كاتبة تركية ترى أن الرئيس إردوغان يلجأ إلى النزعة القومية المتطرفة لتعزيز سلطته .. أسلي إردوغان: دخان كثيف يغلف الضمائر والأحداث في تركيا
لِمَ الالتزام؟ وما السبيل إلى إيجاد الكلمات التي تقاوم المخاوف والدوغمائيات؟ تساؤلات تطرح في حوار الكاتبة المغربية ليلى سليماني مع الكاتبة التركية أسلي إردوغان، المنشور في مجلة ليتيرير حول سلطة الأدب، باعتباره الترس الأخير ضد استبدادات الهوية. «لا أريد أن أتواطأ مع اغتيال الرجال، ولا اغتيال الكلمات»، هي ذي عبارات أسلي إردوغان في كتابها «الصمت هو الآخر لم يعد من نصيبك. لا تتواطأ/ لا تتواطئي» مع أي جريمة، وأي كذب، ذاك هو المبحث السياسي والفلسفي والأدبي الأخير. وهو مبدأ كل انشقاق، مهما كان، ومهما كانت المدة التي حصل فيها.
كرست أسلي إردوغان، التي تنتمي إلى سلالة سولجينيتسين أو شالاموف، حياتها وعملها معًا لهذا المبحث. تبقى هذه الطريق صعبة الارتقاء للغاية في كل بلد. وفي البلدان المستبدة، فهي تؤدي بكم إلى الموت، أو السجن، أو المنفى. لقد غازلت المرأة التي تستقبلنا الأولَ بتهيب، وخبرت الاثنين الآخرين. ما إن انخرطنا في أحاديثنا الأولى، حتى حِدْتُ نحو دوستويفسكي الذي تلهم رواياتُه رواياتِها بصورة واضحة، وأدركت أنه يندر أن تلتقي كائنًا لا يقبل بالتسويات إلى هذا الحد، شخصًا لا يتنازل عن شيء للسلطة، أو للمظهر، أو للتفاهة. والحق يقال: إنني لم أسمع بكلمات خالصة أو رؤى متقاطعة سليمة منذ لحظاتي الأخيرة رفقة أنا بوليتكوفسكايا، قبيل اغتيالها.
رفائيل غلوكسمان رئيس تحرير مجلة ليتيرير
رفائيل غلوكسمان: روى لي صديق روسي مؤخرًا أنه يراوده الانطباع بأنه «فقد» بلده، وهو يراه يغرق في النزعة «البوتينية». هل ينتابك الانطباع ذاته، وأنت ترين ما يفعله رجب طيب إردوغان بتركيا؟ هل يراودك الانطباع بفقدان بلدك؟
أسلي إردوغان: فقدان البلد هو الكلمة الصائبة. كما تعلمان، لم تكن تركيا جنة ديمقراطية قط. وقد عشت في ظل طغمتين عسكريتين. في المرة الأولى، كان عمري خمس سنوات، وفي الثانية، كنت في الثالثة عشرة. أحتفظ منهما بذكريات بارزة. لكن هذا الإحساس بـ«فقدان البلد» طارئ تمامًا. حتى في أسوأ لحظات الطُّغَم، لم يكن الناس ينتابهم هذا الشعور. كان الجميع يعلم أن الأمر مؤقت، وأنه مجرد نفق ومحطة عابرة، رغم أن هذه الطغم تتشبث بالسلطة، كأن البلد كان ينتظر، دون حصول أي تغير في العمق، أن تنهار البنية السياسية الفوقية. خلافًا لذلك، خلال السنوات الأخيرة، تنبع خيبة الأمل لدى أولئك الذين لا ينتمون إلى النظام من فكرة مفادها أنهم لم يعودوا قادرين على أن يتظاهروا بتجاهل انفلات البلد من بين أيديهم. إذ يصنع التحول الاجتماعي والأيديولوجيا، وكذا عشوائية القمع، الفارق بين طغمة وسلطة، مثل سلطة إردوغان. كان فهم الطغم في منتهى البساطة، حيث يمكن استباق تحركات العسكر الذين يتولون السلطة. فالنظام العسكري يسحق أدنى معارضة، كأنه دبابة. تكاد لا تصعب علينا معرفة من سيعتقل، وتوقيت اعتقاله وسببه. كل هذا يبعث على الاستياء والاستنكار، لكنه يفيد معنى ما. أما اليوم، فثمة دخان كثيف يغلف الضمائر والأحداث في تركيا. لا نعرف من سيعتقل، ولماذا. إذ يُخضِع عبث هذا القمع شعبًا، ويغيره في العمق، حيث لم ننزل، بشكل جماعي، إلى حضيض كهذا قط. إنني أستحيي حقًّا مما بتنا فيه.
