انتهت تحديات وبدأت أخرى
كل ما تم حتى الآن فيما يخص السينما هو في ظني خطوات في الاتجاه الصحيح، وهي خطوات بشرت بها رؤية المملكة 2030م حينما أعطت مساحة كافية للثقافة والترفيه بوصفهما من مقومات جودة الحياة، وبوصفهما أيضًا صناعة ستضيف أرقامًا إلى الناتج القومي الإجمالي. الثقافة عاشت في بلادنا سنوات طويلة تعتمد على اجتهادات فردية من المبدعين وبعض المتحمسين من الإداريين، ولم يكن يوجد لها إطار تشريعي واضح يضع قواعد الانطلاق والتمكين للمبدعين. والسينما ليست استثناء، بل إن الرؤية رأت فيها ساحة للإثراء الثقافي وصناعة قادرة على التوظيف وعنصرًا اقتصاديًّا مهمًّا، كما أنها بالتأكيد سلاح قوي في ترسانة القوة الناعمة للوطن كنا نفتقد وجوده كثيرًا.
افتتاح الصالات هو القاعدة التسويقية كبيرة الأهمية، والمجلس السعودي للأفلام ينتظر منه أن يلعب دور المشرع والممكن للسينمائيين ليقدموا إنتاجهم، والمشاركة الرسمية في محفل سينمائي مهم مثل مهرجان كان دليل على أن الدولة تدعم وبقوة تطوير هذه الصناعة. فقط كنت أتمنى وما زلت أن تكون المشاركة في هذه المهرجانات من طريق مؤسسات المجتمع المدني القائمة التي ستنشأ مستقبلًا؛ لأن العقلية الغربية لا تستوعب الحضور الحكومي في محفل ثقافي.
وبكل تأكيد، الصناعة.. أي صناعة لا يمكن أن تقوم دون سوق محلي قادر على دعمها، ولا يمكن أن تقوم صناعة –وبخاصة الثقافة- على أساس التصدير، ففي الثقافة والإبداع أنت عالمي بقدر ما تكون محليًّا. وعلى المستوى الإنتاجي فإن السوق المحلية هي التي ستعيد رأس المال المستثمر في الفلم وقد تحقق له الأرباح الأولى قبل أن ينطلق للأسواق العالمية. ولست قلقًا من صلاحية الفلم السعودي للعرض في الصالات والفوز بثقة شباك التذاكر، ذلك أن الأفلام الروائية الطويلة الثلاثة التي أنتجت خلال الأعوام الأخيرة، وحققت نجاحًا في المهرجانات وفي العرض التجاري خارج المملكة يمكن أن تحقق حضورًا كبيرًا في السوق السعودي، وأنا أشير هنا إلى أفلام «وجدة» لهيفاء المنصور، و«بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ، و«بلال» لأيمن جمال. وكل هذه الأفلام أنتجت بمغامرة استثمارات خاصة أو بدعم من صناديق أجنبية، لكنها لو أنتجت بوجود الصالات في المدن السعودية لتغير حالها الإنتاجي، ولتسابق المنتجون لدعمها لأنها قصص جيدة. وأنا متأكد من قدرتها على الصمود في العرض المحلي لأسابيع عدة.
من ناحية، انتهت تحديات وبدأت تحديات من نوع جديد. فقد حصل السينمائيون السعوديون على الاعتراف الرسمي بوجودهم وأهميتهم، وتحقق حلمهم بقيام منافذ اتصالهم بجمهورهم الأولي. ويبقى أمامهم تحدي الإخلاص لفنهم وتقديم أعمال ترقى لتحدي مواجهة الجمهور وهو الناقد الأكبر والأكثر أهمية، وعدم الخشية من دخول مغامرة إنتاج الأفلام الطويلة. التحديات الأخرى تبقى في ملعب الجهات الرسمية مثل الهيئة العامة للثقافة والمجلس السعودي للأفلام الذي شكلته الهيئة، لاستكمال منظومة التشريعات التي تحفز على قيام بقية عناصر الخط الإنتاجي بدءًا من معاهد التعليم والتدريب على المهن المختلفة التي تتطلبها الصناعة، إلى حفز وتمكين قيام شركات إنتاجية برؤوس أموال كافية، ووصولًا إلى تأسيس صناديق لتمويل الإنتاج النوعي والجاد من الأفلام التي قد لا تغري المستثمرين كثيرًا، فعلينا أن نتوقع، بما أننا نتجه إلى سوق مفتوح، أن يتكون لدينا إنتاج يهدف بشكل رئيس لمغازلة شباك التذاكر مع قيمة ثقافية أقل.