السينما الكويتية.. بس يا بحر
عندما كنت أدرس في المدرسة الشرقية في الكويت في بداية الخمسينيات لم تكن هناك دور للسينما والمجال الوحيد لعرض الأفلام كان في البيوت، وفي المناسبات السعيدة كانوا يعرضون أفلامًا على مقياس 16 ملم. وأول فلم شاهدته في الكويت كما أذكر كان فلم «بلبل وبطة» لإسماعيل ياسين، وذلك كان في أحد البيوت المجاورة لنا في منطقة الشرق في بداية الخمسينيات. بعد ذلك، ولأنني كنت أهمل الدراسة في الكويت، وكان الوالد – كمعظم تجار الكويت آنذاك – له علاقات تجارية مع الهند ففكر أن يرسلني إلى الهند للدراسة، وأن يشرف مكتبه التجاري على ذلك. وعندما وصلت إلى الهند أدخلت في مدرسة أميركية إنجليزية اسمها مدرسة سان بيتز. وطبعًا الهند معروفة في مجال السينما سواء في الأفلام الهندية أو الغربية، ومن هنا تدريجيًّا بدأت اهتماماتي بالسينما، ومع الزمن كنت أهرب من المدرسة لحضور بعض الأفلام لدرجة أن المدرسين والمدرسات بدؤوا يشتكون من غيابي إلى مكتب الوالد. وكنت أستغل الكثير من هذه الأوقات، لا لمشاهدة الأفلام فقط، بل لتعلم أمور فنية أخرى مثل: الإلكترونيات والالتحاق بمعاهد التصوير الفوتوغرافي وحضور أستوديوهات الأفلام السينمائية، ومنها أشهر أستوديو وهو أستوديو سنترال. وكنت دائمًا أساعد الفنيين في الأمور الفنية المختلفة، منها الديكور والأصباغ والمعمل والطبع والتحميض والصوت، وكل ذلك طبعًا من دون أي مقابل أبدًا، والمقابل الوحيد أن يسمحوا لي بأن أساعدهم بأي طريقة ممكنة، وهذا كان كافيًا لي. ومع الزمن وقبل إنهاء دراستي الثانوية هناك التحقت بمعهد سينمائي في بومباي، ودُرِّبتُ على التصوير الفوتوغرافي والنواحي الفنية للفلم السينمائي.
وكل هذه الأمور كانت تدور بمنتهى السرية بعيدًا من معرفة مكتب الوالد أو الوالد نفسه بها، حتى انتهيت من الدراسة في المدرسة الثانوية فطلبت من والدي أن أواصل دراستي التخصصية في مجال السينما. وطبعًا رفض رفضًا قاطعًا حيث كان يرى أن مجال السينما مجال اللهو والفساد وغيره. وهنا حدث نوع من التحدي من جانب الوالد حتى إنه أعادني إلى الكويت، وحاول أن يقنعني أن أشتغل معه في تجارته. وطبعًا لم أفلح في ذلك واستمرت عملية التحدي معه حتى التحقت –بعد التخرج- بتلفزيون الكويت عام 1963م. كان تلفزيون الكويت في بدايته، ولم يكن به قسم للسينما، وبعد عام تقريبًا من عملي في القسم الهندسي بالتلفزيون، انتقلت إلى الإخراج التلفزيوني معتمدًا على التدريب الذاتي، ثم عرض علينا وزير الإعلام ووكيل إلاعلام في ذلك الوقت الشيخ جابر العلي والأستاذ سعدون الجاسم أن نشترك في مهرجان تلفزيوني، وكان عبدالوهاب السلطان يومها رئيس قسم التصوير الفوتوغرافي في وزارة الإعلام ومحمد السنعوسي وأنا من التلفزيون وذهبنا إلى مونت كارلو في مهمة رسمية لحضور المهرجان التلفزيوني هناك عام 1964م، وفي أثناء وجودنا هناك تحدثنا أنا وعبدالوهاب السلطان حول مسألة إنشاء قسم للسينما في تلفزيون الكويت، وبعد رجوعنا بدأنا ننقل بالتدريج من وزارة الإعلام بعض الأجهزة السينمائية – التي كانت تابعة لوزارة الشؤون سابقًا – إلى قسم السينما، وترأس الأستاذ عبدالوهاب هذا القسم، ومجموعة من مصوري السينما منهم: المصور اللبناني سليم شحيد، والمصور المصري محمود سابو، والمونتير حسنوف. وكان لدينا معمل لتحميض الأفلام السينمائية في ثانوية الشويخ لأنه كان تابعًا آنذاك لوزارة التربية. وبدأنا نستعير هذا المعمل ونحمض الأفلام 16 ملم والأفلام الإخبارية التي كانت تصور بالطريقة السينمائية 16 ملم أيضًا.
