«سيدات القمر» لجوخة الحارثي.. تنسج صورة معقدة، فطنة، مشحوذة، وممتدة بدقة عبر أجيال كبريات الصحف العالمية كتبت عنها
ما إن فازت الكاتبة العمانية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية، عن روايتها «سيدات القمر» (ترجمة مارلين بوث) كأول كاتبة عربية تحوز الجائزة المرموقة، حتى أفردت لها كبريات الصحف الأجنبية مساحة لافتة، فتارة تنشر مقالات ومراجعات نقدية عن روايتها الفائزة، وتارة أخرى حوارات معها.
هنا ننشر ترجمة لمقتطفات مما نشرته بعض كبريات الصحف:
الكاتبة الفائزة بجائزة المان بوكر العالمية تناقش تحطيم الحواجز في عمان
Ellen Peirson-Hagger
النيوستيتمان
جوخة الحارثي هي أول امرأة عُمانية تُترجم روايتها إلى الإنجليزية، وأول كاتبة عربية تفوز بجائزة المان بوكر العالمية. وسيدات القمر هي ثاني رواية تكتبها امرأة في عُمان. نشرت رواية «سيدات القمر» عام 2010م بعد رواية «منامات» عام 2004م، إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية وكتاب واحد للأطفال. التقت في إدنبره الأكاديمية الأميركية مارلين بوث، نُشرت ترجمة بوث للرواية عام 2018م تحت عنوان أجرام سماوية. على الرغم من أنها ليست رواية ضخمة الحجم، فإن للرواية بنية معقَّدة، تحوك فصولًا صغيرة من قصص شخصيات عديدة، تبدأ من ثمانينيات القرن التاسع عشر حتى اليوم الحاضر. تدور أحداث رواية سيدات القمر في قرية «العوافي» أثناء التَّمدن السَّريع في العقود القليلة الماضية، عندما برزت سلطنة عمان بوصفها دولة غنية بالنفط. تلفت الكاتبة عنايتها إلى شخصيات هنَّ نساء شابات مكبَّلات بين التقاليد القديمة- الزواج، إنجاب الأطفال، شؤون تدبير المنزل- وبين الحريات الحديثة الممنوحة لهنَّ في العالم الواسع- التعليم والسَّفر. رواية الحارثي الثالثة «نارنجة» الصادرة عام 2016م سوف تترجم أيضًا إلى الإنجليزية.
لماذا على جميع الأميركيين قراءة رواية «سيدات القمر»
Carrie Mullins
إلكتريك ليتريتشر
فازت رواية سيدات القمر تأليف جوخة الحارثي بجائزة المان بوكر العالمية كونها صوَّرت تصويرًا فنيًّا جميلًا تاريخًا عائليًّا متشابكًا في قرية «العوافي» في سلطنة عُمان. تقفز رواية سيدات القمر أو أجرام سماوية بحسب النسخة الإنجليزية منها، جيئة وذهابًا بين الزمن ووجهات النظر، مبتكرة صورة منسوجة معقَّدة لقرية العوافي في ريف سلطنة عُمان خلال آخر خمسين عامًا. أحد أثار هذا العدد الكبير من الشخصيات هو أن الرواية تصبح تصويرًا للبلد المتغير سريعًا، بقدر كونها تصويرًا لعائلة واحدة. تُظهر الحارثي تأثير هذا التَّمدن في كل جيل، ولا سيما الشُّبان الممزقين بين تقاليد عائلتهم ورغباتهم الخاصَّة. عبر السنين اتصلت عمان حتمًا بأثر الغرب، وهذا ما تُقره الحارثي من خلال سرد تفاصيل، على سبيل المثال صلة الشخصية الثرية بالعطور الغربية والسَّيارات. لكن سيدات القمر لا تصور أبدًا تطور عُمان على أنه تجاه القيم الغربية تحديدًا. بدلًا من ذلك هناك تقدم لثقافة البلد الأصلية التي تظل جذورها الضَّاربة عميقًا في الأرض في قلب المجتمع.
سيدات القمر
روث فرانكلين
النيويورك ريفيو أوف بوكس
الرواية المروية في فصول قصيرة، بضع صفحات غالبًا، تتغير فيها وجهات النظر فيما بين شخصيات متعددة، ملحمة عائلية تتمدد عبر مدة تزيد عن مئة عام، بدءًا من آخر أيام تجارة الرقيق التي جلبت الأفارقة الشَّرقيين إلى الخليج وانتهاء بالصِّراع المعاصر بين الجيل الشَّاب من العُمانيين وبين آبائهم التقليديين. يمكن أن توصف بنية رواية سيدات القمر على أنها أشبه بالمتاهة، مع شخصيات تعود أدراجها على دروب متشابهة مرارًا وتكرارًا وتعيد سرد قصص قديمة من وجهات نظر متغيرة، أو تتذكر آثام الماضي بعد الحصول على معلومات جديدة. هناك أسرار مظلمة في قلب المتاهة، لكن ليست فكرة الرواية بالضرورة العثور على الطريق إليها-يظل مقدار كبير حول عقدة الرواية خفيًّا. بدلًا من ذلك، تحوك الحارثي نسيجًا من حيوات متشابكة، شوهد بعض منها على مدار السنين، وبعضها الآخر يمر بالضبط بلحظة مفردة لاذعة.
