فعاليات المركز - الفيصل | يناير 5, 2017 | المركز, فعاليات المركز
استقبل الأمير تركي الفيصل -رئيس مجلس الإدارة- في مكتبه بالمركز يوم الأحد 5 ربيع الأول سنة 1438هـ/ 4 ديسمبر 2016م وفدًا رفيعًا من مؤسسة راند RAND الأميركية، برئاسة مايكل دي ريتش الرئيس والمدير التنفيذي للمؤسسة. وجرى خلال اللقاء مناقشة بعض الموضوعات التي تشغل العالم في الوقت الراهن، وتناوُل عددٍ من الأفكار التي تُسهم في تحسين السياسات ومواجهة التحديات عبر البحث والتحليل لدعم اتخاذ القرار المناسب.
وأكّد الأمير تركي الفيصل خلال استقباله وفد المؤسسة أن الدول والجهات الحكومية والخاصة باتت بحاجة ماسّة في هذا العصر إلى الاعتماد على بيوت الخبرة والبحث في العالم، مشيرًا إلى أهمية الخبرة والبحث والتحليل في الخروج بأفكار خلّاقة غير تقليدية تقوم على الأدلة في بيئة صناعة القرار في ظلّ الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يعيشها العالم.
وتأتي مثل هذه الزيارات في إطار سعي المركز إلى توثيق أوجه التعاون والعلاقات الثنائية مع مختلف المؤسسات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية العاملة في مجالات البحوث والدراسات الإستراتيجية.
وتعدّ مؤسسة راند الأميركية، التي تأسّست عام 1948م، منظمةً بحثيةً غير ربحية، تساعد على تحسين السياسات ودعم اتّخاذ القرار من خلال البحث والتحليل، وتقوم بعمل بحوثها -على مدار سبعة عقود تقريبًا- بتكليفٍ من الجهات الحكومية والمنظمات والمؤسسات الدولية الخاصّة، واقترن اسمها بالبحث والتحليل الموضوعي في أهم القضايا؛ مثل: الطاقة، والتعليم، والصحة، والاستدامة، والنمو، والتطوير، والأمن، والعدالة، والبيئة، والشؤون العسكرية، للمساعدة على جعل العالم أكثر أمنًا وسلامةً، والناس أكثر صحةً وازدهارًا.
فعاليات المركز - الفيصل | ديسمبر 27, 2016 | المركز, فعاليات, فعاليات المركز
عقد مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية حلقة نقاش مشتركة تحت عنوان: «سياسة وأمن الشرق الأوسط» قدَّمها كلٌّ من الدكتور «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والدكتور «جاك كارافالي» الأستاذ الزائر بأكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة وصاحب كتاب «عصر الكراهية: داعش وإيران والشرق الأوسط الجديد»، وبمشاركة الباحث السعودي كامل الخطي وحضور لفيف من الباحثين والمهتمين.
في البداية أوضح الدكتور «ليفيت» أنه في يوليو قبل قرابة ثلاث سنوات أو تزيد قليلًا، قام «حزب الله» بتفجير حافلة للسياح في بلغاريا، أعقبها قيام الاتحاد الأوربي بحظر نشاطاته بمختلف صنوفها وأنواعها، لكن على الرغم من إدراجه على القائمة السوداء للاتحاد الأوربي وانخراطه بشدة في الحرب السورية المندلعة حاليًّا ومنذ سنوات، فما زال «حزب الله» يخطط لتنفيذ هجمات في جميع أنحاء العالم وكأنه لا يأبه ليس بالشرق الأوسط وحده بل بأوربا أيضًا، إضافة إلى الكشف عن مخططات إجرامية مؤخرًا لـ «حزب الله» في أماكن بعيدة مثل: بيرو، وتايلاند، وكندا، واليونان؛ علمًا بأن آخر مخطط أُحبِط كان في قبرص، حيث خزّن المواطن الكندي من أصول لبنانية -ويدعى حسين بسام عبدالله- قرابة 8.2 أطنان من مادة نترات الأمونيوم المستخدمة كثيرًا في صنع المتفجرات، مُقرًّا ومعترفًا بعد محاكمته بأن التهم التي وجهت له جميعها صحيح، وكان من ضمنها: انتسابه إلى منظمة حزب الله الإرهابية، وحيازة متفجرات، ورغبته في القيام بأعمال تخريبية، والتآمر لارتكاب جرائم في مناطق حيوية، كما أكد «ليفيت» أن ما يقوم به حزب الله من محاولات للتفجير وللقيام بأعمال تخريبية يتكرر كثيرًا حيث إنه في غضون ثلاث سنوات حكمت محكمة قبرص على عناصر كثر من «حزب الله» بالسجن بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية، موضحًا أن آخر المخططات الإرهابية كانت مختلفة كليًّا من حيث القدرات وكون حزب الله لم يعد يأبه بإنذارات وتحذيرات الاتحاد الأوربي له في التحرك على الأراضي الأوربية وأصبح متماديًا إلى حدّ مخيف جدًّا.