ليلى سليماني: هل يراودك الانطباع الآن بالانتماء إلى أقلية؟ هل كنت تشعرين بهذا الإحساس من قبل؟
أ. إردوغان: لم «أنتمِ» قط إلى أي شيء مهما كان في تركيا، حتى إلى «أقلية». لقد أدركت مبكرًا جدًّا أن غربتي متأصلة، إن صح القول. فلو قلت إنني يهودية، أو إنني شركسية، لن يكون قولي صحيحًا. والدي شركسي، ووالدتي تنحدر من عائلة يهودية انقلبت عن دينها. ولو قلت إنني تركية، لكان الأمر كاذبًا في نظري. لربما صارت الحياة بسيطة، لو انضممت إلى جماعة محددة بشكل جيد، لكن أسباب راحتي تكمن في غير ذلك. هل أصنف ربما باعتباري امرأة؟ وحدهن النساء التركيات يكدن لا يحددن أنفسهن باعتبارهن جماعة. فنحن مختلفات جدًّا بعضنا عن بعض، ونفتقد إلى التضامن على نحو غير عادي. ثمة حركة نسائية قوية في تركيا. لكن ما أثرها في أغلبية النساء؟ يكاد يكون منعدمًا، حسب اعتقادي. والحال أنه لا يكون قويًّا إلا في حالات نادرة، كما في حدث اغتيال امرأة بعينها أذكرها بشكل جيد جدًّا. في هذه الحالة، نجحنا، نحن المناضلات النسائيات، في حمل رسالة وحشد المجتمع.
ليلى سليماني: تقولين «نحن».
أ. إردوغان: أجل، لست عضوًا في أي جماعة، لكني أكتب مقالات، وأحرص على الاتصال ببعض المناضلات، وأشارك في تظاهرات معينة، وهن يزودنني بملفات، بفضلها أستطيع الكتابة، كما حدث أثناء اغتيال هؤلاء النساء. أتظاهر عندما يكنّ في حاجة إليّ. في هذه الحالة الخاصة، هؤلاء النساء قتلن لأنهن كنّ نساء. كانت مرحلة مهمة. لكن، ما عدا ذلك، ما الرابط الذي يفترض أن يربطني بامرأة متعصبة لحبّ إردوغان؟
ليلى سليماني: بصفتك كاتبة، هل تختارين الرواية المحايدة أو الملتزمة؟ لِمَ تشعرين بالحاجة إلى الكفاح، رغم هذا الإحساس بكونك غريبة عن كل شكل من أشكال الجماعة؟ لِمَ النضال عندما لا نجد ذواتنا في أي رابطة جماعية؟
أ. إردوغان: ربما سبب ذلك طفولتي وعنفها. ففي لحظة بعينها، ربما كنت في الخامسة من عمري، كان والدي يمسك ببندقية ويهدد والدتي. قفزت من مكاني بلا تفكير، ووضعت يدي على فوهة البندقية. خفض سلاحه. وشعرت بضرورة إلى التدخل، وبالإمكانية والقدرة على خفض سلاح بيد طفلة. وهذا بلا شك هو الالتزام السياسي، وهو هذه اليد التي يستدعيها الظرف، والتي تستطيع، أحيانًا، أن تنتصر على فوهة بندقية. وأنا أكبر، صدمني اكتشاف أن الآخرين لا يقفزون، هم أيضًا، أمام الأسلحة. لقد تجذر في أعماق ذاتي أن أمد يد المساعدة إذا كان أحد ما يعاني ضيقًا أو عسرًا. ذاك هو الدرس الأول الذي علمتني إياه الحياة. ثمة أحداث تنقض عليك، وعليك أن تتفاعل معها، وأن تمد يد العون. فعندما يموت مئة وعشرون سجينًا بسبب الإضراب عن الطعام، داخل ما يفترض أنها بلادك، صانعين بذلك رقمًا قياسيًّا كارثيًّا عالميًّا، فهل من شيء يفعله المرء غير الكتابة عن هذا؟ تناديك الضرورة، ولا تستطيع أن تقول: «إنني آسف، سأعود إلى البيت، وأنهي روايتي». لربما انتابني الشعور بخيانة الطفلة الصغيرة ذات السنوات الخمس، وأدبي كذلك. فلو اعتنقت الآداب باعتبارها مهنة، بطريقة انتهازية، لتصرفت بشكل مختلف. في جعبتي ثلاثون سنة من التجربة، حيث بتُّ أعرف نوع الكتب التي تباع وتترجم إلى عشرين لغة وتحظى بالتكريمات والترضيات المتفق عليها. لم أقدم ما ينتظره القارئ الغربي من كاتبة تركية، ولم أكتب لوحة عثمانية. وأدبي لا يكمن في هذه التسلية الفولكلورية.