وكان أول عمل أنجزناه فلمًا صورته، مدته نحو 20 دقيقة مقياس 16 ملم، وحمض في معمل وزارة التربية، وكان اسمه «علياء وعصام» عام 1964م، ولتوفير الوقت في عمل الفلم لأنه كان ضمن برنامج اسمه «صور شعرية»، اضطررت أن أمثل في الفلم أيضًا – صورنا الفلم كله في نصف يوم! بعد ذلك عملت عدة أفلام قصيرة درامية وتسجيلية ووثائقية منها فلم «الصقر» عن القنص، وقد صور الفلم في البراري، وكان معي من المصورين سليم شحيد وتوفيق الأمير. وحمض الفلم بإنجلترا (35 ملم) وقد اشتركنا بالفلم في مهرجانات عدة ولاقى صدى إعلاميًّا واسعًا).
صراع الإنسان وتوظيف الفولكور
في مهرجانات الأفلام القصيرة والتلفزيونية التي كنت أمثل الكويت فيها من خلال أفلامي، كنت أواجه بصورة مستمرة بأسئلة غريبة من نوعها عن الكويت، ومنها أن الكويتيين مولودون بملاعق ذهبية في أفواههم، وذلك بسبب الثروة النفطية! وبسبب تركيز وتكرار هذه الأسئلة فكرت أن أقدم عملًا أعرض فيه كفاح آبائنا وأجدادنا الكويتيين قبل اكتشاف البترول. وطبعًا هذه الانطلاقة كانت ذاتية. وبدأت أبحث عن الموضوع المناسب لمدة طويلة جدًّا حتى وقع اختياري على قصة شبه قصيرة للكاتب عبدالرحمن الصالح، كانت بعنوان «الدانة». وبمجهود كبير كتبنا السيناريو بالمشاركة مع المؤلف عبدالرحمن الصالح نفسه، وباشتراكي أنا والأستاذ ولاء صلاح الدين والممثل سعد الفرج. وأحببت -من خلال هذا الفلم كما ذكرت– أن أبيِّن للعالم كفاح الشعب الكويتي والخليجي ضد الطبيعة –والطبيعة هي البحر عندنا– قبل اكتشاف النفط. ومع أن هذه العملية كانت نوعًا من المجازفة، لكن الاندفاع والحماس وجنون السينما أيام الشباب جعلوني أنسى كل هذه الجوانب على الرغم من خبرتنا المتواضعة في كتابة السيناريو، اليوم وبعد النجاح الباهر الكل يدعي أنه الوحيد الذي كتب السيناريو لهذا الفلم من الألف إلى الياء.
