بواسطة بوغنجور فوزية - ناقدة جزائرية | مايو 1, 2024 | كتب
رواية «منّا، قيامة شتات الصحراء» للروائي الجزائري الصدّيق حاج أحمد الزيواني، الصادرة عن دار الدواية للنشر والتوزيع، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العالمية للرواية العربية لعام 2023م، تقدّم سرديّة عميقة عن الصحراء ومأساتها، وتنفتح في مطلعها على كرونولوجيا المأساة لتصوّر لنا وقائع الجفاف الذي عانته مناطق واسعة من جنوب الصحراء، وتحديدًا شمالَيْ مالي، حيث تقطن قبائل الأزواد، وحيث تمتد ثقافتهم الطارقية والحسّانية إلى جنوب الصحراء الجزائرية. هذه المنطقة المنسية، أو المجهولة عند الكثيرين، يجعل منها الروائي مسرحًا لأحداث روايته، ومادة يؤثّثُ بها نصه بتفاصيل كثيرة تحملنا لنتعرف إلى جنوب الجنوب، وهامش الهامش، كما تتيح لنا معايشة المأساة المزدوجة التي عاشها الأزواد، أين تحالفت قساوة الصحراء والطبيعة الجدباء مع الظروف السياسية القاسية التي عانَوْها.
الرواية تقدّم خريطة أنوماستيكية غنيّة، تزخر بأسماء الأشخاص والأماكن والممارسات الثقافية اليومية، حيث تنبش عميقًا في ثقافة الطوارق، والثقافة الحسانية، عاداتهم، قبائلهم، معيشهم اليومي. ولذلك فالرواية نحت أركولوجي يمتح من عمق جنوب الصحراء المجهول، الذي يدهشنا، بحكم أنّ هذه الرواية عربية، وتنتمي للأدب العربي الذي يرتكز عادة على بيئات الشمال الإفريقي والشرق الأوسط والخليج العربي، وتحديدًا المدن. نكتشف مع الزيواني شسوع وعمق الجزائر العربية، التي كنّا نظنّ أنّنا نعرفها، ثمّ نكتشف أنّنا نجهل الكثير عن صحرائها والثقافات الكثيرة التي تتقاطع فيها وعندها.
سرديّة الصحراء وطقس الفاجعة
تضعنا الرواية منذ استهلالها في سياقات الفاجعة، يَسِمُها الروائي بالقيامة، ويجرّ القارئ مباشرة ليقف على أهوالها في تصوير حي يجعل القارئ يعطش في الأثناء، يتحسّس حرّ الصحراء، وجفافها، ويسمع أنات العجوز لولة، ويرقب حركة الموت الذي ينتقل بين الناجين ليحصدهم نَفَسًا نَفَسًا، مساوٍ في ذلك بين البشر وأنعامهم. تستمد رواية «منّا» ميزتها من هذه البيئة المختلفة التي تغوص بنا في أعماقها، حيث لا تقف عند العتبات بل تلج بنا أعمق، لتقدّم لوحات مختلفة يجهلها الكثيرون منا، لوحات عن اليومي، ولوحات أخرى تؤرّخ لأحداث كبرى رسمت حدود الصحراء اليوم، ثقافاتها المتعدّدة، ما يصدم معرفتنا المتواضعة والنمطية عن الصحراء الشاسعة، موطن الدفء والشمس والجمال.
يغوص الكاتب بمقدرة الخبير في ذوات الشخوص، ويرسم معيشهم اليومي الذي تسمه الصحراء بجلافتها، وقسوتها. وفواجعها أيضًا. ولكنّه أيضًا يبرع في تصوير اختلافهم الإثني واللغوي، فتصبح اللغة المختلفة واللهجات المتعدّدة طابعًا مميّزًا لعمل الزيواني، الذي يشحن الرواية بزخم من أسماء الأماكن: تقْمارتْ، أنْمكنْ، تاغليتْ، تيلمسي، كيدال، إنوكّر، تبَنْوكورَتْ، والأشخاص: لولة، تين البركة، عثمان، غسمان، بادي، علواتة، أخمادو، إلّي، والإثنيات: تيلمساوي، أدغاغي، إدناني، الشمنمّاسي ص 112، الإفوغاسي ص117، حتى يثقل أحيانًا الرواية، ويضيّع في بعض المواضع حركيتها وانسياب الأحداث فيها.
يستعير الزيواني في تسريد نصّه من الحكاية كثيرًا من تقنياتها، فيبدو كأنّه يتوسّل من بيئة النص بعضًا من ملامحه، فيختار تقنيات الحكي التي تشعر القارئ بأنه في حلقة سمر وحكي، ولذلك يتوشح النص بالكثير من ملامح الحكايات، كمخاطبة المتلقي مباشرة بصيغ تراثية تذكرنا بأسلوب المقامة التي تتكئ على أساليب تتغيّا الإمتاع والمؤانسة: «في حدود الساعة السابعة صباحا… فيما أزعم…» ص73، «زاد هذا التوق شهوة أصحاب الأزواد بمن فيهم بادي بالمركوبة اليابانية الساحرة، سيدة ذوات الأربع، الغزالة، لالّة التويوتا، عظّم الله ذكرها وكثّر سلالتها ونسلها في بوادي الأزواد كما يحلو للقوم تقريظ مدحها» ص 115-116، وقد يكون غرض الكاتب استثارة انتباه القارئ/السامع «ولا تحسبنّي غافلًا عن يوميّات التعذيب بالمعتقل، إنّما أخّرته حتّى يبقى عالقا بذهنك أكثر، فالأمور تُعرف بالخواتم…» ص 102، أو لتأكيد صحّة قوله باستخدام صيغ مختلفة، ومنها القسم: «بعدها عرفت بسالة إلّيْ، لعلّ مردها إلى ثلاثة أمور والله أعلم…، وعملنا المنكر في أنفسنا من أجلها، دون أن نشعر ههه.. أي والله.. جريا خلف سراب الوطن الموعود» ص 74.
