلجيكا.
استعراض فرجويّ
ثمّة صورة معبّرة جدًّا، شُوهِدت كذلك على بعد خطوتين من القصر الملكي، في قلب العاصمة؛ تمثال عظيم للملك ليوبولد الثاني، موضوع على فرس مزهوّ (إنّ الأمر ليُعَدّ استعراضًا فرجويًّا أريد به الإشارة إلى عظمة بلد صغير بجغرافيته بفضل العظمة الهائلة لنُصْب ممتد على أراضيه… في إفريقيا!). هو الآخر قد دُنِّسَ عن طريق صبغه برسم أحمر، أي لون الدم. إنّ الملحمة الكولونيالية البلجيكية قد تكون سببًا حسب المؤرّخين، في موت ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين إفريقي. في كتابه «أشباح الملك ليوبولد» أشارالأميركي آدم هوشليد سنة 1998م إلى اختفاء عشرة ملايين ممن كانوا يسمّون بالسكان الأصليين.
ورغم ذلك أشار الملك الشاب بودوان، في سنة 1960م، في حقبة استقلال دولة الكونغو، إلى «عبقرية» سلفه الملكي، من دون كلمة اعتذار أو صَفْح بالنسبة للمستعمَرين الذين كانوا ضحيّة الدولة البلجيكية، ضحايا مباشرين لقمع شرس عسكري لشركات كبرى للمعادن والفلاحة التي كانت تستغل المطّاط خاصة، وهي شركات تملك ميليشيات مسؤولة عن الحفاظ على النظام، بالقوة، أو القتل إذا استدعت الضرورة ذلك.
يجب التذكير بأنه في سنة 2018م حدث هناك انزعاج كبير خلال الافتتاح الرسمي لـ«متحف إفريقيا»، بالجماعة الحضرية لترفيرن الموجودة في المنطقة الفلامانية. لم يكن الرئيس الحالي لدولة بلجيكا، الملك فيليب حاضرًا في ذلك المكان لأسباب بروتوكولية وأمنية. لم يعد هذا المتحف متحفًا خاصًّا بإفريقيا الوسطى، مع مئة وثمانين ألف قطعة محصيَّة، ليصبح مكانًا مخصّصًا للتاريخ الإفريقي، حيث يُتَحدّث فيه عن الذاكرة، والاستغلال، وعن حقبة عنصرية ولا أخلاقية. يذكرنا هذا المتحف بمتحف إثنولوجيا (علم الأعراق) برلين حيث يوجد ملايين الأشياء التي جيء بها من مستعمرات، بعضها عُرِضَ، وبعضها الآخر لم يُعرَض، نظرًا إلى عدد القطع الهائل… ومتاحف أخرى كثيرة موزّعة عبر العالم!
توبة متأخرة جدًّا
لم تهدأ التوترات في بلجيكا. لقد أثمرت عريضة موقعة لأكثر من سبعين ألف توقيع تطالب بتفكيك كل نصب يذكّر بالاستعمار. لكن هناك عريضة مضادة تطالب بنقيض ذلك والحفاظ عليها. لقد أعلن العمل الجماعي «ذاكرة استعمارية» بوصفه عملًا مناهضًا للعنصرية المناوئة خصوصًا للسود، بأنه لا يجب أن يكون الموضوع متعلّقًا بنكران الماضي الاستعماري، ولكن بفكّ استعمار العقول. إنّ مجرد فك نصب التماثيل قد يكون هو كذلك خطرًا إذا انتهى أخيرًا إلى نكران العلاقة بين هذا الماضي والعنصرية الواقعة اليوم. من الخطأ الاعتقاد أن العلامات، والتماثيل، والأعلام، والشعارات والأنصاب لا تخلو بالضرورة من عواقب وآثار سيئة على العقول؛ إذ يجب علينا ألا نحتفل بتخليد ذكرى رجال ونساء دمويين، لا أخلاقيين وظالمين. وعدت الحكومة الجمهورية في بروكسيل بالبحث عن خلق نُصْب تذكاري خاصّ بفكّ الاستعمار، يتخذ كل ذلك طابعًا لتوبة متأخرة جدًّا.
إنّ التأمّل في هذه المرحلة التي مُحِيت عمومًا وبشكل كامل من التاريخ البلجيكي (ومن كل التواريخ المتعلقة بالاستعباد والاستعمار، وهذا ما أشدّد عليه) وفي جميع الأحوال ينبغي له أن يمرّ عبر المدرسة، والإخبار، ونشر أعمال المستعمرين بأنفسهم (ولْنُحَيِّ في مرورنا هنا ألبير ميمي الذي فقدناه، تاركًا لنا كتابه الجميل «صورة المستعمر» الذي وضع مقدمة له جون بول سارتر). يجب علينا أبدًا ألّا نتحدّث عن حقبة مجهولة بكل بساطة، كما يزعم ذلك أناس فاسدون «غير نزهاء» فكريًّا. لقد أنجز باسكال بلانشار في فرنسا عملًا رائعًا عن المسألة الاستعمارية بكاملها، مؤرخ مختص بالتوثيق، فهو متخصص في حقبة الإمبراطورية الفرنسية. في الواقع، يجب فك استعمار العقول سواء بالنّسبة للمستعمِرين أو للمستعمَرين؛ لكي يتمكّن التاريخ من إصلاح كل الحقائق، بما فيها تلك المختفية بخجل، حقائق بناء قوة العالم الأبيض الغربي، على الاستعباد والاستعمار.