أموال غير مشروعة ووثائق مزورة لنشر الفوضى في العالم
وأضاف «ماثيو ليفيت» أن حزب الله لا يزال مستمرًّا في عمليات شراء الأسلحة والتكنولوجيا ذات الأهداف التخريبية في أوربا، مستشهدًا بأنه في يوليو عام 2014م، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية شركة الإلكترونيات الاستهلاكية اللبنانية التي تسمى بــ«ستارز غروب هولدنغ»، ومالكيها، والشركات التابعة لها، على القائمة السوداء، إضافة إلى «بعض المديرين والأفراد الذين يدعمون الأنشطة غير المشروعة للشركة والشركات التابعة لها والمالكين. وكانوا جميعًا يشكلون شبكة مشتريات رئيسة تحت أوامر «حزب الله»؛ تهدف هذه الشبكة إلى شراء كل ما يساهم في تطوير الذراع العسكرية لهذا الحزب من مختلف بقاع العالم وتطوير الطائرات من دون طيار التي يرسلها إلى الأجواء الإسرائيلية والسورية، ويكون ذلك عن طريق أعضاء يحملون جوازات سفر مزورة كما حدث مع أحد المنتمين له وهو «حسين بسام عبدالله» المتخصص أكاديميًّا في الكيمياء؛ إذ كانت مهمته العثور على مستودع لتخزين المواد المتفجرة، ونقلها بعد ذلك بحزمات صغيرة إلى أوربا بعد أن قامت قيادات «حزب الله» بتزويد العاملين معه ببطاقات هوية بريطانية مزورة وأموال ضخمة؛ لاستخدامها محليًّا في قبرص واستئجار هذا المستودع. وقد يكون هذا الأمر هو الذي أدى إلى كشفه لاحقًا؛ مما جعل حزب الله حاليًّا يفضل استخدام وثائق السفر بمستندات أصلية لكن باستخدام بطاقات ائتمانية مزورة لإجراء أعمال احتيالية محلية لا تتعلق بالإجراءات الحكومية. وعلَّل «ليفيت» ذلك بقوله: «لو لم يستخدم بطاقة الهوية المزورة، لكان من المحتمل ألا تشكّ السلطات في الشحنات. مشيرًا إلى أنه وفقًا للتقارير فإن الحزب يستخدم شركات تجارية وهمية بشكل سري جدًّا بعضها في مناطق بعيدة مثل الصين ودبي لشحن مواد كيميائية ذات استخدام مزدوج لصنع المتفجرات، كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالية لديه كثير من الوثائق والمستندات التي تدل على تورط حزب الله في أعمال بشعة وأموال غير شرعية، إضافة إلى أنه منظمة عسكرية تكنّ لمنطقة الخليج الكره الكثير الذي يتجاوز كره العرب لإسرائيل.
كوادر حزب الله هم الأكثر تدريبًا
من جهته أوضح الباحث كامل الخطي أن «حزب الله» يشكل النخبة في حركة «السائرون على نهج الإمام» أو «خط الإمام»، فكوادره هم الأكثر تدريبًا والأحسن إعدادًا بين منتسبي التيار العريض الذي يُعرَف باسم «السائرون على نهج الإمام»، مؤكدًا أهمية الدور الذي تلعبه الحركة وخطورته.
ورأى الخطي أن إيران الثورة لم تتوانَ، في الصراع السياسي والحرب الباردة الناتجة عنه في منطقتنا، عن استخدام الأقليات الشيعية العربية كأحد أسلحتها في إدارة الحرب من جانبها؛ إذ اعتمدت على نُخب مجنّدة؛ لكي تعمل رأس حربة لها في توجيه الرأي والمزاج السياسي العام للدفاع عن مواقفها ومواقف الفصائل المحسوبة عليها علنًا في الأوساط الشيعية العربية.
الولاء الوطني والاستثمار في عامل التمييز
يضيف الخطي قائلًا: «أزعم أنه لو دُرِست خارطة توزيع الولاءات السياسية في المجتمعات الشيعية في دول الخليج العربية بدقة، فلن تظهر نتيجة إحصائية لصالح إيران، وربما لن تظهر أي نتيجة إحصائية تدل على قدرة أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي الشيعي، على الحصول على أغلبية موالية، لكن طبيعة الأمور في الظاهر لا تسير وفق الواقع الذي قد تشخّصه الدراسة والإحصاء، فالدراسة والإحصاء قد يُنطِقان صمت الأغلبية، على حين أن المشهد الظاهر يقع تحت سطوة أقليات منظمة تمتلك أدوات توجيه وأدوات تعبير تبدو من خلالها للعين المجردة، كأنها ممثل شرعي للغالبية، وهذا الأمر يجلب معه تبعات، أخطرها على الإطلاق تعميق أزمة الثقة، وتعزيز الشكوك في الولاء الوطني، وإدامة قلق ازدواج الهوية».
وأكد أن إيران «استثمرت في عامل التمييز الذي أضرّ الأقليات الشيعية العربية، وشاركها في استثمارها طيف من اليسار واليسار القومي خابت آماله بفشل مشروعه السياسي، ما حوله إلى معارِض للأنظمة القائمة من دون مشروع نهضوي واضح السمات».