قطع حكائية متناثرة لأزمنة مختلفة
يقدّم الصديق حاج أحمد في نصّه أزمنة مختلفة ينتقل بنا فيها تباعًا، ليرسم في النهاية عالمًا مكتملًا يحيلنا إلى واقع الهيمنة التي ترزح تحتها شعوب مختلفة، لا تنتمي للجغرافيا نفسها ولكنها تشترك في المصير ذاته؛ لذلك لم يشكّل الانتقال الجغرافي للأبطال فرقًا يذكر في مصايرها، أو تحوّلًا في مسارها، بل كان تكريسًا لأزمة متعدّدة: التبعيّة، القهر، ظنك العيش الذي يعانيه الفرد، ويعانيه قطاع كبير من الشعوب، وليس الجنوب سوى عامل إضافي لتعميق هذه التبعية، المعاناة والقهر.
تتوزّع أزمنة الرواية على النحو التالي: زمن الجفاف والهجرة والشتات، الأسر في جنوب لبنان، زمن الهجرة إلى ليبيا وحلم الوطن المستقل (الأزواد). ولكن الرواية لا تركّز على سرد الأحداث والتحوّلات السياسية، ولا تنخرط ضمن الرواية السياسية، بل تحافظ على صلتها الوثيقة بتفاصيل اليومي الذي يعايشه الرباعي: بادي، علواتة، أخمادو، إلّي، وما تعكسه هويّة كل واحد منهم. فيصبح جفاف 1973، والصراع على السلطة في شمالَيْ مالي، وانخراط القذافي في سياق الصراع لإقامة دولة الأزواد كلها حكايات يسردها الراوي العالم تارة، ويسند الحكي لأحد الشخصيات تارة أخرى لتحكي في مجملها، وعمقها ذاك الاختلاف والتنوّع الذي يصبح السمة الغالبة لصحراء الجنوب. إنّنا نطالع لوحة غنية وعميقة في تفاصيلها الهوياتية والإثنية أكثر من مطالعة صراع سياسي. حتى حين عرّجت الرواية على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد ركّزت على تقديم لوحات للخيم وما تحويه من هويات متنوّعة: العراقي، اللبناني، السوري، المسيحيون، الشيوعيون، مركزة على محاولة الرباعي التوافق والتعايش مع هذه الهويّات، وأيضا حرصهم الشديد على إشهار انتمائهم؛ لذلك تصبح قطعة البروكار شعارًا طارقيًّا يتداوله الرفاق الأربعة، ويتناوبون على رفعه/ إشهاره، والتبرك به.
لغة الرواية وتعدّد اللهجات
تركّز الرواية في جانب مهم منها على إظهار التنوّع الثقافي واللغوي لجنوب الصحراء، فيصبح النص حكائية ثرية بهذه الثقافات المتعدّدة، ولهجاتها المختلفة. فقد حرص الزيواني على توطين الرواية ونقل الكثير من المحكي المحلّي إلى النص، مع الترجمة، والشرح، والتفسير اللغوي أحيانًا لتوضيح مواطن الإقلاب، أو المفارقة مقارنة بالعربية الفصيحة. ولكن يبدو أنّ ذلك قد شكّل عاملًا سلبيًّا في مواضع معيّنة من الرواية لسببين رئيسين؛ أولاهما أنّ الإكثار من إيراد الملفوظات المحلية والأسماء الكثيرة قد يشكل فهمه للقارئ العربي عمومًا، وتصبح الرواية صعبة التلقّي، وتحتاج تركيزًا عاليًا لاستيعاب كل ذلك دفعة واحدة. أمّا الأمر الثاني، وهو الأكثر تأثيرًا، فيتعلّق باختيار الكاتب للغة تراثيّة لا تتناسب مع رغبته في توطين الحكاية، حيث تصبح لغته العربية الكلاسيكية القوية غير مناسبة لحديث الشخصيات التي لا تفهم العربية.
فنجد بادي وسوخا يتحدّثان بلغة فخمة: «في الحقيقة ولمن هو في حالنا، حسب قول بادي.. تصادقت عليه وحشتان..» ص97، «يقول سوخا رفيق بادي إلى ليبيا، القذافي له شكولاتة شهدة المذاق.. الأكيد أنّ خلطة هذه الطبخة اللذيذة انتقى عطورها وتبّل فوحة قدرها سعيد القشّاط كليم القذافي» ص 125. والكثير من الألفاظ والصيغ على شاكلة كليم تأتي على لسان الشخصيات الأعجمية التي لا تفهم العربية كما تخبرنا الحكاية.
كما أنّ الشخصيات تتحدث بمستوى لغوي واحد، وأسلوب واحد، بل تغلب الصنعة في مواطن كثيرة من النص، وهو ما يضيّع انفعالية اللحظة الحيّة، وحركيتها وديناميكتها. وقد يوقف السرد فقط ليسترسل في وصف لا يخدم الحدث بأي صورة، وهو ما يجعل القارئ يحسّ أنّ رجليه انغرزت في الرمل وباتت مقيّدة، وأنّه بالكاد قادر على الحركة.