ومن الصعاب التي واجهتنا في هذا العمل أن الممثلين كلهم كانوا غير محترفين، ولهم وظائفهم اليومية في دوائر الوزارات الحكومية وكنت مضطرًّا إلى أن أسجل وأشتغل معهم فقط في العطلات الرسمية، وكل يوم خميس أو جمعة حسب ظروفهم. وطبعًا كانت هناك صعاب ومشاكل كثيرة حتى أنجزت تصوير الفلم في زمن قياسي، فقد كان التصوير في نحو أربعة أشهر إلى خمسة أشهر. وطبعًا كان كل يوم جديد يمثل تحديًا لنا في ظل ظروف قاسية، قاهرة، خارجة عن إرادتنا، ومن دون أي خبرة سينمائية سابقة في مجال الأفلام الروائية الطويلة، ولله الحمد تخطينا كل هذه الصعاب، وأنجزنا الفلم من ناحية التصوير فقط، أما النيغاتيف السالب للفلم فقد حمض في تلفزيون الكويت، وأُجرِيت المراحل الفنية الأخرى في أستوديو مصر في القاهرة. وعندما أنهينا الفلم في الشكل الأولي، اقترح السفير الكويتي في القاهرة –الأستاذ حمد الرجيب– إقامة عرض خاص للفلم يشاهده الصحافيون والنقاد، لجس نبض الصحافة والنقاد واستكشاف انطباعهم عن الفلم. وبالفعل أقيم عرض خاص للفلم حضره كبار النقاد والصحافيين في القاهرة. وكانت الاستجابة رائعة، ونشرت الصحف مقالات عديدة في الأيام التالية تشيد بمستوى الفلم. وبعد العودة إلى الكويت استقبل الفلم استقبالًا رائعًا، وحضر عرضه الأول سمو أمير البلاد، وكان آنذاك ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء.
ونجح هذا الفلم في المهرجانات العديدة التي عرض فيها – فقد حاز حتى الآن على نحو تسع جوائز سينمائية عالمية منها جوائز مهرجان طهران ومهرجان دمشق، ومهرجان فينسيا، ومهرجان قرطاج، ومهرجان شيكاغو، ومهرجان قرطاجنة في إسبانيا وجوائز غيرها – وأعتقد أن سبب النجاح الباهر لهذا الفلم يرجع إلى أنه منفَّذ بصدق، وحماس مخلص وصادق، وفي بيئة غريبة لم تعرض من قبل على العالم بهذا الشكل. من خلال هذا العمل أحببت أن أقدم –غير الكفاح المرير لشعب الخليج ضد الطبيعة– زاوية وأسلوبًا وفكرًا جديدًا في المعاملة السينمائية، وذلك بإبراز أو عرض العادات والتقاليد الكويتية، وأحبكها حبكة درامية لصالح الخط الدرامي (أقصد بذلك أن أوظف العادات والتقاليد والجانب الأنثروبولوجى توظيفًا دراميًّا لصالح الخط الروائي للفلم) وأظن إلى حد ما أن هذه المحاولة قد نجحت. وهذه النقطة هي سبب من أسباب نجاح الفلم على هذا المستوى. ففي رأيي أنه من خلال دراستنا للجوانب الفولكلورية والعادات والتقاليد نجد الدافع وراءها دراميًّا في البداية، عند ظهورها إلى الوجود، وتستمر هكذا مع الأجيال، وفكرت أنه يجب عليّ أن أعرض هذه الأمور من خلال خط درامي، أي توصيلها دراميًّا وإبراز وظيفتها الدرامية، فكل الأشكال الفلكلورية الموجودة في الفلم موظفة دراميًّا. وكما أن البعض يرى في هذا العمل تناولًا أنثروبولوجيًّا، فأظن أن بالإمكان عده صالحًا كمرجع سينمائي لدراسة أنثروبولوجية لبيئة الكويت قبل النفط، وأظن أن المادة الوحيدة المرئية الموجودة في العالم عن الكويت قبل اكتشاف البترول هو فلم «بس يا بحر»؛ لأنه يعرض جميع الجوانب قبل دخول عامل النفط، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وكذلك طبعًا العادات والتقاليد. فهذه النواحي ساهمت في نجاح الفلم نجاحًا منقطع النظير على جميع المستويات، لدرجة أنه من الممكن أن أقول بعد «بس يا بحر» ظهرت أفلام عربية عدة عالجت مادتها بالطريقة نفسها، يعني الخط الدرامي فيها مطعم بالعادات والتقاليد، ابتداء من «عزيزة» الفلم التونسي لعبداللطيف بن عمار (سنة 1977-1978م) إلى آخر فلم على الغرار نفسه شاهدته سنة 1988م، وهو فلم «عرس الجليل» للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي.
