الفخار والفخارون في منطقة جازان
وتزخر المملكة العربية السعودية بأنواع مختلفة من المصنوعات التقليدية المختلفة عامةً، والمصنوعات الفخارية التقليدية خاصةً، ومنطقة جازان واحدة من مناطق المملكة التي تشتهر بصناعاتها الفخارية. ولتعرّف صناعة الفخار في منطقة جازان لا بد من إلقاء الضوء على جغرافيتها، وحياة ناسها الاقتصادية والاجتماعية؛ لما لذلك من ارتباط وثيق بالسكان، وطريقة حياتهم ومعيشتهم.
صناعة الفخار في منطقة جازان
اشتهرت منطقة جازان منذ القدم بصناعة الفخار التقليدي؛ إذ كان مجموعة من الفخاريين في المنطقة يلبّون احتياجات سكان المنطقة والمدن المجاورة من المنتجات الفخارية المستخدمة في حياتهم اليومية. ومع أن صناعة الفخار بدأت في الانحسار؛ بسبب غزو الصناعات الحديثة أسواق المنطقة، إلا أنه ما زالت هناك قلة يمارسون هذه الصناعة اليدوية، ويسوّقون منتجاتهم في أسواق المنطقة المحلية وعلى طرقات المنطقة الرئيسة؛ فالفخار في منطقة جازان إرث تاريخي وتراثي عريق يمتد أكثر من 300 عام.
ويعدّ الطين الذي تجرفه السيول، ويتجمع في الأودية، المادة الرئيسة المستخدمة في صناعة الفخار؛ لما له من خصائص تميّزه؛ كاللدونة التي تساعد على تشكيله بسهولة، إضافةً إلى احتوائه على العناصر الكيميائية اللازمة. وتختلف الطينة المستخدم في الفخار المحلي حسب المنطقة وتربتها، وتنقسم إلى قسمين، هما:
– الطينات الأولية: وهي الطينات التي توجد في أماكن نشأتها؛ إذ تبقى في مكان الصخر المتحلّل، ويعدّ هذا الطين المتبقي أقلّ لدونةً من الطين الرسوبي؛ لذا يصعب استعماله في صناعة الفخار.
– الطينات الثانوية (الصلصال): وتعدّ الطينة الثانوية الأساس في صناعة الفخار في منطقة جازان، وهي الطينات التي تنقل بعيداً من مكان الصخور التي نشأت منها بفعل عوامل النقل من رياح أو مياه جارية، وهو ما يُعرف بالطين الرسوبي، ويمتاز بنعومته واكتسابه خاصية اللدونة التي تساعد على تشكيله وزخرفته، وهي طينة حمراء قوية متماسكة، وبسبب تكويناتها الكيميائية فإنها تتحمل الحرق عند درجة حرارة عالية؛ إذ يُجلب الطين من الأرض الزراعية المنخفضة (الخبت) بواسطة الحفر بعمق نصف المتر؛ للحصول على كتل كبيرة متماسكة وملساء، مع أهمية عدم أخذ الطين المترسب حديثاً من السيول أو الطين الهش الناعم القريب من سطح الأرض لعدم صلاحيته.
طرائق تحضير العجينة الفخارية
تتكوّن المادة الخام للعجينة الطينية المستخدمة في صناعة الفخار من ثلاثة عناصر بنسب متساوية، هي: التربة، والشوائب، والماء، وهو ما يعني أنها عجينة متجانسة، وقابلة للتشكيل والزخرفة، إضافةً إلى خلوها من الجيوب الهوائية والمسامات. وتختلف طرائق تحضير العجينة تبعاً لخصائص المادة الطينية المتوافرة القابلة للتجهيز والخالية من الأحجار والشوائب، وتتم -في العادة- على ثلاث مراحل، هي:
– المرحلة الأولى: وتعدّ من أهم المراحل، وفيها يعتمد الفخارون على التربة الناعمة النقية من دون إضافة مواد خارجية، وقد يلجأ الحرفي في فصل الصيف إلى إضافة نوع من التربة الخشنة لتقوية المسامات.
– المرحلة الثانية: ويتم فيها تجهيز الطينة في المكان المخصّص للعجن على قطعة من القماش (كيس من الخيش)، مساحتها لا تقلّ عن متر أو متر ونصف المتر مربع، وترشّ التربة بالماء على مراحل، ثم يعجنها مساعد الفخاري بقدميه، ويستمر في العجن حتى تختلط الطينة جيداً وتصبح ناعمةً ولزجةً، وتعتمد المدة الزمنية لمرحلة العجن على درجة لدونة العجينة المطلوبة.
– المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التقطيع (التكبيب)، وفيها يتم تقطيع العجينة إلى قطع متفاوتة في الحجم حسب الحاجة السوقية. ومن الحرفيين من يعجن كمية كبيرة من الطين تكفي أسبوعاً، ثم تغطيتها بغطاء بلاستيكي يحول دون جفافها، أو يتم جمعها في شكل كتلة كبيرة تغلّف بغطاء بلاستيكي عدة ساعات أو إلى اليوم التالي حتى تتحسّن خواصها، وتزداد لزوجتها (لدونتها). وبعد أن تكون الطينات جاهزةً يشرع الحرفي في عمليات التشكيل باليد أو باستعمال الدولاب أو بالقالب، تتلوها مرحلة الزخرفة التي تكون بالإضافة، أو بطريقة الحز، أو برأس المسمار، ثم مرحلة التجفيف إلى أن تصبح معدةً للحرق في أفران تقليدية.
تقنيات التشكيل
تتعدد طرائق تشكيل الأواني الفخارية التي تعتمد على قوة يد الفخاري ومهاراته الأدائية. ولتعدد أنواع الطينات، واختلاف مواصفاتها، من حيث صلابتها، ولدونتها، ومساميتها، وتحملها الحرارة العالية، فإنه يتوجب على الفخاري معرفة مواصفات الطينة التي ينوي العمل بها، ومدى صلاحيتها للتشكيل والزخرفة، تتلوها مرحلة تجهيز الطينة، وتقطيعها إلى كتل يستخدمها الفخاري في عمليات التشكيل والزخرفة، مستخدماً إحدى الطرائق الآتية:
– التشكيل على القرص المقعّر: وتشتهر قرى جازان بهذه الطريقة التي تعدّ الأقلّ تطوراً من طريق الدولاب؛ بسبب افتقارها إلى الدوران السريع كالدولاب الذي يساعد على سرعة تشكيل الإناء وإتقانه، ويتم التشكيل بها باستخدام قرص مستدير ومقعّر مصنوع من الطين المحروق، ومثبت على قرص حديدي يسمى (المصنع)، متّصل بعمود من المعدن مثبت على قاعدة قرص حديدي يُدار بحركة اليد على مستوى القرص المقعر فوق طينة مفروشة ليسهل تحريكه باليد، وهذه الطريقة تصلح لإنتاج الآنية الصغيرة في حجمها؛ مثل: الفناجين، والحيسيات.
– التشكيل على قاعدة محدبة (قعر الجرة): ويكون الإناء في هذه الطريقة ثابتاً على الجرة في جميع مراحل التشكيل، بينما يدور الفخاري حوله. وتشبه هذه الطريقة طريقة التشكيل على القرص المستخدمة في مدينة القنفذة، وتختلف عنها في أن الفخاري يظلّ جالساً في مكانه، والإناء هو الذي يدور على القرص المقعر. وقد لُوحظ أن الأواني المصنوعة بطريقة التشكيل على الجرة في منطقة جازان على مستوى من الدقة والإتقان وحسن التنفيذ تضاهي مثيلاتها المصنوعة على الدولاب في سائر مناطق المملكة مع أن هذه الطريقة تعدّ بدائيةً مقارنةً بالطرائق الأخرى؛ بسبب ما يتمتع به الفخاري من مهارة وإتقان. وهذه الطريقة تصلح لتشكيل الآنية الكبيرة التي تستعمل للطبخ وحفظ المياه؛ مثل: الميفه، والبلبله، والزير.
– التشكيل بالعجلة (الدولاب): وتعدّ من أفضل الطرائق المستخدمة؛ بسبب سرعة التشكيل، وجودة الأداء، وكثرة الإنتاج. ويتكون الدولاب من عمود من الحديد مثبت بقرص، ومتّصل من أسفله بمسمار مثبت فيه قرصان: علوي، وسفلي، القرص العلوي كبير ومصنوع من الخشب، والقرص السفلي مصنوع من إطار السيارات. ويوضع الدولاب داخل حفرة خاصة، فلا يظهر منه فوق سطح الأرض سوى القرص العلوي فقط، ويثبت على فوهة الحفرة بواسطة عارضة خشبية، ويجلس الفخاري على طرف الحفرة، ورجلاه إلى داخلها؛ ليدير القرص السفلي بقدميه، فيدور بذلك القرص العلوي الذي توضع عليه كتلة الطين المراد تشكيلها. وتستخدم هذه الطريقة في إنتاج الفخاريات الصغيرة؛ مثل: الفناجين، والمباخر، والآنية.
حرق الفخار
تحتاج الفخاريات بعد جفافها إلى الحرق؛ لتصبح فخاراً صالحاً للاستعمال، ويتطلب ذلك وضعها في أفران تقليدية خاصة ذات درجات حرارة عالية قد تتجاوز 1200 درجة مئوية. وفي منطقة جازان كانت تستخدم الأفران الأسطوانية التي تُبنى فوق سطح الأرض باستخدام الطوب (الطابوق) الملبس بالطين المخلوط بالتبن، وقد استبدل بهذا النوع من الأفران (حاضراً) الحفر التقليدية التي توضع فيها الأخشاب إلى جوار الفخاريات، ثم تُشعل النار في الأخشاب مدةً زمنيةً يحددها الفخاري بخبرته، وبعد أن تنضج الفخاريات يخرجها الفخاري بحذر، فتكون جاهزةً للاستعمال.