بواسطة بوغنجور فوزية - ناقدة جزائرية | نوفمبر 1, 2018 | دراسات
تستحضرُ كل كتابة روائية الآخر وتستبطنه بطريقة أو بأخرى، ضمن أشكال وقوالب تختلف حسب اختلاف أطُر توظيفها، فكلّ ذات تعتمد في وجودها على آخر، تُعبِّر من خلاله عن مكوّنات شخصيتها ومميزاتها الوجودية. إنّ الخيط الواصل بين الأنا والآخر المُشكِّل لمساحة التفاعل بينهما هو الذي حدّد مسار الرّواية العربية في طَرْقها لموضوع الآخر، فكان تأنيث الآخر- وإقحامه في علاقة جنسية مع الأنا في موطنه– البداية الكلاسيكية لوعي الذات العربية بالآخر وفق تصورٍ نمطي مُوغِل في السّطحية، غارقٌ في رغبات الأنا المكبوتة التي وجدت طريق تحريرها في الكتابة الروائية. هذا الإفراغ الفني كان انعكاسًا للواقع الذي مثَّل فيه الغرب للذات العربية موضوعًا رُغِب فيه ورُغِب عنه 1، ونموذجها -نكاد نقول- الوحيد الذي ساد فعمّ واستُنسخ، فمن «الحيّ اللاتيني» إلى «قنديل أم هاشم» إلى «موسم الهجرة إلى الشمال» تكرّر النموذج وأعيد الطرح نفسه مكرِّسًا محدودية الوعي بالآخر وقبلا الوعي بالذات.
الرواية الجزائرية المكتوبة باللّغة الفرنسية
لقد استطاعت الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية تجاوز كلاسيكية الطرح الذي أشرنا إليه واتَّجهت -في مقابل ذلك- نحو تقديم نصوص حقّقت التميّز في المضمون فضلًا عن الشكل، فإن كان التميُّز من ناحية الشكل واضحةٌ علاقتُه باللّغة، ذلك أنّ هؤلاء الروائيين قد أفادوا –بفضل اللّغة التي امتلكوها- من تطور الرواية الأوربية عامّة والفرنسية خاصّة، فإنّ التميز من ناحية المضمون يرجع في جانبٍ كبيرٍ منه إلى هذه اللّغة نفسها.
رغم هذا فإنّ معظم الدراسات النقدية العربية التي تطرح إشكالية اللّقاء بالآخر تبدو متمركزة حول ذاتها، ولا سيما منها الدراسات المشرقية؛ إذ تختزل الإبداع الروائي العربي وإثارته لموضوع الآخر في مجموع رواياتٍ محدّدة، من دون الالتفات لباقي الأعمال العربية خاصّة منها المغاربية، رغم ما توفِّرُه هذه الأخيرة من تميُّز في طرحها لموضوع الآخر شكلًا ومضمونًا، وما تقترحه من غنًى في العلاقات التي تثيرها وما يَتبَع ذلك من تميّز في آليات الإبداع، وإن وَجدَت هذه الدراسات مُبرِّرَ تجاهُلِها للأعمال المغاربية في لغتها الفرنسية، واعتبارها أعمالًا هجينة، فإنّ هذا التجاهل الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم -رغم ظهور أعمالٍ متميزة كتبت باللّغة العربية- لا مُبرِّر له، اللهمّ إلّا هذا التمركز الشّديد حول الذات.
استطاعت الرواية الجزائرية المكتوبة باللّغة الفرنسية أن تُشكِّل نموذجًا متميزًا في طرحها للآخر كنمط فكري مُجانب للأنا، ويجد الباحث في هذه الرواية نماذجَ ثرية وتجاربَ خصبة تنوّع فيها وعيُ الأنا بالآخر وتعدَّدت مستوياتُه، فحضور الآخر في هذه الرواية يُطالعنا عند عتبات النّص ويمتدّ إلى داخله، فالكاتب استبدل بلغته الأم لغةً تحمل ذاكرتَها الخاصّة وتاريخها، اللذين يمتلكان ثقلًا يمارس سلطتَه غير الخفيّة على مُستعمِل هذه اللّغة الأخرى، فإلى أيِّ مدًى يمكنُه أن يقاوم المنظومة القيمِية التي تمتلكُها هذه اللّغة عن ذاتها وعن الآخر المُختلِف عنها؟ يُطرح هذا السؤال ونحن نقارب عملًا روائيًّا كتبه صاحبه بلغة الآخر، ويتعلّق الأمر برشيد بوجدرة، الذي كتب لسنوات طويلة باللّغة الفرنسية قبل أن يتحوَّل إلى اللّغة العربية، وقد اعتمدت رواية «الإنكار» كمدونة بحث إذ كانت أول رواية كتبها المؤلف ونشرها في فرنسا سنة 1968م، واختيارُها تحديدًا ليس مقتصرًا على كونها الرواية الأولى لصاحبها فحسب -مما يوفر مجالًا واسعًا للكثير من الأطروحات التي تعتمدها المقاربة الموضوعاتية التي اخترناها منهجًا لهذه الدراسة- بل لكونها أساسًا كُتبَت باللّغة الفرنسية ونُشرَت في فرنسا، وهو ما يُعتبر واحدًا من المعطيات التي يرتكز عليها هذا البحث في طرقه لموضوع الآخر.
تعني الكتابة بلغة الآخر افتراضًا كونَ الآخر هو المتلقي الأوّل للنّص الأدبي، ولأنّ الكاتب يُخاطِب الآخر فإنّ هاجسه حتمًا سيكون إبراز صورة الأنا بطريقة لافتة ومتميّزة، هذه الطريقة التي تحتمل إمكانيات تجسيد مختلفة ومتضادة أحيانًا تُراوِح بين الإغراء والتشويق الكرنفالي من جهة، وبين التعصُّب للأنا والتضخيم الأسطوري لها من جهة أخرى، وهو ما يعطي هذه الكتابة ميزة خاصة.