ليلى سليماني: هل ينخرط معك العديد من الكتاب الأتراك، أم أن غالبيتهم يتخندقون في رواياتهم، وهم يتصالحون مع الطغيان عبر تجاهل يوارب حضوره؟
أ. إردوغان: الاثنان. يقول كثيرون إنه يكفي، وإنه لا بد من تناول الكلمة من الآن فصاعدًا. لكن التعبير عما في النفس بات يتعقد أكثر فأكثر. قبل خمس سنوات، كانت ما تزال هناك فضاءات عديدة حيث يمكنك أن تصرخ. أما اليوم، صار الهمس المكتوم مسموعًا مثل احتجاج صاخب، حيث يحتمل أن تعاقب بشدة. فإذا عبر أحد ما عن اختلافه مع الحرب ضد الأكراد في عفرين السورية، مثلًا، يخشى أن يتعرض للسجن، بل أن يقتل. هكذا، تبقى ردود فعل الناس مرتبكة؛ يتراجعون أحيانًا، ومرات أخرى يتقدمون، ويجرؤون على رفع أيديهم أمام البندقية الملقّمة، التي باتت وطننا. لنُشِر عرضًا إلى أن المعارضين يصيرون كذلك وطنيين ضد الأكراد، أحيانًا، وأن المنطق يفترض، إذًا، أن يجد المرء نفسه وحيدًا عندما يركب مغامرة الاحتجاج ضد هذه الحرب.
ر. غلوكسمان: تمامًا. ليس إردوغان وأيديولوجيته وحدهما ما يزعجك. فصورة الآخر ليست صورة تفضحها مساندات حزب العدالة والتنمية وحدها، وهي الصورة المركزية في جميع رواياتك، بما في ذلك الرواية الأولى. هل غلبة الهامشي وكل ما يأبى أن يُستوعَب نابعة من شعورك الخاص بالغرابة؟ لِمَ استكشاف كل هذه الهوامش التي يسعى المجتمع إلى محوها؟
أ. إردوغان: كان التقليديون يمقتونني حتى قبل أن أكتب عن الأكراد. هل سبب ذلك كوني امرأة ربما؟ «تضحك» إنني لا أتعمد ذلك. ولا أزال مصدومة أيضًا بسبب عنف بعض ردود الفعل تجاه القصص التي أروي. كنت سأقارن -وهو إرث من ماضي كباحثة- دهشتي من الطريقة التي اكتشف بها روثرفورد وجود النواة النووية؛ إذ أجرى تجربة بسيطة، حيث قذف ببعض الجزيئات فوق ورقة ميكا، فحصل على نتيجة غير متوقعة. وصف هذه التجربة بقوله: إنها كانت كأن صحيفة من ورق أعادت إليه قذيفة مدفع. أعتقد أن كتابتي هي هكذا: أرسل فقط بضع كلمات، وأحيانًا، في الغالب، تنبثق قذيفة مدفع عائدة لتسحقني. لِمَ يحصل رد فعل عنيف لهذه الغاية؟ بالتأكيد بسبب عجزي عن التماهي مع أي كان، ومع السلطة مهما كانت، ومع فكرة السلطة ذاتها التي تبين أنها العنصر الأساس في الحالة النفسية التركية، حيث ينتهي الأمر بأبناء وطني، على نحو جيد جدًّا، إلى التماهي مع السلطة، ومع المنتصر. ويمقتون الخاسر. أما أنا، فأهتم بالخاسر.
ليلى سليماني: أود أن أطرح عليك سؤالًا قد يبدو لك مفاجئًا. قبيل مجيئي، حاورتني صحافية. أنا مغربية، أكتب نصوصًا قاسية جدًّا عن المجتمع المغربي. سألتني الصحافية، والحالة هذه، بطريقة لطيفة: «هل تحبين بلدك؟» كان السؤال غريبًا في نظري، لأنني أحب الناس، لكنني أسخر من… لذلك، أريد أن أسألك: هل تحبين بلدك، وكيف تفكرين، على الخصوص، في سؤال كهذا؟
أ. إردوغان: الحب كلمة شاسعة جدًّا كأنها صحراء. إذ يمكن أن نجيب ببساطة بالإيجاب والنفي، في النفي عن سؤال «هل تحب؟».
ليلى سليماني: الأمر الغريب هو أننا لا نسأل الفرنسيين: إذا كانوا يحبون بلدهم أم لا.