توارث المهنة
يمارس الفخاري مهنته منذ الصغر؛ إذ يتعلّمها أباً عن جد، ويتدرّج الصبي في تعلم الحرفة من البسيط إلى المعقد، فتسند إلى الصبي بدايةً الأعمال البسيطة التي لا تتطلب جهداً كبيراً أو مهارة عالية؛ مثل: نقل الطينات وعجنها، وعمليات تنظيف المنتجات ورصّها، ثم ينتقل الصبي إلى مرحلة أخرى أكثر تعقيداً، تتمثّل في تحضير الطينات وتشكيلها، ثم ينتقل إلى مرحلة الزخرفة والحرق، وهي الأصعب. وقد يستمر الصبي إلى جوار والده، وقد يستقلّ بذاته في ورشة مستقلة بعد إتقانه الحرفة وعدم حاجته إلى إشراف والده.
آلية العمل والتسويق
الملاحظ أن الفخاري في منطقة جازان لم يعمل على تطوير حرفته؛ بسبب التقنية الحديثة، وصعوبة المعيشة، واستمر في استخدام الأدوات البدائية نفسها التي توارثها من الآباء والأجداد. وتختلف المنتجات الفخارية في منطقة جازان؛ فمنها الكبير في حجمها، ومنها الصغير. ويختلف القائمون على كل منها؛ فهناك من تخصّص في إنتاج الفخاريات ذات الأحجام الكبيرة، وهناك من تخصّص في إنتاج الفخاريات ذات الأحجام الصغيرة.
أما تسويق منتجاتهم، فيتم عن طريق الأسواق الشعبية التي تتوزّع في المنطقة، وعلى الطرقات التي تربط بين مدن المنطقة، وقد يعمد بعض الفخاريين إلى تسويق منتجاتهم خارج منطقة جازان؛ كمدن: عسير، ومكة المكرمة، والمنطقتين الشمالية والوسطى.
المراجع
– موسوعة المملكة العربية السعودية، المجلد الحادي عشر، منطقة جازان، 1428هـ.
– الدائرة الإعلامية، الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية، الحرف والصناعات، الرياض: دار الدائرة للنشر والتوثيق، 1420هـ/ 2000م.
– علي أحمد الطايش، الفنون الخزفية الإسلامية المبكرة في العصرين الأموي والعباسي، القاهرة: مكتبة زهراء الشرق، 2000م.
– ناهض عبدالرزاق القيسي، الفخار والخزف: دراسة تاريخية آثارية، عمان: دار المنهاج، 2001م.
– عباس أبو القاسم، الفخار الأثري، سلطنة عمان، 2008م.
جازان.. الموقع والمناخ
تقع منطقة جازان في الجزء الجنوبي من المملكة العربية السعودية بين خطي الطول 42 درجة و43 درجة شرقاً، ودائرتي عرض 16.5 درجة، و17 درجة شمالاً، وكانت تسمى قديماً المخلاف السليماني(*). وتبعد منطقة جازان نحو ألف كيلومتر غرباً عن العاصمة الرياض، و700كم جنوباً عن مكة المكرمة، بينما تبلغ مساحة منطقة جازان الإدارية نحو 12 ألف كيلومتر مربع، وتأتي في المرتبة الأولى من حيث الكثافة السكانية، وتتميز من بقية مناطق المملكة بتنوّع تضاريسها التي تتكون من ثلاثة أقسام، هي: السهل الساحلي، ويمتد محاذياً البحر الأحمر من الشمال إلى الجنوب، وتهامة الجبلية (تهامة التلالية)، وتقع إلى الشرق من السهل الساحلي، ويزيد ارتفاع قممها عن 700م، والجبال الشرقية (الجبال المنعزلة)(**).
أما مناخ منطقة جازان، فإن فصل الخريف يعدّ فصل هطل الأمطار التي تسيل على إثرها الأودية، ويصل عددها إلى نحو 29 وادياً، تنحدر من الجبال باتجاه الغرب لتصبّ في البحر الأحمر، ويعدّ وادي جازان من أكبر هذه الأودية. وتقع على ضفاف هذه الأودية معظم مدن المنطقة وقراها؛ لأنها تعدّ مصدر رزق للفخارين الذين يسكنون بالقرب منها لجمع الطين المستخدم في صناعة منتجاتهم الفخارية.
(*) مخلاف: منطقة أو إقليم. والسليماني: نسبة إلى أحد حكام المنطقة في القرن الرابع الهجري.(**) سُمِّيت بالجبال المنعزلة بسبب عزلتها مدةً طويلةً من الزمن.