بعد ذلك بسنوات فكرت في إخراج رواية الطيب صالح «عرس الزين». وقد وقع اختياري على «عرس الزين» لسبب بسيط جدًّا، فقد وجدت من خلال قراءتي لهذه الرواية المتوسطة في الطول أن هناك نقطة مهمة جدًّا يجب أن نتطرق إليها أنا أو غيري ونعرضها للجمهور. والنقطة هذه جاءت في الرواية بصورة مبسطة جدًّا وهي النفاق الديني في المجتمعات الإسلامية، وفضلت أن أقوي هذا الخط وأبرزه بشكل ملحوظ. وهذا شكل نوعًا من التعديل في رواية «عرس الزين»، هذا إضافة إلى اهتمامي بالعادات والتقاليد والجانب الأنثروبولوجي في العمل الأدبي، في البيئة السودانية الغنية.
القطاع الخاص وعدم دعم السينما
لقد حاولت في هذه الأفلام الثلاثة، بتنوع بيئاتها الدرامية تقديم عمل جاد مختلف عن السينما التجارية الهابطة، وفي الوقت نفسه سعيت في هذه الأعمال إلى أن أبين الأبعاد التاريخية والحضارية لنا. فبالطبع هذه الأعمال لها أبعادها وترتبط بروح المكان والبيئة والزمن. وهذه الأعمال كلها ترتبط أيضًا بالحالة النفسية أو المرحلة الظرفية التي أكون فيها عندما أختار العمل، وتسيطر عليّ طبعًا من البداية إلى أن أقع على القصة المناسبة، وأحوِّل هذه القصة إلى فلم سينمائي. قبل الدخول في تصوير فلم «بس يا بحر» حاولت إقناع الجهات المسؤولة في الكويت في أوائل السبعينيات أو أواخر الستينيات بتمويل أفلام روائية طويلة، ومع ذلك للأسف لم أنجح في ذلك. فجازفت بعمل فلم «بس يا بحر» بنفسي وعلى مسؤوليتي، وبعد تفكير عميق حاولت وفكرت أن أعمل عملًا ثانيًا. وأرفض تماما أن تتولى الدولة عملية الإنتاج السينمائي، وقد فشلت كل المحاولات التجارية في هذا الإطار فشلًا ذريعًا – في أوربا الشرقية، وفي مصر وغيرهما – لكن الدولة يمكن أن تقدم المساعدات والإمكانيات الكافية للإنجاز الإبداعي في مجال السينما. فعندما أنتج فلمًا لحسابي الخاص، وتكلفته على سبيل المثال 100 ألف دينار، الدولة تقول: «مستعدة أدفع نصف المبلغ أنجزوا العمل». هذه الخطوة رائدة وجميلة إذا تمت هنا. وللأسف فإن القطاع الخاص «ليس عندهم ثقة في مجال السينما ولا حماس لخدمة الكويت إعلاميًّا وثقافيًّا من خلال السينما»، لماذا لا يساهمون في دعم إنتاج أفلام سينمائية ينجزها فنانون وفنيون كويتيون. وهو وضع يجعل الإنسان يتمنى لو كان لدينا نظام للضرائب؛ لأنه إذا فرضت الضرائب على المؤسسات والشركات فسوف تمول – كما يحدث في أوربا – إنتاج أفلام سينمائية بدلًا من دفعها لضريبة وتستفيد دعائيًّا من وضع اسمها على الفلم، كذلك ستكون قد ساهمت في المجالات الثقافية والإعلامية في البلد.