رشيد بوجدرة
هذا التميّز الذي نفترضه مسبقًا هو أكثر هواجس هذا البحث؛ إذ يقودنا إلى التساؤل عن تأثير هذه اللّغة في مضمون الرواية ولا سيما في كتابتها للآخر، ألم يكن لهذه اللّغة سلطة على الكاتب؟ وفي حالة الإيجاب، كيف تضافرت سلطة هذه اللّغة مع سلطة المتلقّي لوسْمِ هذه الكتابة بسمات خاصّة؟ وبم اختَلفَت هذه الرواية -المكتوبة باللّغة الفرنسية- عن مثيلتها المكتوبة باللّغة العربية في طرقها لموضوع الآخر؟
لقد وُضِعت هذه الرواية في ظرفٍ استثنائي إذ إنّها تُكتَب للآخر وبلغة الآخر، بكلِّ ما تحمله هذه اللّغة من رموزٍ ودلالاتٍ لها خصوصيتها الحضارية، فماذا ستكتب إذًا عن الآخر؟ وكيف ستُقدِّمه؟ وفي سياق موازٍ كيف ستُقدِّم الأنا؟ وبماذا ستُعبِّر عنها؟ يلِج بنا هذا الطرح إلى داخل النّص الروائي لنبحث عن الآخر وحضوره، وسماته، ومُمَيِّزاته، ودلالات هذا الحضور، ولعلّ الأهم في كلّ ذلك علاقة الأنا المفترضة به، وطبيعة هذه العلاقة، فهل ستكون علاقة تأنيث وتجنيس مثلما رأينا في الرواية العربية؟ أم أنّ الطرح سيختلف والحضور سيتأسّس ويتنوع وفق مستوياتٍ أخرى خاصّة إن اخترنا التّركيز على الآخر/ الأنثى؟
يبدو أنّ حضور الآخر كشخصية فاعلة في هذه الرواية هو واحدٌ فقط من مستوياتِ حضوره المتعددة -مع ملاحظة أنّ كون الآخر ظاهرًا في الرواية بدوره يتفرع ليُعطِي صورًا مختلفة، وبالتالي دلالات تتنوَّع بين المرأة والرّجل والسائح والمستعمر- بل لعلّه المستوى الأبسط، فقد يكون الآخر مُستبطنًا في فكر الكاتب، حاضرًا كمجموع قيمٍ وأفكار ومبادئ على أساسها يُقيّمُ الروائي مجتمعَه وينتقدُ ذاته، وهذا النقد تحديدًا هو الذي يُحيلُنا إلى مدى حضور الآخر، فكلّما تكثّف هذا الحضور وتزاحمت في فكر الكاتب صورُ الآخر/ المثال/ القيمة (valeur) كان هذا النقد عنيفًا مؤلمًا يصل إلى حدّ الاغتراب عن عوالم الذات. فهل هذا ما يجعل رشيد بوجدرة يكتب عن المجتمع بهذا الاغتراب، فيبدو النّص كأنّ الآخر هو الذي ينظر ويقيّم ويحكم؟ كيف انسحب هذا الحضور على اللّغة وبأي سمات وسمها؟ ثمّ كيف أسهمت سلطة كلّ من اللّغة والمتلقي في تعميق هذا الاغتراب؟ وما هي الدلالات الفنية والجمالية التي سيحمِلُها هذا الطرح ويسِمُ بها خطابه الروائي؟
إن كان الكاتب وهو يكتب عن الأنا للآخر يتكئ على «الحافة الفاصلة بين ثقافتين… يقف في ملتقى النّهرين عند مُجمَّع الذاكرة مراوحًا بين التّعرية والتّغطية»2، فهل اختار رشيد بوجدرة تعرية الأنا وواقعها؟ وما الآليات التي التمسها لتحقيق ذلك؟ وكيف قدّمها للآخر بموروثها مُتعدِّد الروافد من تاريخ إسلامي وتراث شعبي؟ لقد حاول المستشرقون قبلًا رسم الشرق فجاءت صورهم موغلة في الغرائبية، مُحمّلة بكل ما هو عجيبٌ، خرافي ومبهر -بغض النّظر عن حقيقة الصّورة أو واقعيتها- والحال أنّ كُتّاب الرواية ذات التّعبير الفرنسي يؤدُّون العمل اليوم نفسه، المتمثِّل في تقديم الأنا للآخر وبلغة هذا الآخر، فإنّ السؤال الذي يُراوِد دارس هذه الرواية هو: هل استطاع كُتّاب هذه الرواية -ومنهم رشيد بوجدرة- أن يُجانِبوا هذا التصوّر الغرائبي للشرق؟ أم أنّ اللّغة استطاعت فرض منطقها؟ أم هي سلطة المتلقّي والرغبة في إشباع نهمه بهذه الصور؟ أم أنَّهم (كتّاب الرواية ذات التعبير الفرنسي) استطاعوا تجاوز ذلك نحو الغوص في التّاريخ العربي الإسلامي وتقديمه على حقيقته بما له وما عليه، من دون الوقوع في شرك التقييمات الذاتية التي تحكمها العاطفة، التي تؤدي إلى أحكام متطرفة في هذا الاتجاه أو ذاك؟
هذه بعض هواجس البحث في الخطاب الروائي لرشيد بوجدرة، الذي أسال الكثير من الحبر وشكّل موضوعًا تطرَّفَت حوله الأحكام، فقد قرِئ بشغف وحقد، يثيران في الباحث الفضول لمعرفة خلفية هذا التّضاد حوله، ليس محليًّا فقط بل عالميًّا، فعند رشيد بوجدرة تبدو الأسئلة من قبيل: ماذا قال عن الأنا والآخر؟ ولماذا اختار تلك الطّريقة تحديدًا؟ ملحّة ومغرية، وبخاصّة إن رأينا أنّ هناك مقولات معيَّنة تتكرّر في أغلب أعماله الروائية. كما لا يمكن تجاهل المكانة التي حظي بها عالميًّا، التي انعكست من خلال ترجمة أعماله للغات مختلفة وانتشارها الواسع، وهو ما يؤهلها لأن تُشكل مجالًا خصبًا للبحث والدراسة -ولا سيما- إن تعلّق الأمر بالبحث في موضوع الآخر، الذي يُثار حتى قبل ولوج النّص، بدءًا من اللّغة إلى النّشر، وإن كانت هذه الرواية –والرواية المكتوبة باللّغة الفرنسية عمومًا- قد أثارت من قبل جدلًا نقديًّا حادًّا حول لغتها، فإنّها اليوم تثير جدلًا لا يقلّ حدّة من خلال مضامينها، وهذا البحث واحد من مخلفات الفتنة التي تمارسها هذه الرواية، تاركة في نفس قارئها العادي -فضلًا عن المُتخصِّص- عددًا من الفجوات النّصية والمفاتيح التي تقود لأكثر من سؤال.
