السينما ممارسة اجتماعية منظمة
تناولت دراسات عديدة تأثير السينما في المجتمع. وغالبًا يُدرَج أثر السينما ضمن تأثير وسائل الاتصال. لذا، تستخدم نظريات تتحدث عن تأثير وسائل الاتصال الجماهيري بشكل عام ضمن الدراسات عن تأثير السينما. لكن السينما بهذا المعنى ليست جديدة على المجتمع السعودي، فأفراد المجتمع يشاهدون الأفلام منذ عقود. بل يشاهدون ما يريدون من الأفلام منذ ظهرت تقنية الفيديو. وكان لوسائل التواصل الجماهيري أثر هائل في تعميم مشاهدة السينما عبر جعل كل من لديه هاتف ذكي قادرًا على مشاهدة أي فلم يريده، سواء كان مطروحًا قبل قرن أو للتو، متخطين بذلك حاجز التنظيم المحلي.
الذي طرأ على المجتمع السعودي، إذًا، ليس مشاهدة السينما. بل السماح بقاعات سينمائية يذهب إليها الناس فرادى وجماعات لمشاهدة السينما. الجديد إذًا هو السماح بجعل مشاهدة السينما ممارسة اجتماعية منظمة لها ساحاتها وفضاءاتها واقتصادها وطقوسها. ما تأثير ذلك، ما دام تأثيرُ المحتوى نفسه ليس جديدًا وقائمًا من قبل؟
التأثير الأكبر لهذا التطور التنظيمي هو الكلمة التي باتت تتردد كثيرًا على الألسنة مؤخرًا، «حياة طبيعية»، أي أن السماح بالسينما يعيد لنا الإحساس بأننا ننظم مجتمعنا وفق التوقعات المنطقية لعصرنا ومستوى معيشتنا. فالمجتمع العصري، الذي لا إشكال مجتمعي كبير حول رغبتنا بأن نكونه، يتسم بصفات منها أنه لا يمنع وجود صالات سينما. إن منع وجود صالات سينما في مجتمع يعيش، في أساليب حياته اليومية من مسكن ومهن وملبس وفضاءات وطرق قضاء وقت فراغ ومقتنيات، يعيش حياة عصرية، كالمجتمع السعودي كان منعًا مصطنعًا. لذا، حلّت كلمة «طبيعي» في جوهر الوصف لهذا التحول المترافق مع السماح للفنون أن تُقدم وتُعاش في الفضاءات المجتمعية.
«الذهاب إلى صالة سينما» سيدخل حياة سكان السعودية. ستذهب العوائل والأصدقاء بشكل جماعي لمشاهدة هذا الفلم أو ذاك وستكتسي مشاهدة الفلم بطابع الجماعية بشكل أكبر مما كانت عليه من قبل. وستسجل لحظات مشاهدة هذا الفلم أو ذاك ضمن ذكريات المتعة والترفيه للعوائل. ليس الحديث عن تأثير السينما في السعوديين إذًا، بل عن تأثير توافر صالات سينما في المدن السعودية.
تأثير آخر متوقع للسماح بقاعات السينما. ذاك هو التأثير الإيجابي المحتمل لسماح كهذا على صناعة سينما سعودية. فتوافر سوق لعرض الأفلام تعرض فيه الأفلام بشكل يحافظ على حقوق الملكية الفكرية من المتوقع أن يساهم في نهوض صناعة سعودية للسينما. إن حدث ذلك، يكون المجتمع والثقافة السعوديان قد حازا آلة جبارة لصوغ العقول والأذهان. فتأثير السينما في العقول والأفئدة عظيم. وصناعة السينما يمكن لها أن تعزز المشاعر الوطنية. وكما قال جواهر لال نهرو: إن تأثير السينما الهندية في الشعب يفوق تأثير كل الصحف والكتب مجتمعة. بمعنى أن السينما أداة تواصل جبّارة. بل يجادل بعض الدارسين لتأثير السينما في المجتمع بأن السينما لم تعد فقط انعكاسًا للواقع بل هي شريك في صناعته. إنها إحدى أدوات تمرير المواقف والاتجاهات والمعتقدات والقيم ومختلف عناصر ثقافة المجتمع. وما دامت الحال كذلك، فإنه يحسن بالمجتمع، كي يستمر في إمداد أفراده بقيمه ورؤاه وكي ينجح في نقل تراثه للأجيال الجديدة، أن يحوز هذه الأداة الفعالة في تشكيل القيم وبناء «رؤية العالم». ومن المناسب تذكر التأثير الفعال للأعمال السينمائية والتلفزيونية المصرية في تعميم اللهجة المصرية على الشعوب العربية وجعلها اللهجة الأكثر قابلية للفهم، بعد اللهجات المحلية، في أي بلد عربي. ويحسن أيضًا تذكر التأثير المماثل لأعمال الكوميديا السعودية في السنوات الأخيرة في نقل بعض مفردات اللهجات السعودية لخارج السعودية وإدخالها الاستخدام اليومي في بعض الحالات.