من ناحية، لدي مأخذ بسيط على الشباب الكويتيين المتخرجين حديثًا في مجال السينما فأقول لهم: رجاء يا أصدقائي ابدؤوا من أول السلم. إن كل خريج يأتي في بدايته، ويريد أن يصبح مخرجًا لفلم روائي طويل. وقد نصحت أحد هؤلاء الخريجين الجدد منذ مدة قريبة وقلت له: «إذا بدأت مسيرتك بفلم روائي طويل وفشل فقد انتهيت إلى الأبد كمشروع مبدع سينمائي». فأكبر مخرجي العالم بدؤوا حياتهم الفنية من خلال أعمال صغيرة.
أتمنى أن يكون هناك تجمع للسينمائيين الموجودين في الكويت. وطبعًا هناك عوائق عديدة أمام ذلك. فالجيل الأقدم إما مشغول، أو يئس من المحاولة. والجدد لا يزالون في حاجة إلى إثبات وجودهم، وتنقصهم الخبرة. لكنني أتمنى أن نجتمع قدامى وشبابًا تحت مظلة جمعية للسينمائيين. وسمعت في الآونة الأخيرة عن محاولات تقوم بها مجموعة من شباب السينمائيين في الخليج، وهو إنشاء مركز سينمائي تابع للأمانة العامة لدول مجلس التعاون وهي فكرة ممتازة، لكني أتحفظ على أن يكون الهدف الأساسي لهذا المركز إنشاء أستوديوهات، فهذا خطأ، كما سبق أن أوضحت، فدور العرض مثلًا أهم، وإنتاج الأفلام أهم. فماذا أصنع بالأستوديوهات من دون أن أنتج أفلامًا؟ لأنه بإمكاننا إنتاج أفلام من دون أستوديوهات ومعامل كما عملنا في السابق، ولكن العكس غير ممكن.
عدنان فرزات: إمكانات مادية وفنية وأعمال روائية لم يستفد السينمائيون منها
ظل الناس لمدة زمنية طويلة، يعتقدون أن الفلم الكويتي «بس يا بحر» الذي ظهر في عام 1972م ويتحدث عن مرحلة الغوص، هو بمثابة بيضة الديك، أو أبعد من ذلك، هو بمثابة اللعنة التي حلت على بقية الأعمال السينمائية فطمستها حتى لم يعد يعرف الناس من السينما الكويتية سوى «بس يا بحر للمخرج خالد الصديق والمؤلف عبدالرحمن الصالح». هذا الفلم يمكن القول عنه: إنه «شوّش» على ماضي السينما وحاضرها في الكويت، وغطى على أعمال كثيرة، فسطوة هذا العمل السينمائي، جعلت بعضهم يعتقد أن تاريخ السينما بدأت منه، لكن الواقع يقول: إن السينما في الكويت لم تبدأ من تاريخ هذا الفلم، فالمؤرخون يذكرون أن بدايات السينما فيها تعود إلى عام 1939م. بدأ الوعي بأهمية السينما في الكويت مبكرًا؛ إذ أُسِّس قسم السينما والتصوير في دائرة المعارف التي هي بمثابة وزارة التربية اليوم، عام 1950م فأُنتج في تلك المدة ستون فلمًا وثائقيًّا تعليميًّا، حسب موسوعة تاريخ الكويت، التي جاء فيها أيضًا: «وفي عام 1954م تأسست شركة السينما ومعها أنشئت دور العرض وبدأ استيراد الأفلام، وفي عام 1964م انتقل النشاط السينمائي إلى وزارة الإعلام وتم افتتاح قسم السينما في تلفزيون الكويت، ثم مراقبة السينما عام 1981م بطاقة إنتاجية من عشرين فلمًا إلى ثلاثين فلمًا في السنة، وفي عام 1965م أُنتج فلم «العاصفة» لمحمد السنعوسي ثم تبعه في السنة نفسها فلم «الصقر» لخالد الصديق، ومجموعات من الأفلام التسجيلية ثم الروائية مثل «بس يا بحر» و«عرس الزين» و«شاهين». في مقالة منشورة بصحيفة القبس الكويتية بتاريخ 6/10/2017م، جاء أن: «أول جهاز للسينما دخل الكويت كان عام 1936م أحضره عزت جعفر، ووضع في قصر دسمان.. لكن البداية انطلقت من بيت بالإيجار خلف مستشفى الأميري، حوش عربي كبير، جهز بأرضية من الأسمنت وكراسي متحركة، وبدأت الأفلام تعرض في فصلي الصيف والشتاء، وحوش العرض غُطِّي بقماش سميك (يسمى الطربال) لا تنفذ منه المياه في أثناء نزول الأمطار. وكراسي متحركة، وكان إيجار البيت 44 ألف روبية في السنة الواحدة، أضيفت إلى ساحة العرض مطاعم لتقديم الوجبات السريعة، هذه البداية عام 1954م سميت دار سينما الشرقية».