أ .إردوغان: ذلك لأننا نتخيل أننا ننحدر من بلدة صغيرة، وأننا ننتمي إليها جسدًا وروحًا، ومن ثمة لا يمكننا سوى أن نحبها أو لا نحبها. إذا انتقدناها، فلأننا لا نحبها إذًا، كأننا، أنت وأنا، لا يمكن أن نكون مثلهم. هل تحبين فرنسا؟ لكن ما هي فرنسا؟ إنها كبيرة جدًّا، ولا متناهية. كذلك الأمر بالنسبة لتركيا. سأحاول أن أجيبك بأن أخبرك بما يمثله البلد في نظري. في لحظات مختلفة من حياتي، راودتني أجوبة مختلفة. في روايتي «العلامة العجيبة»، كتبت أن تركيا لم تكن، في نظري، سوى حفنة من الأشخاص الذين لا يمكن أن أكلمهم، لكني أفتقدهم. بعد أن كتبت هذه الجملة، تقع شخصيتي الرئيسة على قنينة ماء كولونيا رخيصة، ورغم أنها ليست ابتكارًا تركيًّا، فإن هذا العطر حاضر بقوة في ثقافتنا. على هذه القنينة البلاستيكية، هناك صورة ماجنة في البوسفور، حيث أخذت تبكي. بطريقة ما، هذا هو البلد: قنينة ماء كولونيا غير باهظة ورسم «كيتش». ورغم أن جوابي قد يتغير من دقيقة إلى أخرى، ثمة دائمًا شيء ما مفقود. وطبعًا، اللغة أكثر من أي شيء آخر. فالتركية هي لغتي الأم، بعدها تأتي اللغة الإنجليزية، لكني لا أمتلك ناصيتها جيدًا، حتى أوظفها في الأدب.
ليلى سليماني: في فرانكفورت حيث تعيشين، هل تتاح لك الفرصة أحيانًا أن تتكلمي هذه اللغة التي تسكنك؟
أ. إردوغان: لا. لي عدد قليل من الأصدقاء، أغلبهم أكراد. هناك اليوم العديد من المنشقين الأتراك الذين يعيشون في كل بقعة من أوربا، لكن قليلًا منهم في فرانكفورت. ثمة جالية تركية كبيرة في ألمانيا بالطبع. غير أنهم مهاجرون من الجيلين الثاني والثالث؛ لا أعرف كيف يسمونهم اليوم. فالجالية التركية في ألمانيا تمقتنا نحن المنشقين أصحاب الشعر الخشن. «تضحك» قد يقتلوننا. ما عليك إلا أن تنظري إلى نتائج الاستفتاء الدستوري الأخير سنة 2017م. إذ صوتت الجالية التركية في ألمانيا وفرنسا بكثافة لإردوغان، مرجحين الكفة لصالحه…
الإمبراطورية المفقودة
ر. غلوكسمان: هذا التصويت الحاشد لصالح إردوغان من طرف الأتراك الذين يعيشون في فرنسا وألمانيا، والذين لا يتحملون نتائج اختياراتهم بينما يتحملها عدد كبير من الأتراك في تركيا، كان مثار جدل…
أ. إردوغان: من الطبيعي أن يكون هذا التصويت مثار جدل، لأنه صادم جدًّا. كان الجميع يعتقد أن الجيل الأول من المهاجرين، الذي شهد العنصرية هنا زيادة على ذلك، والذي ظل يواجه صعوبات جمّة مع اللغة، سترشده قيمه التقليدية وسيصوت لصالح حزب العدالة والتنمية. لكن لا، حيث الجيل الثالث، الذي رأى النور هنا، والذي التحق أغلبه بالجامعة، هو الذي صوّت تصويتًا حاشدًا لإردوغان. وهو يتكلم اللغة الألمانية أفضل من الأتراك، لم يشهد أبناؤه عنصرية حادة مثل أجدادهم، وينتمي أغلبهم إلى الطبقة الوسطى أو الطبقة الوسطى العليا. بيد أنهم صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية. إذ يمثل تاريخ تركيا الكبرى والإمبراطورية المفقودة التي ينبغي استعادتها، عملة رائجة على الدوام. فـ«بوتين» يبيع كذلك وهم روسيا الكبرى المفقودة، التي تعرضت للخيانة، والتي ينبغي استعادتها، مثلما يبيع «ترامب» وهم أميركا العظمى التي ينبغي أن تنهض من جديد. يحب الناس هذه الأساطير. ويريدون الانتماء إلى شيء ما على حساب أي شيء آخر كيفما كان. إنه أمر محزن بلا عنوان أن يرغب أبناء ولدوا في فرنسا أو ألمانيا، في الديمقراطية، في الانتماء إلى أسطورة قمعية لبلد آخر…
ليلى سليماني: أنت بعيدة كل البعد عن هذه الهوية الذكورية، وهذه الاستيهامات حول الهوية القومية. أنت معارضة، امرأة، حرة، كونية…
أ. إردوغان: لكن لِمَ هذا السعي وراء الهوية قوي جدًّا؟ إنه الأمر الذي لم أتمكن من فهمه. إذ كيف يمكن لبلد أن يكون ثملًا بنفسه إلى حد يسمح له بأن يفتخر بوحشيته؟ أنصتوا إليهم. فهم فخورون بكونهم وحشيين، وبكونهم «أتراكًا دمويين». لقد باتت نظرة الغرب إلى تركيا، إلى هذه الاستيهامات، يقرها الآن الأتراك أنفسهم، كأنهم يتملكون صورة الرهاب التي شكلها الأوربيون عنهم، فيطالبون بها. فإذا كانت تركيا تنفي إبادة الأرمن اليوم، فإن هذا الأمر قد يتغير مستقبلًا، ربما سيعترف بها مواطنونا الأعزاء خلال بضع سنوات، بفخر، عن طيب خاطر. سيقولون حينها: «أجل، لقد اعترفنا! نحن على صواب. لنعترف مجددًا!».