الاتفاق النووي سيجعل إيران تطور مفاعلاتها العسكرية
كما قدّم الدكتور «جاك كارافالي» الأستاذ الزائر بأكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة أهم النتائج التي توصل لها في آخر كتبه الذي كان بعنوان: «عصر الكراهية: داعش وإيران والشرق الأوسط الجديد» ومن أهمها أن حزب الله يساعد إيران في تنفيذ عملياتها، إضافة إلى تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، وبخاصة بعد تنفيذ الاتفاق النووي عام 2015م الذي ينظر إليه على أنه اتفاق سيئ وحسن في الوقت نفسه، فقد استطاع المفاوض الغربي إقناع إيران ببعض الأمور التي من المستحيل أن تمرّ في السابق، وفيما يتعلق بالجانب السيئ فإن إيران تستطيع الآن تحسين منشآتها النووية والبنية التحتية فيها، وربما تقوم إيران بتطوير أبحاثها في هذا المجال، ومع مرور الوقت تطور قدراتها الحربية وتتفاقم الأمور بشكل أسوأ، ويعتقد الدكتور كارافالي أن الشرق الأوسط يشهد تحولًا وتغيرات متسارعة، وهناك من يريد أن تسود الوحشية والتدمير، وهناك من يريد الاستقرار والأمن، ويجب الوقوف مع من يريد السلام والأمن، والتماس الفرص في هذا العالم المليء بالمشكلات من أجل الغد الذي لا بد من الإعداد له، وذلك بالتوجه إلى جيل الشباب وتطويره؛ لأنه يمثل القادة والمستقبل.
فعاليات المركز - الفيصل | ديسمبر 27, 2016 | المركز, فعاليات, فعاليات المركز
عُقد في قاعة معهد الفيصل بالمركز يوم الثلاثاء 7 ربيع الأول 1438هـ/ 6 ديسمبر 2016م المؤتمر السنوي للفكر السياسي الإسلامي بعنوان: «المُوادَعة السياسية في فقه السنة والشيعة والصوفية في العصور الكلاسيكية الإسلامية والمعاصرة».
بدأت فعاليات المؤتمر، التي استمرّت يومين، بمحاضرة افتتاحية لكريستوفر ميلشرت -أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية برمبروك بجامعة أكسفورد- بعنوان: «الخلفاء الراشدون: الآراء المتعددة المحفوظة في الحديث»، أعقبتها حلقة النقاش الأولى بعنوان: «مفهوم الموادعة في الفكر الإسلامي»، تحدّث خلالها جان بيتر هارتونغ -الأستاذ في دراسة الإسلام بجامعة سواس في لندن- عن «استقراء تحليلي لمفهوم الموادعة السياسية»، وديفيد أوين -من جامعة هارفارد- عن «الخلافة والشرعية الروحية، والموادعة الفلسفية، ومشكلة الأنظمة القاصرة في مرحلة ما بعد العصر الأموي في الأندلس»، وتناول راينر برونر -من المركز الوطني للبحوث العلمية في باريس- «الإسلام الشيعي المُوادِع في العصور الكلاسيكية والحديثة: بعض الملحوظات المعاصرة»، واستعرض جيريمي كلايدوستي -من أكاديمية فنلندا- «الدستورية بوصفها إستراتيجية موادعة: الحالة التونسية».
ودارت حلقة النقاش الثانية حول «الموادعة السياسية والحركات الاجتماعية السياسية»، وقدّمت فيها ولاء قويسي -من جامعة أكسفورد- ورقة عمل بعنوان: «الموادعة السياسية في خطاب التقليديين الجُدد: العائق المعرفي أمام تجزئة الحداثة للسلطة» متطرقةً إلى الموادعة السياسية في خطاب التقليديين، ومتخذةً من عبدالحكيم واد نموذجًا لذلك، ومعتبرةً أنه هو الذي شكل سردًا واضحًا للدارسين فيما يتعلق بالعواقب الروحية التي يواجهها التقليديون الجدد والناقمون بشكل نقدي للحداثات الإسلامية التي عُرِضت وتُطرِّق إليها إبان تلك الحقبة؛ إذ إنهم -كما تذكر المتحدثة- يرفضون بكل صراحة تلك الحقبة، ويرون أننا جميعًا فقدنا شيئًا من الماضي ومُزِّق الدين والسياسة والجهاد على حين أننا بكل أسف تجاهلنا الحقيقة الداخلية للجهاد؛ مما أدخَل الإسلام، نتيجة عدم وجود قراءات جديدة، في دوامة الحداثة السائلة التي جعلت العالم الغربي مستمرًّا في المعاناة الأخلاقية والمالية، وإقصاء كثير من التصورات الإسلامية، والمفاهيم المهمة؛ كالمقاومة والاستشهاد، واستبدل بها مفاهيم أخرى كالربح والمصلحة والحرية الذاتية وتحقيق الذات، وإقصاء المفاهيم الاجتماعية المهمة كالجماعة والولاء والتضحية؛ لأنها تعُدّ من يتصرف خارج مفاهيم الحداثة السائلة شخصًا غير عقلاني ولا يسير على الطريق الصحيح.