صورة الآخر/ الأنثى
تُشكِّل الأنثى في هذه المدونة آخرَ يتمايز حدّ التضاد أحيانًا مع الذكر، ولهذا فإننا سنستعمل مصطلح الأنثى بدل المرأة؛ لأنّ الرواية تحفل بهذه الثنائية، ثنائية الذكر/ الأنثى، التي تَسْتتبِعُ بدورها ثنائيات أخرى : العبد/ السيد، القوي/ الضعيف، إلى غير ذلك من أشكال التضاد التي يرصدها المُؤلِّف بدقة3، فالمرأة خادمة، ممتهنة، مملوكة والرجل سيِّدٌ آمِرٌ يملك زمام أمره وأمرها معًا.
لا يبدو أنّ هذه هي الصورة الوحيدة للأنثى في هذه الرواية، فثمّة صورة أخرى تبدو أكثر إشراقًا يوظِّفها الكاتب ليُبيِّن واقعًا مظلمًا -حسبه- تعانيه الأنثى الجزائرية، ويمكن القول: إنّ حضور الأنثى في هذه المدونة يتوزَّع على مستويين اثنين يختصران نظرة المؤلِّف ويختزل رؤيته، فهناك الأنثى الغربية التي تبدو طرفًا مكمِّلًا للذكر، لا تتعامل معه إلّا من موقع النِّد الموازي والمكافئ له، فيما يَظهَرُ أنّ الأنثى الجزائرية على النقيض من ذلك.
صورة الأنثى الغربية
يثير الحديث عن حضور الأنثى الغربية في الرواية العربية مجموعة من الصور في ذهن القارئ، التي راكمتها الإبداعات الروائية العربية، ومن بعدها القراءات النقدية، فقد سادت نظرة كلاسيكية تقوم على تجنيس علاقة الشرق بالغرب وتأنيث هذا الأخير، ففي «أكثر هذه الروايات التي تطرح من زوايا مختلفة مسألة علاقات الشرق بالغرب، تَنزِع الإشكالية الحضارية إلى أن تتلبَّس طابعًا جنسيًّا صريحًا»4. وفي استقرائهم لهذا التجنيس تبنَّى النقاد نظريتين اثنتين، أولاهما فسَّرته على أنّه تعبير عن الكبت والحرمان في المجتمع العربي بسبب «الأيديولوجيا الأبوية الحنبلية التي تشدُّ على خناق العلاقات بين الرجل والمرأة»5، فالشرقي «الذي افتقد المرأة في مجتمعه، ولم يعانق منها –عندما كان يعانقه– سوى شبحها، لم ير أحدًا في الغرب سوى المرأة الغربية»6. هذا الحرمان والكبت –حسب هذه القراءات– ضاعفه الإحساس بالقهر نتيجة الاستعمار العسكري قديمًا والاقتصادي حديثًا، وكتعويض عن هذا «الجرح النرجسي الأنثروبولوجي»7، حاول المثقف الشرقي –بطل هذه الروايات– أن يلوذ «بماضيه الحضاري الذي يفترض فيه أنه يُنِمّ هو الآخر عن رجولة»8. أما ثانية القراءتين فقد اعتبرت الصورة المكرسة للأنثى الغربية محاولة لجعل «المرأة الأوربية رمزًا لمادية الغرب…[فهم] ينزعون انطلاقًا من هذه النظرية إلى استخدام المرأة الأوربية لتمثيل المادية الغربية المزعومة»9، فـ«البطل العربي الذي كثيرًا ما يختبئ المؤلف وراءه في هذا النوع من الروايات –وهو يُحكِّم موروثه التربوي وأيديولوجيته المتزمتة غالبًا- يُدِين المرأة الغربية، بقصد أو بدون قصد، لأنَّها تَقْدِر على فعل المحظور، وتقعُ خارج إطار موافقة المؤسسة الاجتماعية أو الدينية»10، فأيٌّ من هاتين القراءتين ينطبق على توظيف رشيد بوجدرة لصورة الأنثى الغربية؟
تتعدد مستويات توظيف صورة الأنثى الغربية في رواية «الإنكار»، ومن ثمّ تتعدد دلالات هذا التوظيف، فسيلين هي المروي لها أو القارئ الضمني، وهي شخصية متخيَّلة داخل السرد «إذ يتمَوْضَع داخل النص بهدف الوقوف عند خصوصيات النص اللغوية والأسلوبية، وما يكتنفه من أبعاد اجتماعية وتاريخية»11، هذه الأبعاد الاجتماعية والتاريخية التي على أساسها يُخاطِب الروائي قارئه المفترض.
لا يَقِف دور سيلين عند الاستماع لحكاية رشيد الراوي/ المبدع، بل يتعدَّاه إلى إقامة علاقة جسدية، ولكن هذه العلاقة لا تُحاوِل إشباع نهم الراوي وعطشه، إذ إنّه يعيش في مجتمع يُتِيح له فرصة واسعة لقضاء حاجته، كما أنها (سيلين) لا تبدو مطية يركبها المبدع لإدانة الغرب وماديته، بل على العكس من ذلك يبدو المجتمع الجزائري بمجموع أفراده –رجالًا ونساء على حد سواء– هو الغارق في الشهوة12.