«أجرام سماوية» تفوز بجائزة المان بوكر العالمية
ألكس مارشال
النيويورك تايمز
رواية توثِّق لعدة أجيال، منذ العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر حتى السنوات الأولى في الألفية الجديدة، تميِّز الرواية أيضًا تصورًا مبتكرًا لملحمة العائلة. تتفادى الحارثي سهولة ترتيب الحوادث المتوانية انحيازًا للعشرات من دراسات الشخصية المحكمة، غالبًا لا تتجاوز صفحة أو اثنتين: ملاكو العبيد الظلام والسَّبايا اللاتي يربين أطفالهن، مرضى بهوس السَّرقة وثرثارون، سيدات أعمال بدويات واثقات، شعراء عنيفون، تجار السِّلاح، أمهات خرافيات وخالات طويلات القامة حتى إنهن «أشبه بمآذن هيكلية». تلك الصور الموجزة فطنة، مشحوذة، وممتدة بدقة عبر أجيال عديدة ، مراوغة بقدر كونها مثيرة للذكريات.
رواية عمانية تعرض الزواج ومآسيه
كتب جيمس وود
النيويوركر
تظهر قدرة الشَّكل اللافتة على التَّكيف بشكل بارع في رواية سيدات القمر، وهو عمل روائي دقيق من تأليف جوخة الحارثي وهي كاتبة عمانية وأكاديمية فازت الترجمة الإنجليزية التي أنجزتها مارلين بوث بجائزة البوكر العالمية. تروي سيدات القمر القصة الدقيقة والمعذّبة لعدة زيجات تعيسة. ولو أنها ليست رواية عن فجور أنثوي- فالخيانات الزوجية المروية جميعها ذكورية-إلا أنها تنشغل انشغالًا كثيفًا بتجربة شخصياتها الأنثوية التعيسة. تدور أحداث الرواية في أغلب الأحيان في قرية عُمانية- تعيد هذه الرواية التركيز على نوع من البؤس الزوجي الذي أحيا سابقًا التقليد الأوربي الأدبي.
مع أن أحد فتوحات الكتاب البارزة هو أن الحارثي شيدت الشَّكل الروائي الخاص بها ليتناسب مع متطلباتها التقليدية الدقيقة. سلطنة عُمان، بلد صغير غني بالنفط كان في حالة انتقال سريع منذ سبعينيات القرن العشرين. فرضيات قديمة وطموحات حديثة تتعايش ليس بتناغم دومًا.
تمنح الكاتبة كل فصل، في تناوب طليق، لصوت شخصية واحدة، وبالتالي تمنح في كتابها أهمية لما يجيش في داخل الأنثى المعاصرة، وتستوعب تنوعًا من رؤى عالمية مختلفة للغاية. تبدو بنية الرواية الشكلية في البداية أنها تعين رئيسًا باعتباره النجم المفضل لمجموعة من أجرام سماوية أنثوية: عبدالله يتحدث إلينا بضمير المتكلم، الشخصيات الأخرى غالبًا جميعها من النساء معبر عنها صوتيًّا بضمير الغائب. سيدات القمر رواية زاخرة بكثير من الحكايات وتشمل عدة أجيال لكنها في حقيقتها هي قصة ثلاث أخوات مخذولات بالزواج مية وأسماء وخولة. مونولجات الحارثي المكتوبة بضمير الغائب تعهد الرواية إلى مركز زمني محكم- قصة موت، رحلة قصيرة، دفن. سيدات القمر كتبتها من خلال تقليد شعري إلى حد كبير، امرأة دارسة للشعر العربي الكلاسيكي يبدو أنها تتحرر من السرد كما هو مفهوم عمومًا في الأدب الغربي القصصي. القفزات والانحرافات أقرب إلى الشِّعر أو الأسطورة أو الأغنية من الرواية بحد ذاتها. مع ذلك هذه الحركات الشعرية تؤدي دور نهايات روائية بالتأكيد. منظورية الحارثي، دورة أصوات متميزة ومعزولة غالبًا، تسنُّ بشكل طبيعي السُّبل التي يمكن بها للناس، ولو على امتداد جيل، امتلاك مستويات مختلفة للغاية من الفهم والمعرفة.
تربط الرواية بغير إحكام حكايات متميزة ومراحل زمنية تعبر بفاعلية عن مجتمع هو عبارة عن مجموعات من القديم والجديد، أخبار مأثورة وتراث، تتصادم مع مطامح وخبرات حديثة كليًّا.
يتحدث الشَّكل ببلاغة. بالفعل إن المتعة البالغة جراء قراءة رواية سيدات القمر هي أن تشهد على رواية تجادل من خلال الكمال المتحقق لشكلها، في استقصاء من نوع ما لا يمكن إلا للرواية انتهاجه حقًّا. القدرة على التحرك بحرية عبر الزمن، السبيل المميز إلى الخصوصيات الجريحة لكثير من الشخصيات، التنوع المدهش للكائنات الحية عبر مجال ضيق نسبيٍّا، الموجات الصادمة عندما يصعد جيل مثل ألواح معمارية، إزاء جيل آخر، الأسرار والزلات والقمع، حميمية وتاريخية في آن، بالفعل، قوة استكشاف هو سياسي دومًا وحميم دومًا -ها هي الرواية التي تتفوق على نفسها، مثبتة نفسها لهذه المهمة بتغيير ليس مفردات عملها، بل شكل المهمة.