جانب من الحضور
وتحدث الخبير فؤاد علييف -من جامعة أذربيجان الوطنية- عن «حركة غولن في أذربيجان: موادعة سياسية أم تقيّة؟» طارحًا من خلال حديثه سؤالًا يشكل منطلقًا أساسيًّا لبحثه وهو: هل نعدّ حركة غولن موادعة سياسية في أذربيجان أم لا؟ مجيبًا عن ذلك بأن حركة غولن ظاهريًّا تتبنّى مفهومًا غير مُسيّس للدين؛ إذ إن تلك الجماعة تؤمن أن الإسلام ليس أيديولوجية سياسية أو نظام حكم أو شكلًا للدولة، وهي جماعة فوق السياسية، لكنها وبشكل باطني رغم أنها تبتعد من العمل السياسي الحزبي؛ فإنها تنهمك في التحالف مع الأحزاب السياسية في مقابل الدعم والامتيازات التي تريد أن تتلقّاها منها، وتعمل أيضًا على التغلغل في مؤسسات الدولة والتقدم في المناصب المهمة؛ لهذا تتخذ من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها وسيلةً للنفوذ والتغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها الصلبة كوسيلة للوصول لمرحلة تسمى ما بعد التمكين؛ فبسبب ذلك يرى بعض المختصين أن الجماعة تمارس ما يسمى بـــ«التقية السياسية»؛ للوصول إلى المناطق الحساسة في مفاصل الدولة وإن اضطر أفرادها إلى إخفاء مشاعرهم، وفيما يتعلق بما تمارسه تلك الحركة في أذربيجان فقد أشار الباحث إلى أن حركة فتح الله غولن وما تمارسه من الدعوة خصوصًا ما بعد الاتحاد السوفييتي مرّت بكثير من المراحل وحاولت تجديد الإسلام الذي كان ممنوعًا تحت السلطة السوفييتية؛ لهذا فإنها كانت مختلفة في أولى سنوات الاستقلال مقارنة بالحركات الإسلامية الأخرى ذات الطابع الديني، إذ إن كثيرًا من الناشطين الإسلاميين حاليًّا يصفون حركة غولن بأنها مؤامرة ولها أهدافها السياسية، وعن الأيديولوجيات التي استمدت منها جماعة غولن منهجها ورؤيتها فقد أشار إلى أنها أخذت أفكارها من النورسية المنسوبة إلى سعيد النورسي، واختتم الباحث حديثه بأن حركة غولن هي حركة اجتماعية تندمج في المجتمع بهدف الإصلاح، وبالتدرج تعادي النظام القائم بطرائق ملتوية، وفيما يتعلق بمحاربتها من تركيا خصوصًا بعد الانقلاب الذي حدث مؤخرًا، فقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة أذربيجان مطالبًا القيادات هناك بإغلاق المدارس والمنشآت التي يمتلكها غولن وتسليمها للسلطة؛ لأن لديهم أهدافًا باطنية توسعية، وهذا ما شعرت به حكومة أذربيجان.
وتناول الباحث السيد علي الموسى «الإخباريون الشيعة ومنهجهم المتصالح مع الواقع السياسي الحاكم: علماء البحرين نموذجًا» متحدثًا في بداية الأمر عن نشوء المدرسة الإخبارية وارتباطها باسم «الإخباريون» وهم الذين يشتغلون بالتاريخ، وعندما جاء الإسلام ارتبطت تسميتهم بمن ينقل الحديث النبوي، وهكذا عُرف هذا العلم بعلم الأخبار، وعُرف عنه اعتماد نقله عن الرواة والمحدثين أو الإخباريين. وكان قدماء الإخباريين يسمّون بأصحاب الحديث، وكانوا موجودين لدى أهل السنّة والشيعة على السواء. ولعلّ أقدم نص يتحدّث عن الإخبارية بوصفها فرقة قائمة ضمن المذهب الشيعي الإمامي هو ما ذكره الشهرستاني في كتابه الشهير «الملل والنحل»؛ إذ وصفها بأنها طائفة تأخذ بظاهر الرواية وصريح لفظها من دون تأويل أو استنباط، واستخدم الإخباريون الشيعةُ بعد الغيبة الكبرى -كما يذكر الباحث- بعضَ الأساليب السنية. وعلل أسباب نشوء المدرسية الإخبارية بردّة الفعل القوية أمام فتح الباب للاستنباط وقبول الخبر والتسامح في الإسناد، كما أن المنهج الإخباري أصبح يعتمد متأخرًا على الكتب الإخبارية الأربعة كالكافي والتهذيب وغيرهما من الكتب الشيعية الشهيرة. وفيما يتعلق بالتسامح السياسي ومنهج التصالح مع واقع السلطة في البحرين فإنهم أثبتوا إيمانهم بضرورة التعايش انطلاقًا من رواية الكاظمي: «لا تذلوا رقابكم بترك سلطانكم» وما مرّت به البحرين من حكومات مختلفة واتحاد الموقف الشيعي المتسامح حولها أكبر دليل، ولنا في تجربة سليمان المدني عام 1421م والخطبة التي ألقاها في يوم الجمعة إبان تلك الحقبة خير دليل وبرهان.