جمهور سعودي
من المفارقات التي تذكرها المقالة، عن جمهور كان يحضر من المملكة العربية السعودية لمشاهدة العروض السينمائية: «طلب المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح من شركة السينما الكويتية إنشاء سينما للسيارات، فتم إنشاء سينما على الدائري السادس، وهذه نقلة جديدة في عالم السينما في الكويت نجحت وجذبت كثيرًا من المشاهدين، وبخاصة المملكة العربية السعودية، وهنا حصلت مشكلة وهي أن السعوديين يأتون بسيارات كبيرة لمشاهدة الفلم فتغطي على الصغيرة، فقامت الشركة بوضع أماكن لهذه السيارات حوالي ستين موقفًا للمشاهد». هذه ملامح عن البدايات التي تشير إلى أنها كانت بدايات جدية ومدروسة وممنهجة لتأسيس سينما حقيقية، لكن مع ذلك لم يحظ «الفن السابع» بالحضور الذي شهدته باقي الفنون في الكويت، فلكي نعرف أبعاد السينما في الكويت، لا بد من المرور بشكل عابر على بقية الفنون لإجراء مقارنة بسيطة، فالمسرح الكويتي كان أكثر رسوخًا من السينما، وقد انتشر المسرح الكويتي لمدة طويلة في المنطقة وارتبط بأسماء لامعة وموضوعات حيوية حركت مشاعر الجمهور أكثر مما فعلته السينما، وكذلك الأمر بالنسبة للدراما التلفزيونية الكويتية التي كانت مهيمنة لمدة طويلة على الساحة الخليجية، من خلال مسلسلات وتمثيليات كويتية بارزة لا يزال الناس يتذكرونها حتى اليوم، بل إن الكثير من المسرحيات الكويتية القديمة ما زالت تُعرض حتى اليوم تلفزيونيًّا وتستقطب المشاهدين بشغف.
هنا نصل إلى منعطف يتمثل في أن السينما في الكويت مرت بمرحلتين: التأسيس والحاضر، وبين هاتين المرحلتين فجوة كبيرة وفراغ سينمائي لم تشغله الكثير من الأفلام بعد فلم «بس يا بحر»؛ إذ يمكن القول بوجود مدة زمنية ما بين المرحلتين، غابت فيها السينما المحلية بشكل ملحوظ، واعتمدت دور العرض السينمائية على الأفلام الواردة من الخارج. هذا الموضوع تحدثتُ عنه سابقًا في ندوة شاركت فيها في نادي السينما بالكويت مع الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل والمخرج وليد العوضي، الذي أخرج فلمًا صخمًا بعنوان: «تورا بورا». طرحتُ في هذه الندوة قضية غياب السينما المحلية، وربطت الأمر بتقاعس السينمائيين عن الاستفادة من الروايات الكويتية التي يصلح معظمها لأن تتحول إلى أفلام سينمائية. وذكرت يومها أن الإمكانيات البشرية والمادية متوافرة بكثرة في الكويت، لكنها لا تستثمر بالشكل المطلوب.