فسيلين/ المرأة الأوربية قد خلَّصت الجنس من «النظرة الأخلاقية، وأصبح حاجة إنسانية وعملية بيولوجية طبيعية»13، وأصبحت «كائنًا حيًّا له ما للرجل من حقوق»14، ولهذا نراها تُقِيم علاقة متكافئة15 مع الراوي، ليس جسديًّا فحسب بل نفسيًّا أيضًا، إنَّها تقوم بدور لم تضطلع به الأنثى الجزائرية في هذه الرواية، أفلم يُهيَّأ لسيلين وعي يجعلها تفهم وتدرك ما يجري حولها ويحررها من جسدها، عكس الأخرى التي ظلت ترزح تحت أشكال متنوعة من القهر16؟ إنّه مجتمع تحكُمُه عقلية لا يمكن للأنثى أن تأمن فيه، وإن كانت مسلحة بثقافة وتحرر كذاك الذي تملِكُه سيلين، التي يخاف عليها أحيانًا من أن يحدث لها ما حدث لبنات جنسها في بلده17.
صورة الأنثى الجزائرية
يرى رشيد بوجدرة أنّ «الفكر الديني والكبت الجنسي لم يَكُفَّا في المجتمع الجزائري عن البروز في أعتى وأعنف مظاهرهما، وهو الأمر الذي شكَّل عبر تاريخ المجتمع الجزائري انسدادًا أمام القوى الإنتاجية للمرأة، وعيها، عقلانيتها، حركيتها التاريخية»18. فإن كان الفرد عمومًا يُعاني في هذا المجتمع قهر سلطات مختلفة: دينية، اجتماعية، سياسية، فإن هذا القهر يتكثَّف ويتضاعف حينما يتعلَّق الأمر بالمرأة، ممَّا يجعلها «ترزح تحت عبءٍ ثقيل من العقد والمركبات»19، فهي منذ الأزل مقهورة بيولوجيًّا20، قهرها الدين وظلمها وسلبها أدنى حقوقها.
تكريسًا لهذه المقولة نجد أنّ الراوي يُركزُ على مدار الرواية على ثنائية الأب/ الأم، فإن كان الأب هو الصورة المختزلة لكل السلطات الدينية والسياسية والاجتماعية، فإنَّ الأم هنا تكثفُ صورة المرأة المُغْتَصَبة حتى من طرف زوجها، ولذلك راح رشيد بوجدرة يبدي التزامه الدفاع عنها، إنها –حسبه- «مهضومة الحقوق من طرف الرجل العربي… هذا إلى جانب العنصر العقائدي الذي له يد فيما لحِق بالعنصر اللطيف من إهانات، فهو (رشيد بوجدرة) ينظُر إليها نظرة استعطاف… وهذا باعتبارها كائنًا إنسانيًّا يُؤثِّر ويَتأثَّر… لذلك يَصِفُها في تجاربه الإبداعية بنزعتها ومزاجها وطرق اتصاله بالناس»21، فهل يكون الدفاع عن المرأة بتصويرها كمُتعة للقارئ سواء المحلي أو الغربي؟
يقول سليم بوفنداسة: «وما زاد من تعلُّقِي وتعلُّق أصدقائي التلاميذ22 في تلك الفترة به (رشيد بوجدرة) هو الجنس، نعم لقد غذَّى حرمانَنَا الجنسي…كنا أطفالًا، وكان يمتلِكُ القدرة العجيبة على صوْغِ كوابيسنا في إنشاءٍ يقوم على الفضح والصَّراحة»23.
وهذا ما يُعِيد طرح السؤال مجدَّدًا عن توظيف رشيد بوجدرة للجنس بشكل كبير في كتاباته، فالقول السابق يتعارض مع ما ذهب إليه محمد ساري واحد من الأكاديميين الجزائريين الذي يرى أن بوجدرة «لم يتناول الجنس كغاية في حدِّ ذاته، مثلما تناولَه الأدباء العرب عمومًا لإثارة حواس وأحاسيس القارئ»24. تُعتبَر المرأة والطفل «الحلقة الاجتماعية، النفسية الأكثر دقَّة وحساسية، والأكثر كشفًا عن عورات المجتمع وتناقضاته»، إنّ المرأة «أفصح الأمثلة على وضعية القهر بكل أوجهها… في وضعيتها تتَجمَّع كلُّ تناقضات المجتمع… فهي أكثر العناصر الاجتماعية تعرضًا للتجنيس في قيمتها على جميع الصُّعُد: الجنس، الفكر، الإنتاج، المكانة»25.
رغم ذلك فقد تحاشى رشيد بوجدرة الفرصة التي يمنحُها له توظيفه لصورة الأنثى، مُفضِّلًا عدم التطرُّق للأبعاد الاجتماعية والنفسية لهذا القهر، فحتى الأم لم يكن هاجسه إظهار معاناتها إلّا عرضًا26، فهل كان الجنس هو هاجسه الوحيد؟ أم إنها طبيعة روايته السير الذاتية، التي «يصعب إخضاعها لمنطق قراءة عقلانية صارمة… إذ يتداخل فيها الواقع والرغبة، العقل والمخيلة، الإمكان والكبت»27؟ لا تقتصر دلالات حضور الأنثى الجزائرية في الرواية على ما ذكرنا، فلم يكُن القهر ولا الكبت ولا الإثارة هو ما أطَّرَ صورة هذه الأنثى، إنما يُضاف لكلِّ ذلك تلك العوالم التي حفلت بها الرواية، إنها «أسرار الحريم المغرية»28، التي لطالما سحرت المستشرقين وأغرتهم باكتشاف الدار الكبيرة، جلبة النساء، هواجسهن وخلجاتهن، طقوسهن29، كل تلك الأشياء لا بد أن تضفي على النص إثارة تُغرِي قارئًا غربيًّا مُتعطِّشًا لكلِّ ما هو شرقيٌّ يعبقُ بسحر «ألف ليلة وليلة».