ورصد محمد غزبولاييف -من الأكاديمية الروسية للعلوم- «النقاشات الفقهية حول الهجرة في القوقاز بعد انهيار إمامة شامل: الرسالة الشريفة التي كتبها العلامة الداغستاني عبدالرحمن الثغوري» إذ إنه في عام 1861م أُعدم كثير من الإسلاميين في شمال القوقاز؛ مما أدى إلى حدوث هجرات كثيرة من شرق القوقاز إلى شمالها، ثم عادت الأمور إلى الهدوء خصوصًا مع عبدالرحمن الصخوري، وبدأ يتكون ما يسمى بالحوار الإسلامي لكن ما كتبه رجب محمد الإمام في بحثه «إقامة البرهان على ارتداد البرهان والمجتمعات التقليدية» المتضمن أن على كل مسلم أن يهاجر بعيدًا من الحكم الشامل؛ أدى إلى نشأة حركات مهمة في داغستان، لعل أبرزها تلك التي قادها عبدالرحمن السفوري.
واستؤنفت فعاليات المؤتمر في اليوم الثاني بمحاضرة افتتاحية لروبرت غليف -أستاذ الدراسات العربية في جامعة إكستر البريطانية- عن «الموادعة والشرعية السياسية: الآراء الشيعية في السياق الإسلامي على النطاق الأوسع»، وتحدّث الدكتور سعود بن صالح السرحان -الأمين العام للمركز- عن: «الفكر المُوادِع والمفكّرون»، ثم بدأت فعاليات حلقة النقاش الثالثة، وتحدّث فيها الدكتور سعود السرحان عن «الصبر على ما نحن فيه خير من الفتن: نشأة الموادعة السياسية في الفكر السنّي»، وشرح الباحث منصور بخاري «فقه الإمام سعيد النورسي في التعامل مع الحاكم الجائر»، وقدّم بومدين بوزيد -وكيل وزارة الثقافة الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالجزائر- ورقة عمل عن «الجزائر التصوّف: بين التوظيف السياسي والتأويل الثقافي»، وتناول قيوم سروش -من مكتب مجلس الأمن القومي في أفغانستان- «العودة إلى الموادعة في مقابل الإسلام السياسي: حالة آية الله محمد إسحاق فياض».
وحملت حلقة النقاش الرابعة عنوان: «ظواهر مستمدّة من مفهوم الموادعة السياسية»، وقدّمت فيها الباحثة تبسم بارفين -من جامعة الملة الإسلامية في الهند- ورقة عمل «السلفيون والموادعة السياسية في الماضي والحاضر» تناولت فيها السلفيين والموادعة السياسية في الماضي والحاضر، متطرقةً في مستهلّ حديثها إلى أن توحيد الربوبية والألوهية لدى السلفيين لا بد أن يكون على نهج الإسلاميين الأوائل وتطبيق أعمالهم لأنهم يطبقونها عن رسول الله وخاتم الأنبياء واصفين بذلك أي خلاف للمنهج الصحيح بالبدعة، وأن السلفيين –وفق تعبيرها- تعاملوا مع الدعوة الإسلامية بالطريقة الصحيحة على حين أن هناك تيارات حاليًّا تنتسب للسلفية لا تطبق الدعوة السلفية تمامًا، ولها أطماع خفية، وتريد الوصول إلى السلطة تحت شرعية الدين كما حدث مع إيران وثورة الخميني المشهورة، وتحدث أليساندرو كانشيان -الباحث في معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن- عن «لستُ سوى مزارع قرويّ ودرويش.. بين الموادعة السياسية والقيادة الروحية: التصوف الشيعي المبكّر وتحدي الحداثة»، وتناولت ليلى مقبول -الباحثة في جامعة أوسلو بالنرويج- «التقوى وسياسة الوعظ بين الداعيات السعوديات» مشيرةً إلى أنها اجتمعت مع مجموعة من الداعيات السعوديات، وتناقشت معهن حول تجنبهن القضايا السياسية؛ لتجيب إحداهنّ عن ذلك بأنها تحاول أن تركز على القضايا الاجتماعية ذات الفوائد الأكثر أهمية، ومعتبرةً أن السياسة هي عالم الرجال، وأنه -وفق الباحثة مقبول- قد نشأ أسلوب جديد للداعيات السعوديات، وهو ما يسمى «بالداعيات المثقفات» إذ إنهن –أي الداعيات- متضامنات مع رؤى المملكة وسياساتها إلا أنهن في الوقت نفسه يشاركن في المسائل السياسية برؤاهن وتطلعاتهن من دون فرضها معتمدات على رأس مالهن الفكري والمالي الشرعي، واستعرض محمد شهيد حبيب -من جامعة حامية لاهور في الهند- «الحوار الداخلي بين المُوادعين وغير الموادعين من المنظور الفقهي السني والصوفي والشيعي».
ويُذكر أن إدارة البحوث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ستُصدر كتابًا يتضمن أوراق هذا المؤتمر السنوي.
فعاليات المركز - الفيصل | أغسطس 30, 2016 | فعاليات
لم يدر بخَلَد الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز وأعضاء اللجنة التي شكلها برئاسة المؤرخ محمد بن بليهد لتحديد موقع سوق عكاظ التاريخي قبل نحو 82 عامًا؛ أن تكون جهودهم في ذلك الوقت بذرة يصنع منها ملحمة سوق عكاظ الحديث، وتساعد على إحياء إرث عربي تاريخي يعود تاريخه إلى أكثر من 1500 عام؛ ليتجاوز المحيطات، ويصل إلى العالمية، ويصبح مركز إشعاع حضاري، ومنتدى إثرائيًّا معرفيًّا، وملتقى للحياة.