ليلى سليماني: من هنا، ألا ترين أن للنساء دورًا يلعبنه فعلًا لمواجهة هذه الهوية الذكورية؟ هل للحركة النسائية هنا مكان للتعبير وبناء هوية مغايرة؟ أم أنك ترين ذلك مستحيلًا؟
أ. إردوغان: الحركة النسائية التركية قديمة، حيث تعود إلى بداية القرن التاسع عشر. انطلقت في ضواحي «تسالونيك»، خصوصًا مع نساء يهوديات أو معتنقات دينًا آخر. لهذه الحركة إذًا تقليد طويل جدًّا. لكن النماذج التي تمثلتها النساء التركيات متناقضة، حيث تستعصي على التعديل، حتى إنها جعلت تغيير المجتمع التركي أمرًا صعبًا. فعلى سبيل المثال، أين يمكن أن تقع النزعة الكمالية فيما يخص احترام المرأة؟ لقد أمكن للتركيات أن يصوتن قبل الفرنسيات. لكننا نرى أن للفرنسيات سلطة أكبر بكثير من التركيات. من جانب آخر، يسمى مطار إسطنبول الثاني باسم صبيحة كوكجن، وهو اسم أول ربانة طائرة مطاردة في تاريخ تركيا. وما كان أصلها؟ إنها أرمينية. أخذها أتاتورك تحت جناحه، وتبناها. نشأت على الأيديولوجيا الكمالية، وكبرت مناضلة. كانت امرأة تحمل أيديولوجيا ذكورية جدًّا، حيث كانت مقاتلة. ومن قصفت؟ الأكراد. إنها حكاية تركية صرفة. بعد ذلك بسنوات طويلة، كتب صحافي أرميني الحقيقة حول هذه البطلة التركية، مذكرًا بأنها كانت أرمينية. فقتلوه.
ر. غلوكسمان: عندما نقرأ أعمالك، وننصت إليك، نشعر بأن هناك شيئًا ما خاطئًا في تحديث تركيا، حتى قبل إردوغان، ذلك أن بعض الأشياء طرحت للنقاش، مثل إبادة الأرمن أو القضية الكردية، وأن هذا الأمر يصعب أن يبقى، هكذا، مغلفًا في شكل من أشكال الكذب.
أ. إردوغان: تمامًا. بل إنني أعتقد أنني كتبت جملة حول هذا الأمر هي: يوجد أسفل عمارة الجمهورية التركية قبو يحتوي على جثث الأرمن والأكراد والآشوريين. لقد بني مجتمعنا على مقبرة. في هذا الباب، هل تعلمون ماذا كانت حديقة غازي في إسطنبول من قبل؟ كانت مقبرة أرمينية. شعرت خلال انتفاضة غازي أننا كنا ملعونين، وأننا سنخسر طالما كنا فوق مقابر أرمينية. يحصل هذا الأمر في تركيا في الغالب. وهم يفعلون الأمر ذاته اليوم بمقابر الأكراد، حيث ينقلون الجثث ويطرحونها في مكان آخر.
رجب طيب والطابع الهجين للأيديولوجيا
ليلى سليماني: أنت تعلمين، بكل تأكيد، أن تركيا كانت تمثل نموذجًا، في نظر الحداثيين في المغرب أو حتى في الجزائر. كانت بمثابة وسيلة بالنسبة لنا كي نرى أن الديمقراطية والإسلام متصالحان. والأمر نفسه ينطبق على الإسلام والعلمانية أو اللائكية. كانت مصدر أمل كبير، لكنها أصبحت اليوم تمثل صدمة كبيرة. يسكننا الخوف من أن هذا الأمر ليس سوى وهم. ما رأيك في العلمانية واللائكية في تركيا؟ هل ما زالتا واقعًا؟ وهل سيكافح الأتراك من أجل ذلك؟
أ. إردوغان: يبدو المجتمع البولوني أو الإيطالي أكثر تدينًا من المجتمع التركي. إنه شعور. لست عالمة اجتماع. ذلك أن تركيا العميقة ليست متدينة جدًّا، بل هي تقليدية أكثر. وهو أمر مختلف جدًّا، حيث لا يحيا أتراك كثيرون جدًّا وفق تعاليم القرآن أو تبعًا لما وراء الموت. إنهم واقعيون جدًّا، وهم متجذرون في اليومي. إدراكهم للخير والشر سطحي. أخلاقنا فاسدة تمامًا. لا أحد يبالي فعلًا بالامتناع عن السرقة والقتل وبالوصايا العشر. إذ يجب على النساء أن يرتدين لباسًا مناسبًا، وعلى المرء ألا يشرب الكحول. وهذا أمر كافٍ. ومع صيام رمضان مرة واحدة، ها أنت متدينة تمامًا. لا يستطيع الأتراك أن يقيموا نظامًا على الشريعة وحدها؛ من هنا حاجة إردوغان إلى اللجوء إلى النزعة القومية المتطرفة، حتى لو اقتضى الأمر أن تتناقض هذه الأخيرة مع عقيدته الإسلامية. من هنا الطابع الهجين للأيديولوجيا التي يفرضها بغية تعزيز سلطته. أعتقد أن تركيا لن تصبح مثل إيران…
