مثقف مسرحي مهزوم ومستلب
الحديث عن المسرح والمسرحيين يأخذنا إلى التمييز بين نوعين من المثقفين، كمدخل وحديث عن سؤال المسرح اليوم ودوره ووظيفته؟ فعبر المسار التاريخي تتشكل في حياة البشر ثقافتان. ثقافة وطنية شعبية تنتمي للحياة بمعناها وبعدها الإنساني الرحب، وهي مرادف لحركة الإنسان وسلوكه ونشاطه وسعيه الدائم في الوجدان. هي الذاكرة الجمعية ورصيد الخبرة البشرية، وزبدة التاريخ الإنساني.
وثقافة أخرى تقف على النقيض، وتعمل على تدمير قيم الثقافة الشعبية الوطنية؛ كي تبني لنفسها صرحًا ظلاميًّا على أنقاض الثقافة الإنسانية الناصعة، وعبر المسار التاريخي كان الصراع ولا يزال محتدمًا بين هاتين الثقافتين. الثقافة الوطنية التي تستنهض من الماضي ما هو حيّ ومتوهج وعفوي، وتنتفع من مخزون الخبرات والقيم الشعبية، وتفتح بوابات الابتكار والإبداع والإضافة من أجل إطلاق كل الطاقات البشرية، وثقافة أخرى مسلطة كحد السيف. زائفة مفسدة قامعة لفعل النهوض والتحرر، وتعمل على استنبات ما يرسخ التبعية للآخر المتفوق، وتستنهض من الماضي أشباحًا موتورة تقبض أنفاسنا وتنشب أظافرها لتمزيق أرواحنا.
صراع حاد ما نشهده اليوم بين بشر ينتمون لأنفسهم، وآخرين يعملون على تهشيم الكرامة وثلم الشرف الإنساني، وتفريغ البشر من مضامينهم الآدمية.
صراع حاد بين مثقف مبدع مسرحي وطني، مندغم كليًّا في قضايا وهموم وأفراح وآلام أُمَّته ووطنه، ومثقف مسرحي مهزوم مستلب ومُصَنَّع سياسيًّا عبر أنابيب اختبار المؤسسات الثقافية النقيضة.
من هذا التمايز يتجلى دور المثقف المسرحي في الدفاع عن ثقافة أُمَّته. هذه الثقافة التي تمثل الركن الأساسي في حياته وتكوينه كإنسان، وحصن الدفاع الأخير حين تسقط الحصون الأخرى.