«لم يَهُنْ على الملك فيصل -يرحمه الله- ضيـاعُ عُكاظ ونِسْيانه، فبحث عنه حتى وجده وحدّد مكانه، ثم أَصْدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- أمر اسْتدعاء ملكيّ تاريخيّ استثنائي فحضر عُكاظ»، تذكّر هذه الكلمات، التي ألقاها الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ في حفل افتتاح الدورة العاشرة لسوق عكاظ يوم الثلاثاء 6/11/1437هـ، بأهل الفضل في إعادة إحياء أهم وأشهر أسواق العرب التاريخية.
انطلقت فعاليات الدورة العاشرة لسوق عكاظ التي استمرت من 6-16 ذي القعدة 1437هـ(9_19 أغسطس 2016م) بحفل افتتاح شارك فيه فنان العرب محمد عبده؛ اشتمل على تكريم الفائزين بجوائز سوق عكاظ البالغة قيمتها مليون و800 ألف ريال؛ إذ فاز الشاعر الأردني محمد العزام بشاعر عكاظ وبُردته، والشاعر السعودي خليف الشمري بلقب شاعر شباب عكاظ وبُردته، فيما نال جائزة الرواية التي استُحدثت في الدورة الحالية الروائي السعودي مقبول موسى العلوي، وفاز بجائزة لوحة وقصيدة عبدالرحمن خضر الغامدي «المركز الأول»، ومحمد علي الشهري «المركز الثاني»، وسعيد الهلال الزهراني «المركز الثالث»، وتسلم جائزة المركز الأول في جائزة الخط العربي عبدالباقي أبو بكر من ماليزيا، وجاء محفوظ ذنون يوسف عراقي الجنسية في المركز الثاني، ويحيى محمد فلاته من نيجيريا في المركز الثالث، ونال جائزة التصوير الضوئي عبدالرحمن إبراهيم الماجد من البحرين، وظافر مشبب الشهري من السعودية، وقاسم محمد الفارسي سعودي الجنسية. كما حصل على جائزة رائد أعمال عكاظ المستحدثة لأول مرة في الدورة العاشرة لؤي محمد نسيب من السعودية، وحصد جائزة مبتكر عكاظ محمد بإسلامة.

وشهدت الدورة العاشرة إطلاق برامج ومشاريع نوعية تخدم الثقافة العربية، تمثلت في توقيع اتفاقية إنشاء واحة للتقنية بالقرب من موقع سوق عكاظ التاريخي، ووضع حجر الأساس لجادة عكاظ المستقبل، وتدشين أكاديمية الشعر العربي الفصيح التي تُعَدّ أول مشروع عربي من نوعه، وجرى تدشين باكورة أعمال الأكاديمية بطباعة وتوزيع أربعة دواوين شعرية لشعراء فائزين في الدورات السابقة بجوائز عكاظ الشعرية.

وتضمنت الدورة التي حضرها وزراء ومثقفون وأدباء وشعراء من داخل المملكة وخارجها؛ إثراءً معرفيًّا في شتى المجالات. بدأت الفعاليات بملتقى الريادة المعرفية الذي حظي بحضور وتفاعل كبيرين، تحدث فيه عبر ثلاث جلسات وزير الحج والعمرة ورئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومدير جامعة الطائف في ورقة قدمها نيابة عن وزير التعليم، ومسؤولون في صندوق التنمية الصناعية وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وعدد من رياديي الأعمال. وأوصى الملتقى بضرورة وجود القيمة المضافة في الأعمال الريادية المعرفية بالمملكة، كما استعرض أبرز خطط تحقيق رؤية المملكة (2030).

حوار الشباب
وخاطب الأمير خالد الفيصل شباب سوق عكاظ في لقاء حواري مفتوح شارك فيه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي أقيم بجامعة الطائف ضمن فعاليات الدورة العاشرة، وأكد في كلمته أن تمسك المملكة العربية السعودية وشعبها بالكتاب والسنة منذ تأسيسها هو السبب وراء الحملة الشرسة التي تواجه الإنسان السعودي، وقال: «اليوم يتحقق حلم الآباء والأجداد ذلك الحلم العميق جدًّا أن يكون الإنسان السعودي قدوة للعالم بأسره.. فماذا أنتم فاعلون؟ أنا أجيب على ذلك: ارفع رأسك أنت سعودي». كما شهد اللقاء إعلان وزير الثقافة والإعلام عن تأسيس صندوقين للدعم: الأول لدعم الفن والفنانين، والثاني خاص بمدينة إنتاج إعلامية، كاشفًا عن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على إنشاء المجمع الملكي للفنون الذي يتضمن مسرحًا وطنيًّا ومعرضًا فنيًّا ومتحفًا إسلاميًّا.

وشارك 72 مفكرًا ومثقفًا وشاعرًا من مختلف الدول العربية في إثراء البرنامج الثقافي للدورة العاشرة بأوراق عمل وبحوث أدبية وعلمية في 7 ندوات ثقافية و3 أمسيات شعرية. وتضمنت موضوعات الندوات استعراضًا لدراسات نقدية للشاعر الجاهلي عروة بن الورد، وعن الأديب السعودي عبدالله بن خميس، كما بُحثت جهود الترجمة في فرنسا، والمخطوطات المهاجرة، مع تناول عدد من التجارب الكتابية والفنية، بجانب البحث عن موضع الهوية الثقافية في العالم الرقمي، وحماية الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي.