ر. غلوكسمان: مع أن تركيا لم تعد متدينة جدًّا. في طهران، داخل بعض الأحياء، انتقل المواطنون إلى مرحلة ما بعد الدين على نحو عميق. غير أن نظام الملالي فرض نفسه، وبقي على قيد الحياة…
أ. إردوغان: زارت صديقة إيران، وهي مناضلة نسائية صلبة، وأعجبت بها. أنت على حق. قلت لها إنني لا أرغب في الذهاب إلى بلد حيث أجبر على ارتداء الحجاب. أجابتني أنني أرى المسألة انطلاقًا من وجهة نظر أوربية. لكن موقفي طبيعي. لن أذهب إلى هناك…
ليلى سليماني: مثلك، لن أذهب إلى بلد سأجبر فيه على ارتداء الحجاب. يتعلق الأمر بفقدان الحرية. أريد أن أختار. إذا كانت امرأة ما تريد أن ترتدي الحجاب، فهي حرة في أن تفعل ذلك. لكنني لا أريد، باعتباري امرأة، ألا أتمكن من ارتداء ما أريد.
أ. إردوغان: أجل، أنا أيضًا. فشعري هو ملك لي. فهو ليس جميلًا، انظرا إليه، بل هو قبيح «تضحك»، لكنه شعري، فماذا يريدون مني؟ أريد أن أكون المرأة التي تقرر العلاقة مع جسدي وشعري وعيني وأظافري. رفضي غريزي. عندما أدخل إلى مسجد أو معبد هندوسي، فإنني أغطي نفسي. أحترم هذا الأمر. لكن، ذات مرة في مسجد بمصر، كنت متلفعة بغطاء، قالت لي حارسة، بدافع نية الإساءة إليّ أمام الأجانب: «لا، لا يمكنك أن تدخلي هكذا». وجاءتني ببرقع. رفضته بطريقة حيوانية، طبيعية، لكن على نحو غريزي كذلك، حيث لا يمكنني أن أنزعه عن امرأة أخرى، وهو ما طلب مني أن أفعله لما كنت أستاذة مساعدة في الجامعة، وكان الكماليون الذين يتولون السلطة حينها قد سنوا قوانين تمنع الحجاب في الجامعة. قابلتني طالبة من طالباتي. كنت أود أن أجبرها على نزع حجابها. ورفضت ذلك ببساطة. لم أكن أستطيع أن أفعل ذلك بامرأة أخرى. فالأمور واضحة؛ ذلك أن الحرية هي دليلي الوحيد. بينما ترتدي الأخريات الحجاب، لا أريده أنا، ولا أستطيع.
ر. غلوكسمان: تحدثت عن انتفاضة غازي. قلت خلال ندوة حضرناها معًا: «أعتقد أنها الأيام السبعة عشر الأجمل في حياتي». لاحظت أن عينيك التمعتا، وأنت تقولين هذا. ما يلفت الاهتمام هو أنك، بصفتك كاتبة، عندما تتناولين الكلمة أو عندما تصفين، نشعر بعزلة لا حد لها. في حين أنك هنا تنتمين، فجأة، إلى مجموعة معينة بشكل واضح.
أ. إردوغان: الأمر جلي جدًّا في كتاباتي الشعرية. أشارك في تظاهرات 8 مارس وفاتح مايو كل سنة في تركيا. وفي كل مرة أكتب، على نحو خاصة يوم فاتح مايو، لأن هناك عنفًا بوليسيًّا أكبر. في كل مرة، ثمة امرأة في كتاباتي- هي صِنْوي إلى حد ما. هي امرأة منعزلة جدًّا، لكنها تلتقي بمجموعات عديدة. فلِمَ تسير مع هذا أو ذاك؟ تقوم اللعبة على تفاصيل صغيرة جدًّا، مثل ابتسامة أو لقاء. وهي تختلف اختلافًا كبيرًا عن الكتابة السياسية الملتزمة المثبتة بالحجج. إذ لا يحضر في مقالاتي عن يوم 8 مارس سوى الـ«نحن». لكن ثمة، في مقالاتي حول غازي، ضمير «نحن» يتجاوز الجميع. لم تعد هذه المرأة وحيدة، بل هي جزء من الجماعة، من الغابة. لهذا بالتأكيد يمثل هذا اليوم لحظة ثمينة جدًّا في حيواتنا، حيث استشعر الجميع هذا الأمر. لم تعد هناك هويات، وأصبحت اللحظة عظيمة. ذلك أنك تترك هويتك في مدخل المتنزه، سواء كنت كاتبًا أو أستاذًا أو غير ذلك.