خاتمة
إنّ حضور الآخر في هذه المدونة يُطالعنا منذ البداية من خلال اللّغة التي اختارها الكاتب، فمن خلال هذه الدراسة بدا لنا أنّ لغة الإبداع عند رشيد بوجدرة تتجاوز كونها إرثًا استعماريًّا، أو مجرد وسيلة إبلاغ لا تأثير لها في المضمون، لتصبح عاملًا حاسمًا في تحديد الموضوعات التي تطرّق لها؛ إذ إنّ اختيار اللّغة الفرنسية اختيارًا طوعيًّا بعيدًا من الظروف التي فُرضت على كُتّاب غيره في مرحلة الاحتلال، يستتبع توجهه المقصود لقارئ بعينه هو القارئ الفرنسي، ويُكرِّس هذا المُعطى نشره لروايته في فرنسا.
لقد عمل هذا الحضور على وسم الرواية بميزات خاصّة تمثلت في المضامين التي اختارها الكاتب، فالآخر ينتظر صورة مشوّقة عن الأنا الجزائري/ المسلم، التي يجب أن توافق ما رسمه لها قبلًا في ذاكرته المحمّلة بصور نمطية، لقد بدا حضور الآخر وظهر تأثيره بشكل جليّ من خلال الصور التي قدمها بوجدرة عن الأنا، إنّها صور نمطية راكمتها واحتفظت بها الذاكرة الأوربية منذ قرون، فالجزائري/ المسلم ظهر في هذه المدونة بتلك الصورة التي كرستها ألف ليلة وليلة، صورة الرجل الشهواني الجشع الذي لا همّ له إلّا إشباع غريزته الجنسية. لم تكن هذه هي الصور الوحيدة التي ينتظرها القارئ الأوربي، بل ينتظر أيضًا صورة الشّرق السّاحرة، حرارة الصّيف وعبق ليالي رمضان، الشّرق الذي لا يمكن تصوره من غير تلك الطقوس الدينية والخرافية، التي تشبع فيه حبَّه لعوالم كلّ ما هو عجيب وغريب، ولهذا نجد بوجدرة يعيد الكثير من المقولات التي تُشكِّل حقيقة مركزية في منظومة القارئ الأوربي الفكرية، وتُعيد رسم الصورة النمطية نفسها التي يحملها الآخر عن الأنا، التي ترسخت تاريخيًّا منذ الحروب الصليبية، وشكّلت رصيدًا أدبيًّا أثر في تناول القارئ لنص رشيد بوجدرة.
كرَّست أعمال بوجدرة من خلال مضامينها الصادمة للجماعة العداء ضدها، حتى في أوساط الناس البسطاء، وفي أحسن الأحوال التحرج من تناولها، حيث عملت على انتهاك المقدس وتحطيم كلّ ما يرمُز لمقومات الأمّة، ولا سيما حين يتعلّق الأمر بما يسمى الثالوث المحرم: الدين، الجنس، السياسة؛ إذ شكّل هذا الثالوث في الغالب الموضوع الأثير والأكثر عُرضةً للخرق في نصوص بوجدرة، مع ما يستتبعه من توظيف لصورة المرأة. فلم يكن من الغريب أن نرى صورة الأنثى عند بوجدرة متماشية مع هذا الخرق والهدم الذي يمارسه، ومكرسة للصورة التي يرسمها لمجتمع يراه متخلّفًا ومتشبثًا بفكر بدائي، يؤمن بالسّحر والخرافة، هذا القول ينسحب أيضًا على الصّورة التي رسمها الكاتب للأب والإمام والحاكم، إنّهم على اختلاف مستوياتهم صورة لفكر واحد. ولكنّ صورة المرأة شكّلت التكثيف الذي يرسخ ويعمق تلك الصور كحقائق ثابتة ولا سيما إن ارتبطت بصور مقابلة للأنثى الغربية تضيء أكثر وفق مفهوم المخالفة والتضاد صورة الأنثى الجزائرية.
المراجع
– الإنكار: رشيد بوجدرة، ترجمة صالح القرمادي – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر ط1/ 1984م.
– البحث عن النقد الأدبي الجديد: محمد ساري –دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع– لبنان ط10/ 1984م.
– الغرب المتخيل، صور الآخر في الفكر الإسلامي الوسيط: نور الدين أفاية – المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ط1/ 2000م.
– سلطة النص: بن خليفة مشري– منشورات رابطة كتّاب الاختلاف الجزائر ط1/ يوليو 2000.م
– نحن والغرب: كلثوم السعفي – مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله للنشر والتوزيع تونس 1992م.
– أزمة الأجيال العربية المعاصرة، دراسة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: فوزية الصفار – مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله – تونس/ 1980م.
– مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، من التأسيس إلى التجنيس: نجيب العوفي- المركز الثقافي العربي بيروت لبنان ط1/ 1987م.
– الصوت الآخر، الخطاب الجوهري للخطاب الأدبي: فاضل ثامر– دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 1992م.
– شرق وغرب، رجولة وأنوثة، دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية: جورج طرابيشي– دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت لبنان ط3/ 1982م – ط1/1977م.
– صورة الآخر، العربي ناظرًا ومنظورًا إليه: الطاهر لبيب وآخرون – مركز دراسات الوحدة العربية بيروت لبنان ط1/ 1999م.