ولأن استدعاء سوق عكاظ من الماضي ليس استظهارًا له فحسب، بل جاء ليبني ما ينفع الحاضر ويفيد المستقبل، كما أكد ذلك الأمير خالد الفيصل؛ فقد أقيم معرض عكاظ المستقبل الذي شارك فيه أكثر من 50 جهة حكومية وخاصة تُعنى بمجالات الابتكار وريادة الأعمال، والذي يعد أضخم معرض من نوعه في المملكة، حيث يُعَدّ أول منصة وطنية تعنى بالابتكار وريادة الأعمال المعرفية. وضم المعرض 5 منصات إبداعية تقدم مفاهيم عصرية حديثة. حيث فتح مجال النقاش بين الزوار والشباب وصناع القرار حول تقنيات المستقبل عبر منصة الاستقبال، فيما أعطى فرصة للجامعات والمراكز والمؤسسات المهتمة بالابتكار وريادة الأعمال، وكذلك المبتكرين والمبدعين لعرض ابتكاراتهم ومنتجاتهم المعرفية، والنقاش البناء بين المهتمين والمختصين والمستثمرين في مجال الابتكار والريادة من خلال منصة الحاضر.

أما منصة الانطلاق التي هدفت إلى وضع الشباب على الطريق الصحيح لبدء مشاريعهم الريادية؛ واشتملت على 3 ورش عمل تدريبية، وهي: فعالية (ستارت أب ويكيند) التي قدمها برنامج بادر لحاضنات الأعمال بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وبرامج تدريبية، وورش عمل متخصصة في ريادة الأعمال قدمها مركز الملك سلمان للشباب. وورشة عمل تدريبية قدمها مركز تسامي لريادة الأعمال الاجتماعية.
وأتاحت المعارض فرصة لزوار سوق عكاظ للتبرع بالخلايا الجذعية وأخذ عينات مبدئية للمتبرعين، والمشاركة في ورش عمل ودورات تدريبية لتعلم الخط العربي، والاطلاع على مقتنيات أثرية نادرة، والاطلاع على ابتكارات وبراءات الاختراع لمبدعي الوطن، إضافة إلى جناح لكتب الأطفال ومرسم لهم. ومع كل هذه الفعاليات الثقافية والإبداعية المتنوعة، كان لجادة سوق عكاظ النصيب الأكبر من اهتمام ومتابعة زوار السوق الذين سجلوا أرقامًا قياسية لأول مرة منذ إحياء السوق قبل عشر سنوات متجاوزين 300 ألف زائر، بعد أن كانوا 60 ألفًا فقط في الدورة الأولى. واشتملت فعاليات الجادة: أجنحة للحرفيين وللحرفيات الذين تنافسوا للفوز بجوائز الأعمال الحرفية البالغة قيمتها 500 ألف ريال، و4 عروض مسرحية بعنوان «عبس وذبيان.. حكايات الشعر والحرب» تبدأ من الساعة الرابعة عصرًا إلى بعد صلاة العشاء يوميًّا، إضافة إلى عروض الخيل والجمال ومسيرات القوافل التي تحاكي ماضي السوق.

فعاليات المركز - الفيصل | يوليو 5, 2016 | فعاليات, فعاليات المركز
أكد الباحث الاقتصادي والسياسي في جامعة أكسفورد الدكتور ستيفن هيرتوغ أن النفط في الخليج هو القصة الجميلة بالنسبة للمواطن في السعودية والخليج، من خلال توافر مجموعة من الخدمات: الصحية والتعليمية وغيرهما، إضافة إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد وانخفاض مستوى البطالة. جاء ذلك في ندوةٍ نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في مايو الماضي، وأدارها يزيد الراشد وسط حضورٍ من المهتمين والمهتمات بالأطروحات الاقتصادية والسياسية التي يقدمها المحاضر.
في بداية الندوة قام الدكتور هيرتوغ بسرد مجموعة من الإحصائيات الرقمية والمعلوماتية التي تبين ارتفاع نسبة مستوى التعليم والجوانب الخدمية الأخرى في السعودية انطلاقًا من نقطة زمنية معينة، أي منذ عام 1979 حتى عام 2010م؛ ليخلص من خلال قياس المتوسط الإحصائي إلى تسجيل نسبة تتجاوز 150% وهي التي في السابق كانت بالكاد تصل إلى 40%، مشيرًا أيضًا إلى أن نسبة الوفيات نتيجة سوء التغذية أو عدم توفير الخدمات الصحية وصلت إلى 0% في مستوياتها الرقمية، كما أن استيراد الأدوية والأدوات الصحية بكميات هائلة وبمبالغ ضخمة من الخارج يعد دليلًا على تقدم المملكة في الشرق الأوسط في الجانب الطبي.