كان للبعض رموزهم الطائفية أو شعاراتهم الحزبية السياسية. وقد كانوا أحرارًا في كتابة ما شاؤوا. وحمل البعض الآخر لافتات فردية. كان هناك كل شيء. كان هناك أيضًا الكثير من الهزل والسخرية بفضل الشباب الأصغر سنًّا. كان ثمة شعور بالوحدة والرفاقية. إذ يصعب على المرء أن يشعر بالعزلة داخل جماعة «شاعرية». فالأكراد منفتحون جدًّا بالتأكيد، لأنهم يمتلكون تنظيمًا أفقيًّا أكثر وميالًا أكثر إلى المساواة. ففي حزب الشعوب الديمقراطي «وهو الحزب الثالث في تركيا، المتجذر في اليسار والمدافع عن الأقلية الكردية»، يقتسم كل منصب شخصان: رجل وامرأة، وفي الغالب أيضًا كردي وغير كردي. وهو بذلك يؤكد على أنه ليس حركة كردية فقط. في غازي، لم تكن هناك حواجز. بالطبع، فالمسألة مثالية إلى حد ما. لقد حصلت بعض الحوادث، كأن يطعن كماليٌّ كرديًّا، لكنها تبقى مجرد استثناءات، بالنظر إلى عدد الأشخاص المعبئين الذي يفوق خمسة ملايين. الأمر أشبه بالفيزياء؛ ذلك أن الحالة ليست عادية، وإنما هي حالة في أعلى مستوى. والحال ألا شيء، في الطبيعة، يظل في أعلى مستوى من الطاقة، حيث ينخفض كل شيء. إذ لم يكن من الممكن أن يبقى هؤلاء الأشخاص معًا إلى الأبد، وإنما فقط لبضعة أيام مسروقة من تفاهة الاستبداد. بعد ذلك، يعود الجميع إلى حالته الطبيعية، بأيديولوجياته الخاصة ومشاعر روابطه الخاصة. فما كان جميلًا في غازي على نحو خاص هو أن الناس نسوا مشاعر الانتماء منذ الأيام الأولى.
الأدب لا يقدم شيئًا لرجل سجين
ر. غلوكسمان: كانوا ينتمون إلى المكان.
أ. إردوغان: أجل، ينتمي الواحد إلى الآخر. لم تعد الحرب الأقدم بين الرجال والنساء قائمة هنا. لا وجود لأي نوع من التحرش. كان الرجال رائعين فعلًا، وكذلك النساء. كدنا نتخلص من الجنسين. تضاءلت لعبة السلطة بين المجموعات. كانت اللحظة مدهشة، لحظة فضيلة جماعية وثورة عقلية.
ليلى سليماني: أريد أن أطرح عليك سؤالًا حول السجن. عندما كنت في العشرين من العمر، كان والدي سجينًا. وعندما غادر السجن، ظل يكرر على مسامعي أن الأدب اكتسى أهمية بالغة بالنسبة له، وهو خلف القضبان. وقد ساعدته القراءة على تحمل السجن، لأنه كانت هناك عوالم أخرى يسافر فيها. أتذكر أنه كان ربما يخبرني بهذا الأمر، ليحميني. كنت متأكدة أن الأمر ليس صحيحًا، أن الأدب لا يمكن أن يقدم أي شيء لرجل سجين. من هنا، أود أن أسألك: هل ساعدك كونك كاتبة وقارئة؟ هل الأدب فكرة مبتذلة، أم أنه قادر فعلًا على المساعدة؟ هل يستشعر المرء سلطة الأدب هذه عندما يحرم من حريته؟
أ. إردوغان: أجل! تؤكد ذلك تجربتي الشخصية، وما عاينته لدى المئات من السجناء السياسيين. فالبقاء يقتضي منك ألا تبالي بالواقع، حيث تبقى القراءة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك. وهي نصيحة ينصح بها كل سجين جديد: ثمة أمران ينبغي أن تفعلهما في السجن كي تنجو، وهما القراءة وممارسة الرياضة. كلما مكث السجناء في السجن طويلًا، كلما أصبحوا قراءً مذهلين. وبعد وقت، ينكبون على الكتابة، حيث تنتج السجون التركية عددًا من الكتاب. لقد انطلق صلاح الدين ديميرتاش في الكتابة في السجن. والسلطة على علم بذلك، وهي الآن لا ترخص سوى عدد قليل من الكتب. فعندما كنت في السجن، لم تكن تسمح سوى بخمسة عشر كتابًا، صار العدد الآن سبعة.