– رشيد بوجدرة في ضوء المؤثرات الأجنبية، معركة الزقاق نموذجًا: قادة مبروك رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في الأدب المقارن تحت إشراف بن عبدالله الأخضر– جامعة وهران– قسم اللغة العربية وآدابها 1996/ 1997م.
– الصراع الحضاري في الرواية العربية: بوجمعة الوالي – رسالة ماجستير – معهد اللغة والأدب العربي جامعة الجزائر 1993/ 1994م إشراف واسيني الأعرج.
– مجلة الاختلاف، دورية ثقافية عن رابطة كتاب الاختلاف – الجزائر عدد1/ يونيو 2002م.
– مجلة الثقافة س16ع93/ مايو – يونيو 1986م.
– مجلة جامعة دمشق للأدب والعلوم الإنسانية – المجلد 18 ع10/ 2002م.
– وقائع الملتقى الدولي «رشيد بوجدرة وإنتاجية النّص»، وهران أيام 09 – 10/ إبريل 2005م – تنسيق محمد داود منشورات CRASC 2006م.
الهوامش
1- استعرت هذا التعبير من كتاب «نحن والغرب»: كلثوم السعفي – مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله للنشر والتوزيع – تونس 1992م، ص 05 .
2- عين النقد على الرواية الجديدة – مرجع سابق ص 32.
3 – الرواية ص 83.
4- صورة الأخرى في الرواية العربية، من نقد الآخر إلى نقد الذات في «أصوات» لسليمان فياض: جورج طرابيشي – ضمن كتاب صورة الآخر: الطاهر لبيب وآخرون – مرجع سابق ص798.
5- شرق وغرب، رجولة وأنوثة، دراسة نماذج في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية: جورج طرابيشي – دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت لبنان ط3/ 1982 ط1/ 1977 ص10.
6- صورة الأخرى: جورج طرابيشي – مرجع سابق ص798، وهذه النظرة تكرست في دراسات نقدية عديدة، انظر مثلًا أزمة الأجيال العربية المعاصرة، دراسة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: فوزية الصفار – مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله – تونس 1980 ص102 ، وانظر أيضًا: الصراع الحضاري في الرواية العربية: بوجمعة الوالي –رسالة ماجستير– معهد اللغة والأدب العربي جامعة الجزائر 1993/ 1994 إشراف واسيني الأعرج ص43-47-49-95 .
7- المرجع السابق ص798.
8- شرق وغرب، رجولة وأنوثة: جورج طرابيشي – مرجع سابق 11.
9- صورة المرأة الأوربية في روايات شكيب الجابري: أحمد سيف الدين – مجلة جامعة دمشق للأدب والعلوم الإنسانية – المجلد 18 ع01/ 2002 ص63.
10- صورة المرأة الأوربية في روايات شكيب الجابري: أحمد سيف الدين، ص67.
11- الصوت الآخر: فاضل تامر. ص131.
12- الرواية ص9- 19- 71 -87 .
13- أزمة الأجيال العربية: فوزية الصفار. ص121 .
14- المرجع السابق ص121 .
15- الرواية ص15 .
16- يظل الراوي في كل مرة يرصد صورًا تؤكد –حسبه– المرتبة الدنيا للمرأة في المجتمع والقهر الذي تعانيه، انظر الرواية ص36-39 – 62-83.
17- الرواية، ص 09.
18- هاجس الحداثة في تجربة رشيد بوجدرة الإبداعية، رواية ليليات امرأة آرق نموذجًا: عبدالوهاب بوشليحة– ضمن كتاب رشيد بوجدرة وإنتاجية النص– مرجع سابق ص15.
19- أزمة الأجيال: فوزية الصفار. ص121.
20- الرواية، ص 10.
21- رشيد بوجدرة في ضوء المؤثرات الأجنبية: قادة مبروك – مرجع سابق ص24 ، وهذا ما تذهب إليه أيضًا عايدة أحمد بامية؛ إذ ترى أن بوجدرة في رواية «الطلاق» يبدي «عطفًا كبيرًا على النساء الجزائريات… لأنهن ضحايا نظام اجتماعي جائر»، انظر كتابها تطور الأدب القصصي. ص220.
22- أركز هنا على كلمتي «تلاميذ» و«أطفال»؛ لأنها قد تضيء جانبًا من حقيقة الجمهور الذي يتوجه إليه رشيد بوجدرة ، ولا سيما المراهقين منهم، لأسباب تتعلق أساسًا بالمضمون الجنسي الذي تحفل به رواياته، ويطرح بالتالي السؤال عن حقيقة ثورته ودعواه وهدفه… وما إلى ذلك من التعابير التي استعملت كثيرًا في القراءت النقدية التي تناولت كتابات رشيد بوجدرة.
23- بائع كتب كلفني بقتل بوجدرة: سليم بوفنداسة – مجلة الاختلاف – مرجع سابق ص35.
24- البحث عن النقد الأدبي الجديد: محمد ساري – دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع – لبنان ط10/ 1984 ص132.
25- مقاربة الواقع: نجيب العوفي. ص261 .
26- لا تحرك فينا معاناة الأم شيئًا، إذ صارت ركامًا من العقد النفسية، بل الأكثر كانت صورة كاريكاتورية ساذجة أكثر منها امرأة تعاني القهر وترتقي لدرجة تمثيل معاناة جنس بكامله، عكس ما حاول نقاد كثر إلصاقه برواية بوجدرة .
27- الغرب المتخيل: نور الدين أفاية. ص212 .
28- صورة الجزائر في الأدب الفرانكفوني 1830/ 1962م، ظهور الجزائر المفاجئ كموضوع في الأدب الفرنسي: محمد صالح دمبري ترجمة حسن بن مهدي – مجلة الثقافة س16ع93/ ماي – جوان 1986 ص85 .
29- الرواية ص 18 -36 -38 -42 -58 -68 إلخ.