الدكتور ستيفن هيرتوغ أكد خلال الندوة أهمية مقولة الراحل الملك فيصل إلى حاكم دبي حين قال: «خلف كل ثورة هناك فقر». وأوضح أن ذلك يعكس الوعي السياسي لدى المملكة خاصة، وحكام الخليج عامة. وعدّ هذا الارتفاع الخدماتي في الجوانب المتنوعة التي تقوم على خدمة المواطن الخليجي وتوفير حياة ذات رفاهية عالية، «قائمًا على ركيزتين أساسيتين إحداهما: وجود كميات نفطية هائلة، ومشاركة حقيقية في الإنفاق الحكومي من الشعب».
وأشار هيرتوغ إلى أن الاستقرار السياسي في الخليج أسهم بشكل فاعل في تكوين النمو في القطاع البنكي السعودي، «من ناحية توافر السيولة المالية، وتمتعه برأس مال جيد، ومستوى ربحي مقنع»، مستعرضًا بعض التقارير الدولية التي قامت بتصنيف القطاع المصرفي السعودي كرابع أفضل وأقوى نظام مصرفي في العالم، ووفقًا أيضًا لتصنيف وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني في أعوام قريبة. «وكان لهذه العوامل وغيرها، مثل محدودية انكشاف القطاع على الخارج سواء بالنسبة للإقراض أو الاقتراض، دور مهم في بقاء القطاع المصرفي السعودي معزولًا نسبيًّا عن تقلبات الأسواق المالية العالمية في السنوات الأخيرة».
وأوضح أن الإحصائيات تشير إلى أن النظام المصرفي في المملكة «يعدّ من أفضل الأنظمة المصرفية أداءً في منطقة الخليج العربي وعلى المستوى الدولي. فعلى الصعيد الدولي يحقق النظام المصرفي نسبًا مرتفعة من العائد على الأصول والعائد على حقوق الملكية، تزيد على مثيلاتها في الدول العربية والآسيوية والدول المتقدمة إضافة إلى أن القطاع المصرفي السعودي يعد الأكبر حجمًا من ناحية إجمالي القروض وإجمالي الودائع».
وتطرق هيرتوغ إلى الصعوبات التي ستواجهها منطقة الخليج مستقبلًا في ظل ارتباك السوق النفطي، وتسابق الدول المجاورة والمستوردة نحو البحث عن بديل للطاقة، لافتًا إلى أن هذا يتضح من خلال الرؤية التي جرى إعلانها قبل مدة وجيزة تحت شعار «2030» مشددًا على ضرورة تجاوز تلك الصعوبات المستقبلية «التي قد تعدّ مخيفة فعلًا، عبر التركيز على محاور عدة تشكل بعدًا مهمًّا في صناعة حلول واقعية وملموسة»، وذكر من هذه المحاور: العمل بين القطاع العام والخاص والتنسيق بينهما؛ «إذ يعد ذلك مساهمًا أساسيًّا وحقيقيًّا لخفض معدل الأزمات المتعلقة بسوق العمل والقوة الشرائية مستقبلًا، والحفاظ على مستوى البطالة الذي يعد منخفضًا نسبيًّا مقارنة بالدول المحيطة. إضافة إلى استمرار النشاط الاقتصادي، فالتطور في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص كمفهوم وممارسة هو نتاج للإدارة العامة الحديثة التي ظهرت أواخر القرن العشرين والضغوطات التي فرضتها العولمة».
وقال هيرتوغ: إن هذه الشراكة «تلعب دورًا كبيرًا في تطوير البنية التحتية للقطاع العام، والاستفادة من الخبرات المتنوعة. إلى جانب استقطاب جهات استشارية معتمدة وعالمية لتقديم نصائح فعالة وأكثر شمولية مما هو مطروح الآن»؛ إذ إن المتطلبات المستقبلية، كما يرى، ستكون في ازدياد «نظرًا للكثافة السكانية التي تشهدها منطقة الخليج حاليًا والمملكة تحديدًا، إضافة إلى أن تلك الكثافة السكانية تتركز في فئة عمرية معينة وهي فئة الشباب الباحثين عن العمل».
وأوضح الدكتور ستيفن هيرتوغ أن سوق العمل غير الحكومي حتى الآن «لم يقدم عروضًا مغرية وتحفيزية لجذب الأيدي العاملة الوطنية، فالقيمة المالية التي تقدم شهريًّا لتلك الأيدي الوطنية في متوسطها لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال شهريًّا، ولا تتجاوز الخمسة آلاف، مع الأخذ في الاعتبار عدم شفافية الجهات الخاصة في عرض الأرقام الحقيقية حتى الآن فيما يتعلق بالمرتبات». وهذا يشير، كما يقول هيرتوغ، إلى أن الضغط على الجانب الحكومي ما زال قائمًا «ما سيخلق أزمة مستقبلية في رفاهية المواطن وعدم قدرته على الاستفادة من الخدمات البنكية أو التأمينية المهمة».
يذكر أن ستيفن هيرتوغ يعد من أهم الباحثين الأكاديميين المتخصصين في منطقة الخليج وشمال إفريقيا ، وتتجاوز خبرته البحثية عشرين عامًا، نشر خلالها كثيرًا من البحوث واسعة الانتشار فيما يتعلق بالشرق الأوسط وتحركاته الاقتصادية، إضافة إلى اهتمامه بسوق العمل الخليجي ودور البيروقراطية في الحد منه.