ليلى سليماني: والكتابة؟
أ. إردوغان: بالنسبة لي، اتسمت الكتابة بتعقيد بالغ في السجن. لم أكن في زنزانة، مثل أحمد ألتان، بل كنت في عنبر صاخب جدًّا، حيث يكتظ ثمانون شخصًا داخل فضاء ضيق. في السجن، الفضاء والزمن ليسا لك. فأنت تستدعين ثماني أو تسع مرات في اليوم، استجابة لزائر في قاعة الاستقبال، أو محامٍ، إلخ. كنت مزعَجة على الدوام. ثمة كذلك حملات الحراس التفتيشية. فالسجن ليس مخيم عطلة، حيث لا يدعونك وشأنك أبدًا. ولا بد من انضباط كبير من أجل خلق هذا الفضاء. في الغالب الأعم، كنت ممزقة، منكسرة جدًّا لا أقوى على التركيز. كنت أركز على المحاكمة. لقد حذرني سجناء آخرون: «لا تفتحي ملفك إلا قبل أربعة أسابيع». إنه الخطأ الذي يرتكبه العديد من السجناء، حيث يتحدثون بلا انقطاع، داخل رؤوسهم، ولدى النائب العام. أما أسوأ مرحلة، فهي التي تسبق النطق بالحكم. ما أن تداني، حتى يصبح الأمر سهلًا.
ليلى سليماني: هل ما زلت تذكرين نصوصًا وروايات قرأتها منذ زمن بعيد؟ قرأت أن أحمد ألتان، الذي تحدثت عنه، والذي أدين بالمؤبد، يتحدث عن كونه ما زال يذكر بعض المقروءات القديمة التي أعجب بها خلال المراهقة.
أ. إردوغان: كنت أفتقد إلى بعض الكتب على نحو خاص، لذلك طلبتها. كنت أرغب مثلًا في أن أعيد قراءة بول تسيلان. أردت كذلك أن أعيد قراءة رواية «في انتظار البرابرة» للكاتب الجنوب إفريقي جون ماكسويل كويتزي. ذلك ربما لأن لي ذكرى غامضة عن أوصاف الزنازين ومشاهد التعذيب. كما قرأت كتاب «المحرقة». كنت الوحيدة التي استعارت هذا الكتاب من المكتبة.
ليلى سليماني: يبقى الأمر مثيرًا للفضول على أي حال أن تطلبي كتابًا من أجل مقاطعه التي تتمحور حول الزنازين والتعذيب. ربما كان يجب أن تقرئي كتبًا من شأنها أن تساعدك على الخروج من السجن.
أ. إردوغان: كانت الفكرة تقود إلى الاتجاهين. لقد جعلني كتاب «المحرقة» أنسّب الأمور «تضحك». في تلك اللحظة، التمس النائب العام الحكم علي بالمؤبد. كنت أفكر في الانتحار. أخبرت والدتي ومحاميَّ أن يعلموا السلطات بأنني سأخرج بعد عام، إما واقفة وإما صريعة. أُخبر إردوغان بذلك. كانت زميلاتي في السجن يحاولن إقناعي بالتخلي عن الفكرة، خصوصًا مناضلات الحزب العمالي الكردستاني، اللواتي سيكتشفن جثتي. شكل ذلك صدمة رهيبة. تحصل في السجن حالات انتحار عديدة. عندما كنت هناك، كادت صديقة صديقة لي في العنبر تهلك. وهذه الصديقة حلاقة كردية من الشرق، أدينت بثمانية أعوام سجنًا بسبب مشاركتها في مظاهرة من مظاهرات ثمانية مارس.. لم تبك طيلة أيام عديدة. كانت تتفرغ لاهتماماتها اليومية، وتدرك أننا نتحدث معها، لكن عينيها كانتا فارغتين. وتخلصت من هذه الحالة في النهاية. إنها امرأة قوية جدًّا. لقد تعافت بعد ستة أيام رغم أن الجرح بقي. ليس سهلًا أبدًا إذًا الإقدام على الانتحار بالنسبة للسجناء. فمن يبقون على قيد الحياة يشعرون بالانكسار.
ليلى سليماني: كنت تنتمين في نهاية المطاف إلى مجموعة داخل السجن؟
أ. إردوغان: بالطبع، يجب أن تنتمي إلى مجموعة ما. ما زلت أشعر بالتأثر عندما آتي على ذكر السجن. عندما كنت أرقص الباليه، كنت أحب بالطبع «إزميرالدا» في رواية فيكتور هوغو. هكذا، تجد راقصة نفسها سجينة. لقد اعتقلت في الأسبوع نفسه الذي اعتقلت فيه شابة روسية بسبب قضية مخدرات، حيث انتحرت ليلة اعتقالها. لم أرَها قط، لكني كنت في المكان الذي شنقت فيه نفسها. ظللت أتخيلها راقصة سابقة. فكرت حينها في قصة راقصة باليه، وهي تستعد للانتحار. يتعلق الأمر بإعادة كتابة «إزميرالدا». أعتقد أنها ستكون قصة راقصة الباليه الوحيدة التي ستشهد تنفيذ الإعدام. وهي قصة تخصني.