ظلت السينما في الكويت تراوح بين البدايات وبضعة أفلام متقطعة هنا وهناك، إلى أن حدثت نقلة نوعية في السنوات الخمس الأخيرة، حيث نشطت مجموعات شبابية اتجهت نحو الأعمال السينمائية، وبدأت الأفلام القصيرة وغيرها تظهر على شاشات العرض وتشارك في مهرجانات بل تحصد الجوائز. ونذكر هنا دور الناشطة الثقافية الشيخة إنتصار سالم العلي الصباح، التي تبنت مجموعة سينمائية شبابية تمكنوا من تقديم أعمال مرموقة وحصلوا على العديد من الجوائز في مهرجانات خارجية. كما قامت رابطة الأدباء الكويتيين بتأسيس نادٍ سينمائي أطلقت عليه اسم نادي «سين» وتولى الإشراف عليه الشاب خلف العصيمي، فأصبح النادي يقيم عروضًا سينمائية أسبوعية وورشات عمل. وأيضًا بدأت بعض الأعمال الروائية تتحول إلى أعمال سينمائية مثل فلم «بيبي» المأخوذ عن رواية للكاتب عبدالوهاب الرفاعي وإخراج لولوة عبدالسلام وعبدالعزيز العمار. كما دعمت شركة السينما الوطنية الكويتية الشباب، فقدمت أعمالًا مميزة منها: «فلان» من إخراج مساعد خالد ومقداد الكوت، و«صورة جواز» للمخرج يوسف المجيم، و«ضابط مباحث»، و«سالفة صورة» للمخرج داود شعيل وغيرها.
عماد النويري: هذه بدايات السينما في الكويت
مدير نادي السينما السابق في الكويت الناقد عماد النويري، الذي يعد أحد أهم موثقي وناقدي الأعمال السينمائية، تحدث لــ«الفيصل» عن تاريخ السينما في الكويت، وكان ألَّف كتابًا عن هذا الموضوع، يقول النويري: في الثلاثينيات من القرن العشرين، وعندما بدأ الكويتيون في السفر والترحال إلى عدد من الدول العربية للدراسة والتجارة، استطاعوا هناك مشاهدة الأفلام في دور السينما سواء كانت أجنبية مستوردة أو أفلامًا عربية منتجة في تلك الدول. وفي عام 1939م قام ألن فلييرز الرحالة والقبطان البحري الأسترالي الأصل بتصوير فلم تسجيلي عن الغوص وصيد اللؤلؤ وبعض ملامح البيئة الاجتماعية في الكويت، وتلاه محمد قبازرد بالفلم التسجيلي «الكويت بين الأمس واليوم». وفي عام 1946م جرى تصوير فلم تسجيلي عن بدء ضخ النفط من ميناء الأحمدي، وفي عام 1950م قامت دائرة المعارف (وزارة التربية الآن) بتأسيس قسم السينما والتصوير، وتمكنت من إنتاج 60 فلمًا وثائقيًّا تعليميًّا عن التعليم والصحة وغيرهما من أمور تتعلق بالحياة في الكويت.
ويضيف النويري أنه في عام 1954م تأسست شركة السينما الكويتية «التي أخذت على عاتقها إنشاء دور العرض واستيراد الأفلام. وفي عام 1964م انتقل النشاط السينمائي من دائرة الشوؤن الاجتماعية (وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الآن) إلى وزارة الإعلام إذ افتُتح قسم السينما بتلفزيون الكويت ثم مراقبة السينما عام 1981م بطاقة إنتاجية من 20 إلى 30 فلمًا في السنة قبلها. وكان التلفزيون قد بدأ إنتاجه السينمائي عام 1961م.
وفي عام 1964م قدم محمد السنعوسي فلم (العاصفة)، وفي عام 1965م قدم خالد الصديق فلم «الصقر». ويشير إلى أنه يمكن الإشارة إضافة إلى السنعوسي والصديق، إلى العديد من الأسماء التي ساهمت في تشكيل الواقع السينمائي في الكويت. كما يمكن الإشارة أيضًا إلى بعض محاولات الهواة في إنجاز وتحقيق عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية أو أفلام التحريك القصيرة.